على ضفاف الشرفة في تلك الغرفة في إحدى البلاد البعيده كانت فتاة في عمر الورود ... يمتد بصرها إلى أعالي الجبال المجاوره.. تراقب القمر الذي يظهر تارة بين الغيوم ويختفي تارة .. يداعب الهواء خصلات شعرها الخروبي .. تنتظر الصباح بشوق لتذهب الى المدينة المجاورة لقريتها ..
أغمضت عينيها والآمال تحلق عبر الزمن ترسم في خيالها مستقبل وردي يحفه مسحات من الغموض .. فإذا بصوت يقول "انا الماضي الجميل أنا الذكريات أنا الأجمل من المستقبل الغامض" .. فيرد صوت المستقبل قائلا : "انا قد ارسم لك الورود في لوحة الحياة فالزمن يتغير والحياة في تطور سريع " ... يرد الماضي:" أتتوقين للمجهول فما يدريك قد يكون بائسا حزينا" .. قاطعه المستقبل : "إلي الشوق دائما.. استتاري هو سر الفضول لدى البشر .. اسأل الناس عني كم بهم شوقا إلي ".. يجيبه الماضي متحمسا : " بل اسأل الناس عني كلما حن الحنين وكلما عصفت بهم الرياح يتجهون إلي يندبون الحظ لو عاد الزمان إلى ذاك المكان" ....
ولكن المستقبل رد بثقة قائلا : الإنسان الضعيف يركن إلى الماضي فلايبحث عن الحكمه ولايبحث كيف يتعامل مع الأحداث ولكن حتى يصبح أكثر سعادة يثق بقدرة الله وبماسخره وثم بقدراته على تخطي الصعاب .. بالعلم والعمل يسطر التاريخ المستقبل ليكون ماض جميل مليء بالذكريات والإنجازات .. ثم قال وهو ينظر باتجاه الماضي "أخي الماضي أنا في يوم ما سأصبح صديقا لك عندما أصبح ماض لمن أنا مستقبل له الآن .. ولكنني اتمنى أن أصبح ماضيا أفتخر به مليئا بالجواهر وكنوز المعرفة والمواقف النبيلة ، بالعطاء والسخاء ، وبالحكمة والمعروف" ... أطرق الماضي يفكر كيف كان عندما كان مستقبلا أو حاضرا .. ويقيم نفسه آنذاك .. عندها جاء الحاضر يشبك بينهما بصداقة قائلا " الماضي خبرة وفخر والمستقبل تحفيز وعمل وأمل " ....
فتحت الفتاة عينيها من تلك الغفوة وإذا بخطوط الفجر تنبثق من بين طيات الغيوم معلنة بزوغ الفجر .. استنشقت نسمات رقيقة بحمد ومنة وابتسامة تثير في نفسها الشوق للذهاب لمكتبة المدينة لشراء كتابين .. أحدهما تجمع منه كنوز المعرفة تقفز من خلاله بين البلدان والمجرات لتتعرف على الكون الغامض من حولها ... وكتاب آخر يقفز فيه فكرها في ثنايا النفس البشرية .. تتعرف فيها على الانسان ، تجمع فيها الحكمة والعلم والمعرفه .. داعية الله في السجود أن يكون مستقبلها سعيدا مليئا بالفخر والاعتزاز .. بالعلم والعمل ...