بقلم / قيس علي الارياني
يواجه المهاجرون الجدد من عدد من التحديات أمام توطينهم في كندا. إن كثير من المعوقات ترجع لعوامل أصيلة في طريقة الحياة في كندا، لكن أغلب المعوقات هي في الواقع عوامل داخلية لدى المهاجر نفسه، وهذه العوامل هي الأهم حيث انها تؤدي إلى إحباط المهاجر ومعاناته التي قد تطول لدى البعض، بينما يتغلب عليها كثيرون. في هذه السلسلة من المقالات، التي رأيت أن يكون عنوانها بداية جديدة، اتطرق لبعض المواضيع الخاصة بالاندماج في كندا، الموطن الجديد، وهذه المقالات من وحي التجربة والاطلاع.
1. البداية:
كندا بلد الفرص:
كندا بلد مفتوح، يشجع المهاجرين، ولديه خطة تعتمد على الهجرة بدرجة رئيسية، وهو يستقطب المهاجرين من مختلف أنحاء العالم وفقاً لسياسات واعية ومنظمة. توفر كندا فرصاً قلما تجدها في أي بلد آخر تمنح المهاجر فرصة لتحقيق أهدافه، ولدى كندا برامج خاصة لإعادة التوطين مما يخفف العبءعلى المهاجرين، مع ذلك كله فالمعوقات موجودة، فكندا بلد مثل غيره من البلاد، لديه أنظمته ومجتمعه وأسلوب حياة تكونت على مر السنين. إضافة لذلك فإن بعض سياسات الهجرة قد تجلب مهاجرين لا ينسجمون بسهولة مع الحياة في كندا، خذ على ذلك مثالاً، حامل لشهادة عليا في القانون يصل إلى كندا، سرعان ما يجد مؤهله عبئاً عليه، فهو لا يرتبط بشكل مباشر مع سوق العمل في كندا.
عوامل النجاح الداخلية:
عندما ينتقل المهاجر من بلده الأصلي إلى كندا يكون الدافع الرئيسي له هو الحصول على فرصة أفضل لتحقيق أمانيه، ولا شك أن قرار الهجرة قرار صعب، يقدم عليه عدد محدود من الناس، وهؤلاء يتمتعون بروح المغامرة، ولديهم الجرأة على اتخاذ قرارات مصيرية. هذه الروح يجب أن تكون دافعاً لمواصلة السعي لتحقيق الأهداف التي انتقل من أجلها الإنسان إلى كندا. بمجرد الوصول إلى كندا، يواجه المهاجرون واقعاً يختلف عما تخيلوه، فمهما بلغت درجة التحضير للهجرة فإن ذلك لا يمكن أن يستوعب جميع الجوانب الخاصة بالحياة.
المهاجر الذي ينتقل من بلده الأصلي إلى كندا هو في الواقع مثل شجرة خلعت من جذورها، في الطريق لتزرع في موطن جديد تنمو فيه. من الطبيعي أن تأخذ الشجرة وقتاً لتنمو من جديد، عقب امتصاص الصدمة التي حدثت لها. يعتمد الوقت اللازم لاستعادة الشجرة لحياتها ونموها على كيفية خلعها من موطنها أولاً، ثم على طبيعة الأرض الجديدة والرعاية التي تتلقاها في الموطن الجديد، ثم على شيء غير ظاهر وهو أهم من كل ما سبق. هو استعداد الشجرة نفسها للتكيف في موطنها الجديد للنمو من جديد إثر تلك الصدمة.
يحمل المهاجر من موطنه الأصلي آمالاً بمستقبل أفضل ينتظره، هذه الآمال ترتبط بقدرة المهاجر على التعامل مع ماضيه. بعض المهاجرين يكونوا متزنين في فصل جذورهم عن مواطنهم الأصلية، ويحتفظون بعلاقات جيدة، بقايا جذور، مع ما سيصبح عما قريب ماضٍ. البعض الآخر يفصلون الجذور بطريقة عنيفة، ويقطعون أية علاقة مع الماضي، خاصة أن كان قرار الهجرة جاء نتيجة لمعاناة ما. قد لا يكون قرار فصل الجذور واعياً، لكنه شيء لا بد منه، سواء جاء بشكل كامل، او احتفظ بشيء من البقايا. أولئك الذين يديرون هذه العملية بوعي قد يكونوا أوفر حظاً في النجاح، لأن قرار الفصل النهائي وإماتة ما تبقى من جذور مع الماضي غالباً ما يصبح عبئاً يتحمله المهاجر في موطنه الجديد، وإن لم يبد ذلك من الوهلة الأولى. في المقابل، يبقي البعض جذوراً أكثر من اللازم في مواطنهم الأم، فيصبح العيش والاستقرار في الموطن الجديد عبئاً. فالعيش مع ذكريات الماضي، واسترجاع صور السعادة التي عاشها المهاجر مع اهله وأصدقائه ومجتمعه، يكون ملجأ للمهاجر، لكن تلك الذكريات، وذلك الماضي يجب الا يشد المهاجر للماضي، بل أن يصبح حافزاً للمستقبل.
يأتي المهاجر محملاً بعلمه، والعلم ثروة وقوة للإنسان، لكن الشهادة التي حصل عليها خارج كندا، ليس لها نفس القيمة عندما يصبح في كندا، وإن كان قد استفاد منها في الحصول على أذن الهجرة لكندا. ما تعلمه الانسان قبل وصوله لكندا يجب أن يكون عاملاً من عوامل النجاح، ولكن ذلك قد لا يرتبط بالضرورة بالشهادة التي يحملها، مهما بلغت أهميتها لدى المهاجر. يعتمد سوق العمل في كندا على مجموعة من المهارات والمعارف التي قد لا تكون نفسها تلك التي يحملها ا لمهاجر، ومن هذا المنطلق يجب على المهاجر أن يتعرف أولا على موطنه الجديد وما يحتاجه، وكيف يمكن لعمله، او للشهادة التي يحملها، أن يكونا مفيدين في كندا.
إذا توصل المهاجر لقناعة بأن يستقر في كندا، فليس له إلا أن يكون عضواً فعالاً في المجتمع، والخطوة التالية هي في كيفية البدء في تحقيق تلك الغاية. يحتاج المهاجر لنقطة بداية، ولذلك لا بد له من الدخول في سوق العمل، حيث تمكنه تلك الخطوة من اكتساب الثقة بنفسه، وبداية شعوره بالاطمئنان. ولكن كيف السبيل للدخول في سوق العمل في كندا؟. هذا موضوع الحلقة التالية.