ومع عودة الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، وبشكل قوي وشرس وارتقاء ما يربو عن خمسمئة شهيد خلال ثلاثة أيام، يتعاظم الرفض العالمي لتلك الهجمة الإسرائيلية الغير مبررة على جميع محافظات القطاع، واشتداد الحصار المطبق على المعابر منذ ما يزيد عن العام والنصف، و تفاقم الكارثة الإنسانية على الغزيبن في أعظم الأشهر شهر رمضان المبارك، لم يعد يفكر الغزيون بالطعام والشراب فقط، بل صار همهم الأكبر البحث الدائم عن ملاذ آمن يحميهم من نيران طائرات ومسيرات ومدافع قوات الاحتلال الإسرائيلي، لحماية أسرهم من قصف حربي شنيع لا يتوقف والذي في معظمه على أهداف مدنية بحتة، وسقط على إثرها أكثر من مئتين من الأطفال خلال أربعة أيام من بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية الوحشية على الأبرياء في غزة.
و على الجانب الآخر يتبادر إلى الذهن سؤالاً ملحاً، كيف استقبلت الأمهات الثكالى يوم عيد الأم؟! وكيف احتفل ابن فقد أمه ولم يتمكن من معايدتها وتقديم هدية لها، وإدخال البهجة والسرور على قلبها، فالموت غيب أمه وأمهات كثر لديهن أطفال، طواهن القبر فأصبحت ذكرى آخر عيد أم من الماضي يراود أحلام اليتامى وأمنيات للخلاص من الحرب، و منحهم على الأقل فسحة هادئة يسترجعون فيها ذكريات الأهل الذين رحلوا، يبثون شجونهم ويذرفون الدمع حزناً على فراقهم، حتى عز البكاء و رثاء الأحباب في ظل حرب لا ترحم صغيراً ولا شيخاً ولا جمادا.
عيد الأم لمن؟! لأم فقدت بنيها وبناتها يعني ألم الفراق والفقد والجوع، و غياب ابتسامة ابن وهو يقدم هديته المتواضعة المملوءة بالحب والامتنان، تستذكره وتنحدر الدموع من مقلتيها، تتصفح صور ذكريات احتفال أسرتها بعيد الأم، الذي عاد ولم يعد فلذة كبدها على قيد الحياة، والذي طالما أسعد قلبها وتذكرها بيوم كيوم عيد الأم وقبل يدها عرفانا بجميل صنعها .
لا معنى لعيد الأم في غزة تقولها أمهات فقدن أولادهن، فالقتل والجوع والنزوح يلوح في الأفق في كل لحظة، سيما وأن العمليات العسكرية الإسرائيلية تتصاعد يوماً بعد يوم، وقد تلقت ضوءا أخضرا من الإدارة الأمريكية بصورة فجة، عيد الأم بالنسبة للأم الغزاوية هو وجود أبنائها بجانبها، فكيف سيحلو وقد أصبح من كان يقول لها: كل عام وأنت بخير يا أمي، شهيداً فبدل أن يدخل عليها مهنئاً مقبلاً يدها و رأسها، تزور قبره وتدعو له وتروي له ما كان منه في عيد الأم في العام الماضي، وتشكو حالها بعد رحيله، إنه عيد أم مختلف برائحة العجز و المعاناة تقولها أم فقدت أبنائها وأبناء فقدوا أمهاتهم، وعلى ألسنتهم بكل ألم وقهر محظوظ من لديه أم و مغبون من أبنائه بجواره.
طعم الأعياد يمر على غزة بطعم المرارة والأسى والخيبة من خذلان المجتمع الدولي لها، لم تعد الأعياد كما كانت، فقدت بريقها وحل مكانها مأساة إنسانية غير مسبوقة سكنت بقعة صغيرة من العالم، ولسان حال أهل غزة بأي حال عدت يا عيد.
خوله كامل الكردي.