آخر الأخبار

مني أنا رئيس التحرير… بالرغم من الألم والوجع، كل عام وأنتم بكل الخير

مع نهاية هذا العام، أجد نفسي غارقًا في التفكير حول ما مررنا به من مآسي وأحداث مفصلية تركت أثراً عميقاً في حياتنا. لم يكن هذا العام مثل غيره بالنسبة لي، فقد مررت بتجربة قاسية وغير متوقعة، فقدت خلالها شقيقي الشهيد ومئات الشهداء من عائلتي في غزة، وكان لهذا الفقدان وقع خاص في قلبي. ولكن ما زاد من مرارة هذا الألم هو تعرضي للطعنات بالتزامن مع هذه الأحداث المؤلمة، وذلك من بعض من كنت أظنهم جزءًا من وطني، أولئك الذين ظننت أنه قد جمعتني بهم أواصر الأخوة والهوية المشتركة، هوية الوطن والعقيدة، فقط لأكتشف أنهم كانوا أكثر الناس بشاعة وانحطاطاً وأشد أعدائي وأعداء ثقافتي وديني ووطني وعاداتي وتقاليدي في أقسى لحظاتٍ من الغدر والخيانة.

في ظل هذا الواقع الأليم، يتبادر إلى الذهن سؤال مؤلم: كيف يمكن للألم أن يخرج من رحم الإنسانية، وكيف يمكن أن يتحول من نحبهم ونعول عليهم إلى أشخاص يسهمون في تعميق جراحنا؟ لقد شعرت بمرارة الطعنات من بعض المتطفلين على الهوية في زمن خلط الحابل بالنابل، زمن العهر والبغاء الفكري والسلوكي، أولئك الذين اعتقدت أنهم سيكونون سنداً للهوية وحصناً مانعاً في وقت الأزمة والشدة، فإذا بهم يكشفون عن حقيقة كانت غائبة وهي أنهم عناوين الغدر والخيانة التي لا يمكن مسحها من الذاكرة.

ومع كل هذا الألم، تعلمت درسًا مريرًا عن الخذلان وانعدام النخوة وسقوط هيبة الرجولة، وعن أن الحياة ليست دائمًا كما نتوقعها.

لكن بالرغم من ذلك، قررت أن أستمر في العيش بأمل. في كل سنة تنقضي، هناك فرصة جديدة للتعلم، وهناك فرصة جديدة للنهوض من تحت الأنقاض وصناعة الحياة من جديد.

فإذا كانت الطعنات قد جاءت من من كنت أعتبرهم من أبناء وطني، فقد جعلتني هذه الطعنات أتمسك أكثر بالقيم الإنسانية العميقة التي تجمعنا جميعًا، بعيدًا عن الخيانة والخذلان.

لكي أرسخ بذلك مقولة “جاءني القاتل فمات وحييت من أجل أن يموت الخونة والغادرين من شياطين البشر والأشرار الذين لا يتحسسون الضوابط الحياتية ومتطلباتها الإنسانية.”

“كل عام وأنتم بكل الخير” ليست فقط عبارة تقال، بل هي دعوة أوجهها إليكم جميعًا، ليس فقط في مناسبات معينة، بل في كل يوم نعيشه ونلفظ فيه كل أذناب الأشرار، لأننا جميعًا نحتاج إلى أن نكون جزءًا من الخير الذي نبحث عنه في عالم مليء بالتحديات والآلام، في عالم أفرز الأشرار ليستبيحوا الأمل ويحاولوا قتل الحياة فينا.

“كل عام وأنتم بخير”، رغم الخيانة، ورغم الطعنات التي لا تُمحى، حيث يبقى الخير فينا جميعًا، الخير الذي يمكن أن نحققه من خلال التضامن والتماسك والإيمان بأن الحياة خلقت لنا وليس للأشرار وقتلة الآمال والأحلام، من خلال التكاتف، ومن خلال الوقوف مع بعضنا البعض في مواجهة التحديات.

لقد مررنا بالكثير هذا العام الذي لم يترك زاوية فينا إلا ترك فيها علامة مؤلمة من فقدان وتعرض للخيانة، ولكن رغم كل شيء، بقي الأمل حيًا في قلوبنا.

كما أننا تعلمنا كيف نجعل الفقدان بداية الأمل ولا يعني النهاية، بل يجب أن يكون بداية لحياة جديدة نتعلم من خلالها أن نكون أقوى وأقوى مما كنا.

وبالرغم من كل الألم، لا يمكن أن ننسى أن الإنسان هو الأمل الوحيد الذي يمكن أن نعول عليه في هذه الأوقات الصعبة.

حيث لا زال هناك الكثير الذي يمكننا أن نقدمه لبعضنا البعض ويستحق ان نعيش حياة كريمة وعزيزة من أجله، خاصة لأولئك الذين مروا بتجارب مماثلة.

فجميعنا كانت صرخاته عالية في سنة صعبة ومعقدة، ولكنها أفرزت وميزت وخلقت فينا ما لم نكن نراه من قبل، حتى تصبح تحديات الدنيا ضعيفة أمام إرادتنا وعزيمتنا وإيماننا بعقيدتنا وخالقنا.

في ختام هذا العام، أود أن أوجه رسالة لكل واحد منكم: مهما كانت الطعنات التي تتلقونها، حتى لو كانت من أقرب الناس، ومهما كانت الخيبات، تذكروا أن الحياة لا تنتهي عند لحظة الفقد، ولا تنتهي عند لحظة الضعف، ولا تنتهي عند لحظة الغدر والخيانة. بل اجعلوا من كل ذلك بداية لحكاية ابداع ملهمة ولتشقوا طريق القوة والنجاح والانتصار على كل شيطان أراد بأحلامكم أن تكون سراباً ليحيا هو في هناء وسعادة على حساب آمالكم وراحتكم واستقراركم … فلا تمنحوا الفرص لهؤلاء حتى تعيشوا أجمل لحظات الحياة التي خلقت من أجلكم.

كل عام وأنتم بكل الخير، ودعونا نواصل السير في هذا الطريق رغم كل الصعاب، طريق الفخر والثقة بالنفس، والاعتزاز بها، طريق التمسك بالعقيدة والهوية والثقافة والوطن، لأننا قادرون على العيش في عالم أفضل، عالم مليء بالأمل والأمن والتضامن طالما أننا آمنا بأن لنا حقًا في هذه الحياة، وأننا جزء لا يتجزأ من هذا المكون العالمي.

كل عام وأنتم بكل الخير، هذه هي الرسالة التي أتمنى أن نعيش بها في العام المقبل، وهذه هي الدعوة التي أوجهها لكم، لنبقى معًا رغم كل المحن ورغم كل ما يحدث من عبث وألم ووجع وتطفل إجرامي بغيض بكل مكوناته التي تلفظها القيم والشرائع والقوانين الدولية والإنسانية. ولنعمل معًا من أجل بناء أجيال أفضل ، أجيال حالمة وقادرة على صناعة غدٍ أفضل!.