ما يزال العديد من الشباب العربي على طول خط الوطن العربي، يراوده حلم الهجرة إلى بلاد الغرب لتحسين وضعهم المعيشي، وللحصول على فرص أفضل للعمل والدراسة، وربما بناء حياة بمستوى اجتماعي أرقى، لا يمكن أن يحصل عليه أولئك الذين يطمحون إلى الهجرة للخارج، في تصورهم لو عملوا سنوات طويلة في وطنهم لن يحصلوا على تلك الفرصة الذهبية التي تنقلهم إلى حياة ملؤها الراحة المادية، والحد من العناء الذي يواجهون في بلدانهم، لهدف تطوير و رفع مستواهم المعيشي.
لا غرو لو أردنا أن نسأل الشباب العربي وهي الفئة الأكثر تطلعا للهجرة، فيما لو أتيحت لهم فرصة الهجرة إلى بلاد الغرب، قد نجد مروحية عظمى منهم تتمنى مجيء فرصة للهجرة خاصة إلى البلدان التي يمتاز المواطن فيها بمستوى معيشي مرتفع، وعلى النقيض من ذلك قد نجد أن الفئة التي تنحصر بين سن ٤٥ وأكثر وبالأخص الذين لديهم عائلات، لا يميلون بشغف إلى الهجرة، و تغيير نمط حياة اعتادوا عليه بآخر جديد لم يألفوه من قبل، ولم يعد بالإمكان تغيير نمط حياتهم بسهولة، أي بمعنى صار لديهم مناعة من تلك الأحلام التي تداعب مخيلة العديد من فئة الشباب للوصول إلى مستقبل مرفه (أكثر سعادة)، و مبتغاهم أن يحضن وطنهم أجسادهم عند الوفاة. و على نفس السياق نجد أن فئة الشباب في الأعمار بين ١٦-٤٠ هم الأكثر حماساً للهجرة أملا في حياة أسهل وفرص عمل ودراسة وفيرة، يستطيعون معها تطوير مهاراتهم وقدراتهم، واكتساب لغة جديدة أو تحسين لغتهم الأجنبية، هذا عدا الإلمام بمعارف متنوعة، والاطلاع والتعرف على ثقافات مختلفة، أي مميزات متعددة قد لا يتمكنون من إحرازها لو عملوا في بلدانهم كما يتصورون، وتلك تسمى بالحافزية أو الدافعية على العمل، فيمتلكون المثابرة والاجتهاد في العمل، حتى لو بدأوا من الصفر وفي أعمال بسيطة، يأنفون الولوج إليها فيما لو كانت في أوطانهم، بسبب ثقافة (العيب) المستشرية بين الشباب العربي، أي يعزفون عن أعمال يخجلون من القيام بها في مجتمعاتهم المحلية، في حين لا يتورعون عن الانخراط بها في بلاد المهجر، لعدم وجود تلك الثقافة.
وعلى المقلب الآخر، لوحظ وإن كان بنسب قليلة عودة بعض الأسر العربية من الخارج إلى بلدانهم، غرض الإستقرار، و تجنباً للظروف السياسية الدولية المتذبذبة، ولحماية النسيج الاجتماعي العربي والثقافي، من الوقوع في براثن التغريب الذي وللأسف وقعت فيه بعض الأسر العربية، فتفككت أوصال اللحمة الأسرية بين أفراد العائلة الواحدة، وتبني بعض المهاجرين العرب أفكاراً غريبة دخيلة على مجتمعاتنا الشرقية، تثير نوعاً من الاستهجان في حواضنهم الاجتماعية، لقد كانت حماية الأبناء و الجيل القادم من الارتماء في أحضان ثقافة مغايرة تماماً لثقافتهم العربية الإسلامية أيضاً من أحد أهم الأسباب للرجوع إلى الوطن.
وقد حملت العديد من الأسر العربية المهاجرة عبء رعاية أبنائهم وتعليمهم في مدارس عربية، لتوفير مناخ صحي يساعدهم على الاحتفاظ بهويتهم العربية والتشبث بالقيم والمبادئ و العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة في أوطانهم، والجدل في جدوى أن تكون الهجرة الجسر الذي يعطي المواطن العربي، ما حلم به من حياة أفضل، يدفع بعض المهاجرين ضريبة ذلك من ثقافتهم الأصيلة و روابطهم الاجتماعية.
وفي تصورنا لو حصل الشباب العربي على يصبون إليه من فرص عمل بمميزات جيدة والتخطيط للمستقبل بثقة في أوطانهم، نعتقد أنهم لن يفكروا في الهجرة بالأساس، على الرغم من قصص النجاح التي يسطرها كثير من الشباب العربي في بلدانهم، حيث أثبتوا جدارتهم واستغنوا عن فكرة الهجرة، وأسندوا اقتصاد وطنهم الأم، و ألهموا عديد من نظرائهم لتشجيعهم على أن يثقوا بأنفسهم وقدراتهم ومؤهلاتهم، والعمل و عدم التردد فالأوطان تحتاج لسواعد أبنائها لبنائها ونهضتها وتنميتها.