كان أحدهم ثملا جدا ، جلس علي المقعد الأمامي من سيارتي وجلس الآخران على المقعد الخلفي، إتجهت بهم من أمام حانة أل (بالمينوا) الوقعة في الجزء الغربي من مركز مدينة (وينيبك) التي كانت تستقبل الثلوج بكثافة في ذلك الوقت المتأخر من الليل إلى حي (سانت نوربت)، يبدو على ذلك الشاب الذي أختار الجلوس إلى جانبي قد راق له عالم السكر الذي يعيش فيه ، يغني بصوت خافت ، يصفق و يضحك ، يهز برأسه طربا دون أن يكترث أو يعبأ بما يدور خلفه من شجار صاخب أندلع بين رفيقيه عندما إتهم أحدهما الآخر بالغيرة والحسد حين حاول أن يسرق منه معشوقته التي تعرف عليها في تلك الحانة التي يرتادها ابناء الريف وعاشقوا البيئة الريفية ، قال غاضبا :
-لا أدري كيف وصلت بك الوقاحة والجرأة أن تسلب مني تلك الفتاة الجميلة .
- عجبا لأمرك تتحدث وكأنك تعرفها منذ أعوام , لقد جاءت إلى تلك الطاولة من أجلي أنا لذلك دعتني إلى الحديث والرقص معها .
- يالك من مغفل، كانت ترقص معك وعلامات الغرام تأتي إلي من عينيها وفمها ويديها , وما إن فرغت منك أسرعت إلي ، أخذت رقم هاتفي بعد حديث غرامي شيق .
- توقف عن المرواغة والكذب فانا صديقك منذ اعوام ، أعرفك جيدا .
- أبعد يدك عن وجهي أيها الغبي قبل أن أبرحك ضربا لست صديقك بعد الآن .
إستعنت بصديقهما بعد أن حاولت جاهدا أنهاء ذلك الصراع الوشيك عله أكثر مهارة مني ، سألته متوسلا أن يضع حدا لما يحدث بين رفيقيه ، رفع رأسه المرتجف ، نظر إلي بعينيه المحمرتين ثم سألني مستغربا :
- ياألهي ماهذا ، أنت تشبه السيد ياسر عرفات كثيرا .
- ربما ، فأنا عربي أيضا لكن أرجوك إلتفت إليهما .
- أحب ذلك الزعيم وأحترمه كثيرا وأحب تلك الكوفية الجميلة التي يرتديها كيف يمكنني أن أحصل على واحدة مثلها ؟
- سأشتري لك عشرين كوفية إن استطعت إيقافهما .
- وماذا عن العقال ؟
- ياألهي ، أفعل شيئا قبل أن ينفجر رأسي أتوسل إليك!
وضع يده على فمه ثم أشار بيده الأخرى أن أقف فورا ، ما إن وقفت جانبا حتى رمى بنفسه على الجليد بعجالة ، حاول النهوض بعد أن أخرج مافي أحشائه ، هرعا إليه مسرعين ، صرخ بعد أن مسك أحدعما بذراعه قائلا:
- إبعد يدك عني ، لا أريد رفقتكما بعد الآن ستكون هذه السيارة إما لي أو لكما .
- مالأمر ياأخي !؟
- لاتقل أخي ، إن صحبتكم ورفقتكم لأعوام ماأيسر أن أطيح بها على يد تلك العاهرة التي فتنت بينكما .
- نعتذر لك عن ذلك ياأخي ونعدك أن مابيننا قد أختفى .
- قلت لك لاتقل ياأخي !
- حسنا سنقول لك ياصديقي .
نهض ببطيء ، نفض بقايا الثلوج عن ثيابه ، ثم قال بعد صمت قصير : هكذا أفضل ، يوجد العديد من الأصدقاء من هم أكثر وفاء وإخلاصا من بعض الأخوان . تركوا سيارتي ، وهم يصفقون ويغنون معا أغنية مطرب الريف الكندي جيسن مكوي (نوع من الحب).أستوقفتهم قائلا : ألا تعودون إلى سيارتكم بعد عادت السعادة والبهجة إليكم .قال صاحبهما :
- لا تقلق لم يبق إلا القليل سنكمل طريقنا سيرا.
- وماذا عن أجرتي ؟
صمتوا جميعا ، نظر بعضهم إلى بعض بشيء من الخجل والحياء ، إلتفت إلى بعد أن أخرج يده خالية من جيبه قائلا : لاتقلق ، يمكنك أن تحتفظ بالعقال وعشرين كوفية ثمنا لأجرتك ، رافقتك السلامة .