إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ....

إن شعر المتنبي الذي قال فيه: اذا انت أكرمت الكريم ملكته يُعد من أكثر الأشعار شهرة حتى وقتنا الحالي، حيث نجح شعر المتنبي بالتأثير في نفوس وعقول الشعوب على مر العصور.
لذلك نجد أن عنوان هذه المقالة يعكس حالة المجتمعات التي نعيش فيها في المهجر حيث أننا نكاد نستخدمه كل يوم في حياتنا طالما أننا وجدنا الأشرار والحُساد يجولون ويصولون في كل مكان، ولكن يجب أن لا يزعزع ذلك ثقتنا بأنفسنا وفي قيمنا وفي أخلاقنا وفي توجهاتنا الإنسانية النبيلة طالما أننا نؤمن بذلك.
من هنا لابد من أن نعي بأنه قد يخطئ الفرد كثيراً إذا ظن أنه لابد أن يتعامل بنفس المعاملة مع البشر بمختلف نوعياتهم وثقافتهم ودينهم،  لا بل عليه أن يتعامل معهم بالتعامل الإنساني الراقي الذي يعكس فطرته الجميلة وهويته وثقافته وعقيدته، بالرغم من أن هناك نوعيات من البشر يظنون أن التعامل برقي هو ضعف ويتوقعون أن هذا الاحترام أو التقدير والكرم الذي يبديه الفرد الكريم هو خوف وتقليل من القيمة، ولكنهم يجهلون بأنه لا يستطيع أن يجعل الناس جميعهم في مرتبة واحدة، فكل إنسان لابد له من معاملة تتناسب مع طباعه، ولذلك فإن التعامل مع الناس فن صعب إتقانه إلا من خلال إحتراف سلوكيات معينة وإيمان بقدرات ومكانة خاصة ، ولكن لابد من محاولة فهم الأفراد دون الوقوع في الأخطاء، وأيضاً لابد من التفريق ما بين الكريم واللئيم في المعاملة.
 فالكريم لابد من معاملته بنفس كرمه وزيادة على ذلك، أما اللئيم فلابد من الحذر منه والإبتعاد عنه وعدم الإستماع إليه أو لرواياته التي غالباً ما تكون مشبوهة ومشوشة، وذلك قدر الإمكان  لأنه يتلذذ بايذاء الآخرين وبث الفرقة فيما بينهم ، وهذا يمثل إنكعاساً حقيقياً لتربية غير سوية.
لذلك فإن الإنسان الحكيم هو الذي يعلم جيداً كيف يتعامل مع الناس جميعهم بقواعد مرنة ويخاطبهم على قدر عقولهم، وعليه ألا يتوقع أن الناس جميعهم يتصفون بالكرم والحكمة و الأمانة وحسن الأخلاق أو القدرة على فهم الآخر،  أو أن جميعهم يتصفون باللؤم والغش، فالناس على كل نوع، بعضهم يشكر ويحسن والبعض الآخر ينكر ولا يحمد على شيء.
!ذاً هي العلاقة الإنسانية  التي تنبت من ذاتية الفكرة عن ماهية الشخص وضرورة تحديد العلاقة معه قبل المضي قدماً في تحديد كرمه أو لؤمه ، لذلك من المفضل في المجتمعات الحديثة التي تغزوها النميمة والنفاق،  أن يحدد الإنسان فكرته عن الآخر مبكراً وضمن قواعد إنسانية صحية وأخلاق نبيلة لتحديد علاقته به من خلال متابعة مواقفه وليس فقط من خلال السمع عنه حتى لا يكون هناك ظلم بين،  وبالتالي ندم على ما يتم فعله بحق إنسان بريئ أو لا يتصف بما يتصف به المنافقين والنمامين والكذابين عناوين وصناع الفتن.
إن الكريم هو صاحب مواقف نبيلة تتحدث عن نفسها وهو يمثل جوهرة من من جوانب الإنسانية ولا تحتاج لبرهان ولا يحتاج الأمر لمعرفة هذه الحقيقة  الكثير من الجهد وأيضاً هذا ينطبق على اللئيم وهو صاحب المواقف الخبيثة والشريرة ولكن من الصعب كشف ذلك بسهولة خاصة عند الجهلة والسذج الذين يقبلون بالتخلي عن عقولهم ليصبحوا مأسورين لأمثال هؤلاء من الخبثاء واللؤماء الذين يحعلون منهم بضاعة للكسب والمتاجرة بألامهم وأوجاعهم.
لذلك لابد من أخذ الحذر من مصاحبة اللئيم أو اكرامه، لأن التعاطي مع اللئيم هو مضيعة وقت ، وهذا النوع من الأشخاص غدار لا ينفع معه الكرم، والعكس صحيح حيث أن الكريم يستحق العمل معه بكل الكرم وهذا إستمثار  إنساني لا يضيع.
كما أن الكريم لا يبحث عن الزلات لخدمة فكره الشرير من خلال التشهير بهذا وذاك ، بل يحاول دائما بكرمه أن يجد الأعذار والمبررات كون أن قلبه مليئ بالحب والخير على عكس قلب اللئيم الذي يبحث في كل التفاصيل ليجد الأخطاء والزلات التي تساعده لكي يبرر حماقاته وقذارة فكره وهو يتلذذ بإيذاء الآخرين.
لذلك نجد أن الكريم هو دائماً صاحب نخوة ومبادرة ويتصف بالرجولة على عكس اللئيم فهو سلبي ذاتي بخيل غير سعيد يأكل بعضه بعضاً وهو يتلصص على سلوكيات الآخرين.
فهيهات هيهات ما بين الغث والسمين حيث لا يمكن أن يكون اللئيم كريم ولا يمكن أن يصبح الكريم لئيم!.
لذلك إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ، وكل إناء بما فيه ينضح.
هذا هو حال الدنيا وما علينا إلا أن نكون من الساعين المحبين للحياة لكي نعيشها بكل تفاصيلها بدون أن نغرق أنفسنا في كيفية إيذاء أحد،  لا بل علينا أن نكون كرماء مع أنفسنا حتى نكون كرماء مع الآخرين وبالتالي نصنع بارقة أمل ونصبح صناع حياة من أجل أن يكون هناك  كرماء بالفعل والسلوك والعطاء.