أعرف أن مقالي هذا لن يروق للبعض وقد يزعج البعض الأخر، ولكنه بدون أدنى شك سينال إستحسان البعض الأمين والصادق والذي لديه ضمير حي ويغار على القيم الإنسانية للفرد من جهة ومن جهة أخرى على سلامة المجتمع والدولة.
هذا يأخذنا للتعريف بحق الفرد وأيضاً سلامة المجتمع، وذلك حتى نضع النقاط على الحروف، ونوضح الأهداف المبتغاة من مثل هذا المقال الذي ينتفض فيه القلم ليحمل معه صرخة مفادها بأن هناك ضروريات وأولويات لابد من أخذها بعين الإعتبارحتى لو كانت مؤلمة من جهة وتطيح ببعض المفاهيم القديمة من جهة أخرى.
إن مفهوم الحق الإنساني، هو ذاك الحق الذي يؤكد على أنه من حق كل شخص، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، أن يدعو ويسعى إلى حماية وإعمال حقوق الإنسان والحريات الأساسية على الصعيدين الوطني والدولي وأن تكفل القوانين حقه الإنساني في التصرف والدفاع عن نفسه بشكل مباشر أو من خلال مؤسسات قانونية تكفل له ذلك.
ولكن أيضاً هناك واجبات على الأفراد، أهمها عدم المساس بأمن الدولة أو سلامة المجتمع، حيث أنه لابد من أن يكون هناك ضوابط على أساس أن كل شخص يدرك هذه الواجبات إزاء وضمن المجتمع المحلي الذي في إطاره وحده يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.
وعليه فإن للأفراد والجماعات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية دور مهم يؤدونه، ومسؤولية يضطلعون بها في صون الحرية الشخصية والديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والإسهام في تعزيز المجتمعات والمؤسسات والعمليات الديمقراطية والنهوض بها. بعيداً عن إستغلال الثغرات المتاحة في هذا الإطار ضمن التفسير الذي يخدم العمليات الإجرامية أو الإرهابية.
هذا يؤكد على أن إنخراط الفرد في الجريمة أو في التطرف الفكري والإرهاب يمثل مساساً خطيراً في جوهر مفهوم حقوق الإنسان وهذا يتماشى مع المساس بأمن المجتمع وهيبة الدولة وسلامتها، وبالتالي لابد من مواجهته بقانون يحميه ويحمي أسس الحفاظ على مقومات الأمن القومي لهذه الدولة بما يحفظ هيبتها ومكانتها.
ومن المنظور القانوني، فإن الحقوق هي صلاحيات يتمتع بها الشخص ويمكن فرضها على أشخاص آخرين ولكن يجب أن تكون في إطار إحترام القانون وليس في إطار التحايل عليه. والدولة مطالبة بالتأكد من احترام حقوق الأفراد، كما يعترف القانون بذلك، وحمايتها، وإعمالها، وفرضها عند الضرورة ولكن عليها أن تعمل على تطويرها بما يحفظ أمنها القومي وسلام المجتمعات والأفراد فيها، وأيضاً بما يحافظ على هيبتها وهيبة القانون ورجالاته.
وفي الوقت نفسه، فإن الدولة مٌلزمة بالامتثال لسلسلة من الإلتزامات لضمان حقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها بما لا يتعارض مع أمنها القومي وأمن مواطنيها.
بطبيعة الحال، لا يترجم القانون دوماً إلى ممارسة عملية، وهناك حالات لا تٌحترم فيها الحقوق الفردية أو تٌنتهك حتى عمداً، وفي مثل هذه الحالات، يتم تنشيط مسؤولية الدولة، وتماشياً مع مبدأ سيادة القانون، يجوز رفع الإجراءات القانونية ضد الدولة مما يفسح المجال أمام من يعملون على إستخدام القانون لخدمتهم من خلال التحايل عليه للخروج من عقوبة إرتكاب جُنحة أي كان نوعها وهذه تمثل ثغرة بالغة الخطورة أتاحت للكثير من المجرمين التجرؤعلى الدولة وهيبتها وضرب إقتصادها ومن ثم المساس بأمنها القومي.
كما أنه في ظل المتغيرات والتحديات المحيطة فإن سلامة الدولة طبقاً للقانون الدولي، والإتفاقيات الدولية، والقانوني الإنساني تأتي كأولوية قصوى عن سلامة الفرد وحقوق الإنسان خاصة في ظل الحالة المرعبة التي باتت تستهدف القانون وتستغل ثغراته خدمة لأهداف إجرامية وإرهابية وذلك للأسباب التالية:
أن القانون الإنساني الدولي ينظم حالة الحقوق الإنسانية للفرد وحريته وسلامته ولكنه لم يحدد بشكل دقيق الأسس القانونية لحدود هذه الحقوق والحريات، مما يجعل سلامة الفرد لها أولوية مطلقة ضمن بعض المفاهيم وهذا أمر جيد إن تم في إطار منضبط ، ولكنه يتنافى مع القانون الدولي واتفاقيات جنيف الدولية، والتي أقرت بأن صلاحيات القانون الإنسانية محددة وليست مطلقة خاصة عندما يُستهدف القانون ورجالاته من أجل تحقيق غايات شريرة تمس بهيبة الدولة وإقتصادها ومن ثم أمنها القومي وعلى كل المستويات..
أخيراً أعتقد أن هناك تباينات مختلفة في هذا الموضوع ولكن برأيي الشخصي المتواضع أنه في ظل المتغيرات والتحديات المحيطة، أرى بأن سلامة الدولة أهم بكثير من حق الفرد الإنساني المكفول عملياً بقوة القانون وبسلامة الأمن القومي للدولة ، فإذا كانت الدولة سليمة فإن حق الفرد مكفول حتى إن لم يكن مثاليا أو ملائما إلى الحد المطلوب، ولكن في حال إنهيار هيبة الدولة وعدم توفر الأمن فإن كل شئ سيطيح بأمن الفرد وحقه وسلامته، ولن يتمتع بأي حق من الحقوق، بل أن مقومات حياته ومستقبله تصبح في خطر.
لذلك لابد من إتخاذ خطوات جريئة وشجاعة تحدد مسار التمتع بالحق الإنساني المكفول من خلال معايير محددة ومنضبطة ضمن الإطار القانوني حتى لا يتم إستغلال ذلك ضد القانون وإستهداف مقومات الدولة وهيبتها وأمنها القومي.
من هنا لا نرى أبداً أن ضرب بؤر الإجرام والتطرف والإرهاب في عقر دارها هو عمل يتنافى مع حقوق الإنسان بل هو أمر مُلح وضرورة قصوى للحفاظ على هيبة الدولة وأمنها وسلامة مقدراتها، لضمان وتحقيق الرخاء والإزدهار للمجتمع، وهذا بطبيعة الحال سيكفل الحق الإنساني للتمتع بحياة كريمة ويجعل الإنسان أمناً ومبدعاً وطامحاً للعيش في بلد يحكمها القانون ولا يتجرأ عليه رجال العصابات والمجرمين والمرتطبين بمنظمات متطرفة وإرهابية.