يشهد الاقتصاد الكندي اضطرابات متصاعدة منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث أدت تهديداته المتكررة بفرض رسوم جمركية على الصادرات الكندية، إلى جانب تصريحاته حول رغبته في جعل كندا ولاية أميركية، إلى تصاعد الضغوط الاقتصادية على البلاد.
تصاعد الحرب التجارية وتراجع الثقة الاقتصادية
أسهمت الحرب التجارية المتجددة بين الولايات المتحدة وكندا في تدهور سريع لمستوى الثقة الاقتصادية في كندا. فرض رسوم جمركية على الصادرات الكندية قد يكون له تأثير كارثي على الاقتصاد الكندي، نظرًا إلى أن السوق الأميركية تمثل الشريان الرئيسي للصادرات الكندية. وتُشكل الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة حوالي 78% من إجمالي صادرات كندا، في حين أن كندا تستحوذ على 14% من إجمالي الواردات الأميركية.
علاوة على ذلك، تُعد التجارة مع الولايات المتحدة أكثر أهمية من التجارة الداخلية بين المقاطعات الكندية نفسها. ففي عام 2023، بلغت قيمة التجارة الداخلية بين الولايات الكندية 532 مليار دولار كندي، بينما وصلت قيمة الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة إلى 700 مليار دولار كندي، ما يؤكد اعتماد الاقتصاد الكندي بشكل كبير على السوق الأميركية.
تراجع ثقة الشركات والمستهلكين
انعكست تداعيات الحرب التجارية بشكل واضح على ثقة قطاع الأعمال والمستهلكين في كندا. فقد تراجع مؤشر ثقة الشركات الصغيرة بنحو 60% خلال بضعة أشهر فقط، مسجلًا أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. حتى خلال أزمة الإغلاق في مارس 2020، كانت مستويات الثقة أعلى بنحو 10 نقاط مما هي عليه الآن.
وفي الوقت نفسه، شهد مؤشر ثقة المستهلك انخفاضًا إلى 25 نقطة، وهو أدنى مستوى مسجل على الإطلاق في تاريخ كندا. وتيرة هذا التراجع تعد أسرع مما كانت عليه خلال أزمة الإغلاق التي أعقبت جائحة كورونا، ما يعكس حالة القلق العميق في الأوساط الاقتصادية الكندية.
نمو سكاني وتراجع الإنتاجية
على الرغم من أن كندا شهدت نموًا سكانيًا تجاوز 9% منذ عام 2020، إلا أن هذا النمو لم يُترجم إلى زيادة في الناتج الاقتصادي. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لكل عامل بنسبة 2% خلال الفترة نفسها، ما يشير إلى تراجع الإنتاجية في الاقتصاد الكندي.
أزمة الإسكان وارتفاع الأسعار
يُفاقم أزمة الاقتصاد الكندي النقص الحاد في المساكن، والذي أدى إلى تضخم غير مسبوق في أسعار العقارات. فقد ارتفعت أسعار المساكن بنسبة 300% منذ عام 2000، ما جعل امتلاك منزل في كندا بعيد المنال للكثير من المواطنين. وتعاني كندا حاليًا من عجز هيكلي يُقدر بنحو 250 ألف وحدة سكنية في كل ربع من العام، في وقت تتراجع فيه وتيرة بناء المساكن منذ عام 2021، بينما يتضاعف الطلب على السكن.
ارتفاع التضخم وتأثير الرسوم الجمركية
على صعيد التضخم، ارتفع معدل تضخم مؤشر أسعار المستهلك في فبراير 2024 من 1.9% إلى 2.6% على أساس سنوي، وهو أعلى من التوقعات البالغة 2.2%. والأخطر أن هذه البيانات لا تعكس حتى الآن تأثير الرسوم الجمركية الانتقامية الأميركية بالكامل، ما يعني أن معدل التضخم قد يرتفع بسهولة إلى أكثر من 3% خلال الأسابيع المقبلة.
مستقبل قاتم للاقتصاد الكندي
الأوضاع الاقتصادية الراهنة تضع الاقتصاد الكندي أمام تحديات معقدة، حيث يواجه مزيجًا من تراجع الثقة، تباطؤ النمو، أزمة إسكان خانقة، وارتفاع التضخم. في ظل هذه الأوضاع، فإن تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة قد يكون بمثابة ضربة قاصمة للاقتصاد الكندي، ما يجعل الخروج من هذه الأزمة يتطلب استراتيجيات اقتصادية قوية وسريعة التنفيذ.