في دولة مثل كندا، التي تعتبر من أكثر الدول تقدمًا في العالم من حيث النظام القانوني، تبدو أشكال الجريمة في تصاعد مستمر، ما يثير تساؤلات عن سبب هذا الانهيار الظاهر في الأمن، ومدى قدرة الدولة على مواجهة هذه الظاهرة.
إن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل يعتقد بعض المجرمين أن كندا أصبحت بيئة خصبة لارتكاب الجرائم دون رادع؟ هل هم يظنون أننا نعيش في ظروف تشبه تلك التي يعاني منها بعض الدول التي انهارت مؤسساتها في مرحلة ما، مثل الصومال، رغم أن كندا دولة عظيمة تتمتع بمؤسسات قانونية قوية وأمن داخلي متين؟.
في الواقع، الوضع في كندا اليوم لا يقتصر على أن الجريمة قد انتشرت بشكل ملحوظ، بل تشير بعض المؤشرات إلى اتساع الثغرات التي تسمح للمجرمين بالتمادي في جرائمهم.
الأسباب الرئيسية لتفشي الجريمة في كندا
1. عدم القدرة على ردع المجرمين
على الرغم من أن النظام القانوني القوي في كندا، فإن هناك نقصًا ملحوظًا في ردع المجرمين. فالكثير من الجناة لا يشعرون بالقلق تجاه العقوبات التي قد يتعرضون لها لا بل إنّ بعضهم وصل به الحال لأن يزهو ويتباهى بقدارته الإجرامية وتحديه للقانون وقدرته على التحايل عليه.
في الحقيقة، تزايد عدد الجرائم بشكل ملفت، سواء كانت سرقات او احتيال على التأمين أو تبييض أموال أو هجمات عنيفة وعمليات قتل وحرق بيوت بشكل متعمد، وهو ما يشير إلى وجود فجوة في المتابعة والتحقيق وفرض العقوبات الحاسمة.
لذلك يبدو أن غياب الردع الفعّال قد خلق بيئة يشعر فيها المجرمون بالطمأنينة بأنهم يستطيعون الإفلات من العقاب في كثير من الحالات.
2. طول فترة المحاكمة وتراكم القضايا
من أبرز العوامل التي تساهم في انتشار الجريمة في كندا هو التأخير الطويل في المحاكمات القضائية حيث أن القضايا الخطرة ومنها تجار الكوكائين ومهربيه على سبيل المثال قد يمنح المجرم فرصة لإتخاذ كل ما يمكن أن يجعله يفلت من العقوبة.
هذا وقد يستغرق الأمر سنوات طويلة قبل أن يتم النظر في قضايا بعض المجرمين، مما يتيح لهم فرصة للإفلات من العقاب ولربما إسقاط القضية.
كما أن الأمر لا يتوقف هنا، فالمجرمين يستغلون هذا التأخير لتعزيز مواقعهم، سواء عبر التشويش على سير التحقيقات أو عن طريق تأجيل المحاكمات مرة بعد مرة.
هذه الفترة الطويلة لا تمنح العدالة أي فرصة لإحقاق الحق بسرعة، بل تتيح للمجرمين الفرصة لإخفاء الأدلة وتغيير مجريات القضية لصالحهم وتسخير محامي الدفاع للبحث في كل ما يمكن تبرئتهم وذلك من خلال إستخدام مال الإجرام في دفع تكاليف أتعابهم.
3. المال والنفوذ غير المشروع
على الرغم من أن كندا دولة تحترم القانون وتعتبر المؤسسات القضائية فيها مستقلة، فإن هناك فئة من المجرمين الذين يملكون المال الناتج عن أنشطة غير قانونية مثل تجارة المخدرات أو النشاطات الإجرامية المنظمة وتجارة السلاح.
هؤلاء الأفراد لديهم القدرة على دفع مبالغ ضخمة للمحامين المتخصصين، مما يعزز من قدرتهم على إطالة أمد المحاكمة أو إيجاد ثغرات قانونية يمكن أن تؤدي إلى تبرئتهم.
هذه الفئة لا تهدف إلى “شراء الذمم” فقط إن جاز التعبير ، ولكنهم يستخدمون الأموال التي جمعوها بطرق غير مشروعة لشراء الوقت، مما يسهم في تأجيل العدالة وتحقيقها وهذا بالطبع يمنع ردعهم لا با يشجعهم على الإمعان والاستمرار في نهجهم وسلوكهم الإجرامي.
4. استعداد بعض المحامين للعمل لصالح المجرمين
كما يواجه نظام العدالة في كندا مشكلة تتمثل في استعداد بعض المحامين للعمل ضد المصلحة العامة من أجل تحقيق أرباح مالية وتحقيق نجاحات في قضايا اجرامية معقدة ضاربين عرض الحائط خطورة هؤلاء المجرمين وما يمثلونه من خطورة بالغة على الإقتصاد الوطني والأمني القومي وسلامة المجتمع.
على الرغم من أن المحامين في كندا يتبعون قواعد أخلاقية محددة، إلا أن بعضهم يختار الدفاع عن المجرمين بغض النظر عن فداحة الجرائم المرتكبة، مما يؤدي إلى إطالة أمد القضايا. هؤلاء المحامون يمكنهم جعل المحاكمات تستمر لفترات طويلة، مما يعرقل تحقيق العدالة ويزيد من فرص الإفلات من العقاب.
5. ضعف السياسات الاجتماعية والاقتصادية في بعض المناطق
بالإضافة إلى العوامل القانونية، يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا العوامل الاجتماعية والاقتصادية. بعض المناطق في كندا تعاني من قلة الفرص الاقتصادية، ما يعزز من انتشار الجريمة.
حيث أن الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع أو قلة الفرص التعليمية قد يصبحون عرضة للإسقاط والانجراف نحو الأنشطة غير القانونية.
هذه الظروف تُستخدم من قبل المجرمين كأداة للضغط على المجتمع المحلي وزيادة تجنيد واستقطاب الشباب في الجريمة المنظمة.
كندا ليست مكانًا للإفلات من العقاب
إلى جميع المجرمين الذين يظنون أنهم في مأمن من العدالة في كندا والذين باتوا يستخفون بالقانون والعدالة والذين استهوت نفوسهم العربدة وممارسة الجريمة والذين يظنون بأنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون وكيفما يشاءون ووقتما يشاءون ومنهم عرب من جنسيات متعددة، نقول لهم: هذا البلد أمانة في أعناقنا وسيظل دولة قانون، ولا مكان فيه للمجرمين الذين يعتقدون أنهم يستطيعون الإفلات من العقاب. نعم، هناك تحديات قد تغري هؤلاء المجرمين حتى وصل بهم خيالهم بأن هذه البلد العظيمة واقعة ولا يوجد فيها قانون صارم وحازم، ولكن عليهم معرفة أن كندا تمتلك يقيناً القدرة على مواجهة هذه التحديات. لدينا مؤسسات قانونية وأمنية قوية، ولدينا عزم على حماية المجتمع من كل من يهدد أمنه واستقراره سواء كان ذلك على مستوى الجريمة أو مستوى التهديدات المتطرفة والإرهابية.
إنّ أصحاب صناعة المال والنفوذ من الجريمة قد يظنوا أن بإمكانهم تحييد العدالة أو تأخيرها، ولكن في النهاية، العدالة ستكون أقوى من كل محاولات التلاعب والنصب والإحتيال.
لذلك ليس لدي شك بأن الحكومة الكندية ممثلة في مؤسساتها الفاعلة والقوية تعمل على تقوية النظام القضائي وتضييق الثغرات التي يمكن أن يستغلها المجرمون.
ومع كل خطوة يتم اتخاذها، مع كل قانون جديد يتم تمريره، تقترب العدالة من أن تطال أولئك المجرمين الذين يعتقدون أنهم فوق القانون.
خلاصة
في الختام، كندا ليست المكان الذي يظن فيه المجرمون أنهم يستطيعون الهروب من العدالة إلى الأبد.
كندا هي دولة قانون، وأي محاولة للمساس بالأمان العام ليس لدي شك بأنها ستواجه بالحزم والشدة.
كما أن المجتمع الكندي لن يسمح للمجرمين بأن يتلاعبوا بالعدالة أو يظنوا أنه يمكنهم تغيير مجراها ليتمكنوا من لعب دور الضحية بالرغم من جرائمهم الواضحة.
كندا سوف تواصل مواجهة الجريمة بحزم، وتعمل على تأكيد هيبتها وهيبة مؤسساتها في مجال الأمن والقانون ، مهما كانت التحديات التي قد تواجهها.