واشنطن – تورونتو | أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية ضم كندا إلى الولايات المتحدة جدلًا واسعًا على المستويين السياسي والشعبي، وذلك بعد أن وصف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنه “حاكم” لكندا، مشيرًا إلى أن البلاد قد تصبح الولاية الأمريكية رقم 51، في ظل ما وصفه بـ”حاجتها للحماية الأمريكية”.
من مزاح إلى تهديد جدي
بدأ الجدل في نوفمبر الماضي، عندما زار جاستن ترودو ترامب في منتجعه بمارالاغو عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث طرح الرئيس المنتخب حديثًا فكرة أن تصبح كندا جزءًا من الولايات المتحدة. وفي مقابلة مع شبكة MSNBC، كشف ترودو أنه حاول التفاعل مع الفكرة ساخرًا، مقترحًا تبادل ولاية فيرمونت أو كاليفورنيا مع كندا، لكنه لاحظ أن ترامب لم يجد الأمر مضحكًا، وسرعان ما انتقل إلى موضوع آخر.
إلا أن هذه التصريحات، التي بدت حينها كمجرد مزحة، عادت للظهور بشكل أكثر جدية بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وأفاد مراسلا صحيفة فايننشال تايمز، مايلز ماكورميك (واشنطن) وإيليا غريدنيف (تورونتو)، بأن لهجة ترودو تجاه هذا الطرح قد تغيرت تمامًا بعد شهر واحد فقط من عودة ترامب إلى السلطة، مما يعكس تصاعد الجدية في الخطاب الأمريكي حول هذه القضية.
وفي الأسبوع الماضي، سُمع ترودو في حديث غير رسمي، التقط عبر مكبر صوت لم يكن يعلم أنه يعمل، وهو يعترف بأن “تهديدات الضم التي يطلقها ترامب شيء حقيقي”، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية لديها خطط لاستغلال الموارد الطبيعية الكندية.
تصعيد في الخطاب الأمريكي
وفي تصعيد جديد، صرّح ترامب، خلال حديثه يوم الخميس، بأن كندا قد تكون “منافسًا جادًا للغاية لتصبح الولاية الأمريكيةرقم 51”. وأضاف أن “الكنديين بحاجة إلى حماية الولايات المتحدة”، مما دفع المحللين إلى التساؤل حول مدى جدية هذه التصريحات وإمكانية أن تكون جزءًا من استراتيجية سياسية أكبر.
استراتيجية جيوسياسية أم مناورة سياسية؟
ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، أشار إلى أن هذه التصريحات ليست مجرد مزحة، بل تأتي ضمن رؤية استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الهيمنة الأمريكية على القطب الشمالي. وأوضح أن الحديث عن ضم كندا يرتبط أيضًا بخطط واشنطن للسيطرة على غرينلاند وقناة بنما، وذلك في سياق الصراع الجيوسياسي مع الصين وروسيا على الموارد القطبية.
وقال بانون: “سبق أن أكد ترامب أن اللعبة الكبرى الجديدة في القرن الحادي والعشرين تدور حول القطب الشمالي، حيثتتنافس القوى العظمى على النفوذ والسيطرة على الموارد المعدنية والطاقة هناك”.
لكن إليوت أبرامز، الممثل الخاص السابق لإدارة ترامب في فنزويلا وإيران، حذّر من أن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى تدهور العلاقات بين واشنطن وأوتاوا. ومع ذلك، أكد أن ترامب لديه “قناعات قوية” بشأن هذه القضية، ما قد يشير إلى احتمال أن يكون هناك ضغط حقيقي على كندا في المستقبل.
ردود فعل كندية قوية: حملة وطنية ضد الضم
داخل كندا، أثارت هذه التصريحات موجة من الوطنية، حيث دعت العديد من الجهات إلى دعم المنتجات المحلية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة اقتصاديًا. كما شهدت البلاد إلغاءً للعديد من الرحلات إلى الولايات المتحدة كخطوة احتجاجية، وسط قلق متزايد حول نوايا إدارة ترامب تجاه أوتاوا.
أما ترودو، فسعى إلى تهدئة الأوضاع وطمأنة الكنديين، مؤكدًا أن سيناريو ضم كندا للولايات المتحدة “غير وارد إطلاقًا”. وفي تصريحات لوسائل الإعلام، قال: “لا فرصة لنجاح هذا المخطط، تمامًا كما لا فرصة لنجاة كرة ثلج في الجحيم”، في إشارة إلى استحالة حدوث ذلك سياسيًا أو قانونيًا.
تحليل سياسي: تكتيك تفاوضي أم استفزاز لترودو؟
يرى الخبراء أن هذه التصريحات قد تكون جزءًا من استراتيجية تفاوضية يتبعها ترامب، حيث يعمد إلى تبني مواقف صادمة لجذب الانتباه وكسب أوراق ضغط في أي محادثات مستقبلية.
وقال كيفن مادن، الشريك البارز في مجموعة Penta للاستشارات والمستشار السابق للمرشح الرئاسي ميت رومني: “السخريةمن فكرة الولاية رقم 51 تضمن أن يسيطر موقف ترامب على العناوين الرئيسية، مما يجعل من الصعب على خصومه أومنافسيه التفاوضيين تحقيق أي تقدم ضد أجندته”.
من جانبهم، يرى المحللون الكنديون أن ترامب يحاول استغلال الموقف السياسي الهش لترودو، الذي يستعد لمغادرة منصبه في مارس المقبل. ويعتقد بعض المراقبين أن الرئيس الأمريكي يسعى لاستفزاز الحكومة الكندية وإضعاف موقفها السياسي قبيل أي مفاوضات جديدة بين البلدين.
ختام
في ظل هذا التصعيد في الخطاب السياسي بين واشنطن وأوتاوا، يبقى السؤال المطروح: هل تصريحات ترامب مجرد تكتيك تفاوضي لكسب نفوذ في أي محادثات مستقبلية، أم أنها تعكس توجهًا استراتيجيًا طويل الأمد يسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في أمريكا الشمالية؟
الأيام المقبلة ستكشف المزيد عن نوايا إدارة ترامب، لكن من الواضح أن العلاقات الأمريكية-الكندية تمر بمرحلة غير مسبوقة من التوتر، قد تؤثر على التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجارتين في المستقبل القريب.