لم يعد هناك ما يدفعني لوضع إطاراً بلون غير الأسود لصورتي ، فكل شئ حولي يقتلني ، فكيف لا ونحن في خضم الحرب الهمجية على قطاع غزة من جهة والسهام الغادرة تتوجه إلينا من كل حدب وصوب من جهة أخرى، والتحديات الناجمة عن ذلك تفترس أحلامنا وتقتل ثقتنا بأنفسنا حتى أصبحنا نقف عاجزين أمام مواجهة سلوكيات وخطاب الكراهية المتصاعد، ولكن أيضاً أعجز عن تفسير حالة السذاجة التعبيرية في نقل حقيقة الألم والوجع حيث أن عاطفتنا جياشة وتغلب دائماً على أفعالنا الطيبة التي تعمق حالنا ووضعنا كضحايا على الدوام، وهذا يدفعنا للتساؤل كثيراً حول ماهية الأهداف والأسباب ومن يقف وراء ذلك، ولمصلحة من يتم ذلك؟.
لكن قبل أن أذهب بعيداً في حديثي عن هذا الموضوع، أود التذكير بأن المشاعر الإنسانية ليست سلعة للبيع والمتاجرة وليست لعبة إليكترونية يتم التحكم بها، لذلك أود أن أذكر بأن الحال لن يتغير طالما أن من يدّعون أنهم قادة المجتمع يتصارعون فيما بينهم على النفوذ والسيطرة ويعملون على تجيير الأمور بما يخدم مصالحهم الشخصية فقط بطريقة تتماهى مع أهداف من يقومون بهذه السلوكيات غير السوية سواء كان ذلك بشكل فطري مريض أم كان ذلك نتاج سياسة توجيهية هادفة لتعميق مثل هذا الأمر.
كنت أظن أن المجتمع بخير ويتعافى ولكن للأسف نحن في مأزق كبير وبعيدين عن التعافي جداً ، لذلك سأتحدث اليوم عن موضوع الكراهية من جديد، وهذا يأخذنا لتعريف هذا الخطاب المقصود والذي لا زالت الدنيا بأكملها تطالب بضرورة نبذه ومحاربته والوقوف ضده، لكن هذا الأمر سرعان ما ينهار عندما يتعلق الأمر بمحددات معينة تشير بأنه لربما لا تنطبق هذه المعايير كاملة أو مجتزئة على الظروف التي نتعايش معها مما يجعل الأمور تخضع لمفهوم النفاق وإزداوجية المعايير!.
فالخطاب بشكل عام هو وسيلة للتعبير عن فكرة أو رأي أمام جمهور على نحو خطي أو لفظي أو مرئي أو فني وما إلى ذلك.
ويمكن نشر هذا التعبير عبر وسائل الإعلام ومنها الإنترنت والمنشورات والإذاعة والتلفزيون.
ونتيجة لعدم انضباط الخطاب الإعلامي ولربما الرسمي لدى البعض ظهرت ظواهر خطيرة لأن بعض الخطابات إنزلقت في مستنقع الكراهية والإنحياز الأعمى سواء كان ذلك عن قصد أو تحت بند الإبتزاز، وهذا بلا شك يؤدي إلى عواقب كثيرة أهمها تكدير السلم المجتمعي بسبب التحريض على العنف غير المباشر والمباشر تجاه مجموعات مهمشة.
ومن مظاهر خطابات الكراهية حالات التشهير والشتم المتكررلأفراد مسالمين، أو الافتراء أو ممارسة سلوكيات هادفة لإغتيال الشخصية في إطار خارج عن الصور النمطية المؤذية، وإنما أكثر تدميراً للنفس البشرية وهي التي قد تُنشئ بيئات مشحونة بالحقد وتؤدي الى حصول تداعيات سلبية وخطيرة.
وخطاب الكراهية اليوم له مدلولات بشعة ومردود سلبي جداً على الفئة المستهدفة، بسبب الأذى النفسي الناجم عن المساس بكرامتها نتيجة للمهانة ، والنتيجة المؤكدة هي إنعزال هذه الفئة عن المجتمع وتحصين نفسها في إطار غير المألوف أو المرغوب به.
ويعتبر خطاب الكراهية من أسوأ صور التنمر على الإطلاق لأنه يؤدي إلى حشد الأراء المتطرفة مع بعضها البعض من أجل إغتيال شخصية الطرف المستهدف سواء كان ذلك على مستوى المجموعة أو الفرد ، وبالتالي تؤدي هذه التصرفات الشاذة إلى تعزيز نطاق تهميش الفريق المستهدف اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا، كما تساهم في تحويل الأشخاص المستهدفين من أشخاص أسوياء إلى أشخاص متطرفين فكرياً وسلوكياً.
لذلك من المهم أن نعترف بخطورة خطاب الكراهية قولاً وفعلاً بكل أنواعه والتجاوب مع متطلبات ذلك وتحديث الحالة التي تبني سدوداً قوية أمام ذلك، وأن لا نتغافل عن المسببات لهذا النوع من السلوكيات السلبية، كما علينا العمل بجدية من أجل إيجاد حلول جذرية لتنقية الأجواء العامة للمجتمع لحمايته من الكراهية، حيث أن تأمين الحماية الشاملة والكافية من كل الجوانب الأخلاقية والإنسانية والمهنية والمجتمعية لحقوق الإنسان يتطلب التصدي بجد وإجتهاد أكبر للكراهية بكل أشكالها.
هذا يأخذنا من جديد للنظر بعمق تجاه الكثير من السلوكيات غير السوية والقصص المرعبة التي نسمعها على لسان الكثيرين ممن يجهلون كيفية التعاطي مع مثل هذه الأمور بدون خوف ولا تردد حتى لا يفقدوا إنسانيتهم وتٌحفظ حقوقهم، ويُفسح المجال أمامهم لكي يعيشوا بأمن وأمان وسلام.
نحن اليوم لسنا أمام حالات بعيدة عن مجتمعنا العربي والمسلم ايضاً، بل أن هناك أناس مليئة بالحقد والكراهية ويمارسونها ويمارسون سلوكياتهم المشينة وهم مختبئين وراء ثغرات القانون، ولربما لديهم من يساعدهم ممن هم من المفترض بأنهم من يحمون القانون، الذين يعملون على تعميق هذه الفجوة وزيادتها لا بل رعايتها وتوفير الحماية لمن يقومون بها سواء كان ذلك من خلال أفراد عاديين أو من خلال أفراد لديهم إرتباطات إجرامية يعملون على ضرب الهيكلة الأساسية للبنية المجتمعية.
هنا أود الإشارة إلى أن لخطاب الكراهية أشكال متعددة تختلف في جوهرها وطريقة تنفيذها، حيث يمكن لهذا الخطاب الشاذ أن يكون على شكل تصرفات مسيئة فيها الكثير من التغول على كرامة الشخص المستهدف، وعاداته وتقاليده، وضوابط دينه، وإهانة ثوابته ووصولاً إلى الدعوات الصريحة إلى التمييز ضد مجموعة معينة وفي أسوأ الأحوال الدعوة إلى القتل الجماعي أو الفردي.
من جهة أخرى لا بد أن أذكر أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يشير بشكلٍ خاص إلى تصنيفات معيّنة من خطابات الكراهية الحادة التي يجب على الحكومات منعها والوقوف في وجهها لتحقيق العدالة وإرساء أسس السلم المجتمعي.
وهذا يشمل الخطاب الذي يروّج بشكلٍ فاعل للكراهية التمييزية بطريقة تُحرِض الناس على ارتكاب الأذية بحق المجموعة المستهدفة، لمجرد انتمائهم لهوية أو ثقافة معينة ، أو حتى لربما من أجل تحقيق غايات شخصية مشبوهة، هذا النوع من الأذية قد يأتي على شكل عنف أو تمييز أو أي فعل معادٍ آخر للفرد والمجتمع.
كما أنه في حال كان خطاب الكراهية مهيناً أو مسيئاً ، أو محرضاً على القتل، لا بد من تحديده بشكلٍ ووصف دقيق ودراسة الأسباب وفهم الدوافع بتمعن حتى يتم التعاطي مع النتائج بما يلزم من إيجاد حلول منطقية وواقعية ومستدامة كي لا تصطدم مع الثقافة والضروريات العقائدية.
هذا بكل تأكيد يجعلني أنوه على ضرورة أن نعي أن الواجب يحتم علينا التمييز بين الواقع والخيال بالتعاطي مع مثل هذه المعضلة ، حيث أنه لا يجوز أن نتغافل عن كل الجوانب الإيجابية، ونركز فقط على الجوانب الشاذة والسلبية والفردية لنعتبرها عنواناً جامعاً ومصدراً للكراهية ، هنا يكون الخلل وهنا تحصل المشكلة وهنا تمتلئ القلوب بالحقد وهنا ينمو التطرف الفكري ومن هنا تأتي الكراهية ونبدأ بتحسس خطابات مليئة بالحقد ولا علاقة لها بالإنسانية.
هنا لابد من التنويه إلى أن بعضنا يتغاضى عن هذا النوع من الخطابات، وبعضنا يرفضها، وبعضنا يجيرها لصالحه، والبعض الأخر هو بلا شك أحمق ويعمل على أن يضخمها ويستثمرها لإشعال الفتن وبالتالي يعمل على استمرارها.
لذلك إذا كنا نريد علاجاً جذرياً يجب علينا مواجهة الحقيقة وتسمية الأمور بمسمياتها وتسخير كل الطاقات من أجل التعاون لمواجهتها، فعلاج الأمور الخطرة لا يتم بالإحتواء فقط، بل بعملية إزالة كاملة خاصة عندما يكون طارئاً.
والسؤال هو كيف بالإمكان الوقوف في وجه هذا الخطاب المدمر ولجمه قبل أن يتصاعد، حيث أنه يتوجب علينا نحن كأفراد أو مجموعات فعل الكثير لمواجهة خطاب الكراهية وذلك عن طريق تهيئة مناخ صحي آمن خالِ من الكراهية والتنمر، مما يجعل المواطن قادرعلى العمل بكفاءة واستخدام طاقته في المساهمة في بناء ورخاء وإزدهار المجتمع وسلامته ، كي يعود بالنفع على كل المواطنين ويعم الأمن والأمان والسلام على الجميع.
لهذا أجد بأن هناك ضرورة لنشرالوعي وإرساء العدالة المجتمعية والإنسانية بشكل أكثر فعالية، وتنظيم الجهد بدون مزاحمة أو تغييب لأي طرف، واستخدام حقوقنا في حرية الرأي والتعبير لتعزيز المساواة بين الجميع والتصدي للكراهية بكل أنواعها والوقوف في وجه مسببات التمييز أينما وجدت ، وأن نصبح يداً واحدة تعمل تحت مظلة واحدة ومن أجل رفعة بلد واحد يمنح الجميع حق العيش بسلام وآمان حتى لو كان هناك سلبيات صادمة، وبهذا نفوت الفرصة على كل الشاذين فكرياً من ممارسة سلوكياتهم المريضة لننعم بمجتمع متصالح يحكمه خطاب الحب والإلتقاء والإنتماء الصادق والأمين.