آخر الأخبار

من المغرب..لقاء حصري مع أ. منير بن صالح، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي.

 س. بداية هل بالإمكان أن تعطونا فكرة عن طبيعة العمل في المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب؟
ج. شكراً لكم وأهلاً وسهلاً بكم في بلدكم الثاني المغرب..مجلس حقوق الإنسان هو مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، وتعمل وفق مبادئ باريس التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993، وهي مؤسسة أُنشئت في المغرب منذ 1990، وهذا العام نحتفل بالذكرى الثلاثين لتأسيس هذا المجلس.
 في خلال الثلاثين عام الماضية كان هناك مجموعة من التغييرات سواء على مستوى المؤسسة أو على مستوى المناخ السياسي العام في المغرب، وكانت هذه المؤسسة في قلب هذه التحولات نحو تعزيز وتطوير ثقافة حقوق الإنسان في المغرب، وأيضاً في تطوير ممارسة الديمقراطية.


س. هل بالإمكان أن تحدثنا عن طبيعة هذه التحولات؟
ج. أولاً يمكن القول بأن المؤسسة كانت تحرص على الدوام في توصياتها على التفاعل مع كل المتغيرات وذلك خضم التحولات المهمة التي حصلت، وأخص بالذكر توصيتها المهمة بخصوص تأسيس اللجنة المستقلة للتحكيم في سنة 1999 وهي لجنة عُهد إليهامهمة جبر ضرر ضحايا انتهاكات الماضي في حقوق الإنسان، وهناك توصية أخرى بتأسيس لجنة الحقيقة  في المغرب وهي هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004 ، والآن يقوم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمتابعة التأكد من تنفيذ توصيات هذه الهيئة.


س. هل بالفعل تؤمنون بأن هناك تغيير حقيقي تجاه حقوق الإنسان في المغرب؟
بالتأكيد، فهناك تغيير حقيقي وملموس على مستوى حقوق الإنسان في المغرب، هذا التغيير حصل عبر مراحل عديدة ، المرحلة الأولى كانت مرحلة الإنفراج العام في البلد وهي مرحلة التسعينات، والتي رافقتها مرحلة انفراج سياسي عام، ثم تلتها مرحلة قطيعة مع الماضي، تمثلت كما قلت في هيئة الحقيقة "هيئة الإنصاف والمصالحة" التي صالحت المغاربة مع تاريخهم على المستوى الحقوقي والتي أسست لعهدٍ جديد عبر توصياتها، ثم كان هناك دستور 2011 الذي أقر حقوقياً مجموعة من الإجراءات تضمنت تعزيز الحقوق والحريات، وتجريم بعض المقتضيات التي تُجرمها المواثيق الدولية، واعتبار هذه المواثيق في أحكامها أعلى من القانون الوطني في إطار الشفافية والمصداقية.


س. ماذا عن صون حرية التعبير في المغرب وعملية المشاركة الفعلية في صنع القرار أو ما شابه ذلك سواء من المعارضة أو من غير المعارضة؟
ج. كما أسلفت هناك دستور 2011 الذي أعطى مجالاً كبيراً للمعارضة السياسية، كما أعطى مجالاً كبيراً للبرلمان من حيث التشريعخلافاً لما كان عليه في السابق، وأصبح اليوم هو المؤسسة التشريعية بإمتياز، كما أعطى للمعارضة دوراً مؤسساتياً داخل الدستور، أي أن المعارضة تتكلف بمجموعة من الأشياء ، وترأس مجموعة من اللجان البرلمانية ، وهناك تعددية فكرية، وتعددية حزبية، كما أن هناك تعددية سياسية مكرسة دستورياً، وبالنسبةللممارسات التشريعية والسياسية فهناك منذ العام 2011 دورتين على الأقل من الانتخابات التشريعية.
 كما كان هناك أيضاً انتخابات محلية وجهوية، حيث انتقل المغرب من بنية ممركزة في العاصمة إلى جهوية موسعة فيها 12 جهة تشارك في صنع القرار، فيها رؤساء جهات منتخبون، وفيها مستشارون جهويين منتخبون.
أيضاً هناك مؤسسات محلية تدير الشأن العام المحلي، بمعنى أن اليوم هناك تكريس للمشاركة السياسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك تكريس للحقوق والحريات على مستوى حرية التعبير، حرية الفكر، حرية الرأي.
هذا بالإضافة إلى أن الجمعية العامة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان صادقت على تقريرها السنوي لعام 2019 الذي تضمن على ان هناك حوالي أكثر من 30 – 40 مظاهرة تنظم في المغرب، وهي في غالبها تظاهرات سلمية وتمر في أجواء عادية، حيث يعبر فيها المواطنون عن مطالب معينة أو يحتجون على أشياء جديدة.
 أيضاً بات الأمر متاحاً أمام المغاربة لتقديم العرائض وتقديم التماسات للتشريع، فالدستور يسمح للمغاربة بأن يتقدموا أمام المحكمة الدستورية باحتجاج على عدم دستورية القوانين مما يمكنهم من المشاركة في صناعة القرار.. ممكن أيضاً للمواطنين خارج الإطار التشريعي كالبرلمان أن يقترحوا مشاريع قوانين.


س. ألا تخشون أن يتم استغلال ذلك من قبل بعض الأحزاب أو الجهات الأخرى للتأثير على مسار القرارات؟
ج. التخوف في العملية الديمقراطية هو شيء مشروع، لكن الديمقراطية هي أمر بالغ الأهمية وهي تحمي نفسها، كما أن الديمقراطية هي شكل تنظيم مجتمعي يسمح بتصحيح الأمور من داخل النظام السياسي، وبالتالي إذا كان هناك دفع من جهة طرف ما من أجل التشريع خلافاً
 لصالح أجندة معينة، فهذا دائماً يبقى تحت سلطة المؤسسة البرلمانية التي تقوم بالتعامل مع مقترحات المواطنين بشكل مباشر بما يخدم المصلحة العامة.


س. كيف تنظرون الى مسألة الإصلاحات على المستوى السياسي والأمني في المغرب؟
ج. المغرب قطع أشواطاً كبيرة سواء في مجال حقوق الإنسان، أو التأسيس لتجربة جديدة، أو حتى في الميدان السياسي والتعددية الحزبية، فنحن لدينا تعددية حزبية منذ زمن بعيد، وهناك تجربة جيدة في ممارسة الديمقراطية، كل هذه الأشياء أوصلت المغرب إلى مرحلة من النضج في ممارسة الديمقراطية وممارسة حقوق الإنسان وصون ذلك. 
هذا لا يعني بأننا قد وصلنا إلى سدرة المنتهى في مجال الديمقراطية، فالديمقراطية هي بناء مستمر تستلزم أيضاً أن يكون جميع الفاعلين من مؤسسات ومن أحزاب، وجمعيات ومواطنين متشبعين بممارسة القيم الديمقراطية، وبالتالي هذه الأمور مجتمعة ستساعد في بناء دولة الحق والقانون المنشودة والتي يتطلع إليها الجميع.


س. بعيداً عنما تفضلتم به، نجد بأن هيئات حقوق الإنسان بشكل عام في الوطن العربي تحديداً تتأثر بالقرار السياسي لهذه الدول ويكون هناك ضغوطات على هيئة حقوق الإنسان لعدم ممارسة دورها الحقيقي في صون حقوق الإنسان العربي، كيف تجدون ذلك في المغرب كهيئة مستقلة،هل تتعرضون لضغوطات من الدولة؟
ج. أود أن أوضح هنا بأن المؤسسات الوطنية هي مؤسسات تشكلها الدول من أجل أن تمارس اختصاصات معينة باستقلالية عن الحكومات، هذا بناءً على قرار الجمعية العامة في الأمم المتحدة، وهناك تحالف دولي لهذه المؤسسات مقره جينيف، وهذا التحالف الدولي يعطي اعتمادات لهذه المؤسسات بناءً على درجة استقلاليتها عن السلطات التنفيذية. 
كما أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب قد تم تصنيفه على  درجة "أ " من ناحية الاستقلالية منذ زمن بعيد، نحن اليوم فخورين وغيورين على استقلاليتنا عن الحكومة بهذا المضمار، كما أننا مستقلين عن الأحزاب السياسية ، ومستقلين أيضاً في أرائنا ، وعندما نصدر تقاريرنا غالباً لا تعجب الحكومات وبعض تيارات الرأي، وبذلك نقول نحن قد أدينا مهمتنا لأننا في حالة عمل التوازن الصعب بين الدولة والمجتمع، ومهمتنا أن نعطي رأينا بكل استقلالية ومهنية وحياد وحصافة رأي بعيداً عن  أي تأثيرات، ويكون رأينا إنطلاقاً من المعايير الدولية ومن الممارسات الفُضلى.
أيضاً نحن هنا في المؤسسة الوطنية اجتهدنا أكثر لأننا نقدم اجتهادات لمؤسسات أخرى منها المحاكم الدولية.


س. ماذا عن السجون في المغرب؟
ج. نحن نزور كل السجون في المغرب ، منذ العام 2018 لدينا آلية وطنية للوقاية من التعذيب ، أُسست بموجب القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ونقوم بدورنا سواء في مجال الحماية أو النهوض بحقوق الإنسان حتى في هذه الأماكن التي نسميها " أماكن الحرمان من الحرية".
عموماً هناك تحسن مستمر في السجون لكن نرصد أيضاً بعض الخلل فيها كالاكتظاظ وأشياء أخرى، ونحاول تحسينهامع إدارات السجون عبر توصيات نقدمها. في العام 2013  أصدرنا  تقرير عن  وضعية السجون في المغرب، وأخرجنا منه توصيات نعمل عليها مع كافة المؤسسات المعنية في هذا الصدد.


س. هل هناك اعتقالات بسبب حرية الرأي والتعبير؟ وهل أنتم راضون اليوم كمجلس وطني لحقوق الإنسان على ما وصلتم إليه من تقدم في هذا المجال؟ 
ج. أستطيع القول بأننا اليوم في المغرب بعيدين بشكل كبير عن الاعتقال بسبب الرأي أو بسبب حرية التعبير.
نحن اليوم فاعلين داخل هذا التطور كمؤسسة وطنية مستقلة، ففي العام 2013 قمنا بتقديم تقرير حول المهاجرين، وفي العام 2014 تجاوبت معنا الحكومة المغربية وتقرر منح بطاقات إقامة لأكثر من 50 الف مهاجر.
كما أنه لابد من الإشارة إلى  أننا نأخذ ضروريات استقلالية، وضعنا كمدافعين عن حقوق الإنسان بعين الاعتبار، ونريد أن نحقق المزيد من الأشياء ونصدر التوصيات ونستمر في العمل من أجل تحقيق أشياء أكثر فأكثر في مجال حقوق الإنسان في المغرب.


س. ما الذي تودون قوله لأبناء الجالية المغربية في الخارج سواء كانوا موالين للدولة المغربية أو معارضين؟
ج. نحن لا ننظر للمواطنين في الخارج كمعارضين أو موالين، نحن نرى فيهم الإنسان قبل كل شيئ ولا تهمنا أرائهم السياسية بقدر ما يهمنا احترام حقوقهم الأساسية الفردية والجماعية..وأتمنى على أخوتنا المواطنين المغاربة في الخارج أن يساعدوا بلدهم في مرحلة التطور سواء على المستوى الاجتماعي، الثقافي، الاقتصادي، ويجب أن يتحروا المعلومة من مصادرها، وأن يساندوا أخوتهم المغاربة في الداخل لتطوير ممارساتهم وترسيخ دولة الحق والقانون.
أخيراً شكراً جزيلاً أ.منير على هذا الوقت الثمين الذي منحتمونا إياه، ونتمنى لكم كل التوفيق وللمغرب المزيد من الرخاء والإزهار ودوام الرفعة والتقدم.