على مدار السنوات التي سبقت سقوط بشار الأسد وفراره إلى روسيا، تلقى رئيس النظام السوري سلسلة من الإهانات العلنية من قبل حليفه الرئيسي، روسيا. ورغم أن موسكو دعمت الأسد عسكريًا للحفاظ على نظامه في وجه الثورة السورية، فإن تلك المساعدات لم تأتِ دون ثمنٍ باهظ، دفعه الأسد من سيادة بلاده وكرامته الشخصية، مقابل استمراره في السلطة.
إخلاء الأسد في اللحظات الأخيرة
في بيان منسوب للأسد، بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أشار إلى أنه تم تهريبه إلى روسيا في الثامن من الشهر ذاته بناءً على طلب روسي، دون أن يكون له أو لنظامه أي دور في اتخاذ القرار. جاء في البيان أن موسكو أصدرت تعليماتها لقيادة قاعدة حميميم العسكرية باللاذقية، لتنفيذ عملية “الإخلاء الفوري” ونقله إلى الأراضي الروسية، مما يُظهر أن موسكو لم تعد ترى في الأسد أكثر من ورقة انتهى وقت استخدامها.
الإهانات المتكررة خلال سنوات الحرب
1. التحكم الكامل في القرار السوري
منذ تدخلها في سوريا عام 2015، تعاملت روسيا مع البلاد كمنطقة نفوذ خاصة بها. تم توقيع اتفاقيات طويلة الأمد منحت موسكو السيطرة على موارد سوريا الاستراتيجية، مثل ميناء طرطوس والغاز الطبيعي. إضافة إلى ذلك، أظهرت تسجيلات متكررة قادة روس وهم يعطون أوامر مباشرة للضباط السوريين، في إشارة واضحة إلى أن القرار العسكري بات روسيًا بالكامل، بينما كان الأسد مجرد واجهة محلية.
2. الإهانات البروتوكولية العلنية
في ديسمبر/كانون الأول عام 2017، أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقاعدة حميميم، مُنع الأسد علنًا من السير بجانب بوتين. أقدم ضابط روسي على مدّ يده أمام الأسد لمنعه من اللحاق بالرئيس الروسي، في مشهد اعتبره معارضون “رمزًا لفقدان سيادته على بلاده”. كما ظهر الأسد في مناسبات أخرى ينتظر وحيدًا في غرف جانبية خلال لقاءات بوتين، في إشارة واضحة إلى تبعيته.
3. تصريحات روسية تقلل من أهميته
تصريحات المسؤولين الروس، ومنها ما صدر عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكدت أن بقاء الأسد في السلطة ليس هدفًا استراتيجيًا لموسكو، وأنه يمكن استبداله إذا تم التوصل إلى بديل مقبول. هذه التصريحات وضعت الأسد في موقف ضعيف أمام حلفائه وأعدائه على حد سواء، وقللت من مكانته كزعيم، حتى داخل نظامه.
4. الإعلام الروسي وتصغير دور الأسد
ركزت الدعاية الروسية طوال سنوات الحرب على تصوير موسكو باعتبارها “المنقذ” الوحيد لسوريا، متجاهلة دور الجيش السوري أو الأسد نفسه. في البرامج والتقارير الروسية، بدا الأسد وكأنه مجرد تابع يعتمد كليًا على الدعم الروسي، دون أي قدرة على اتخاذ قرارات مصيرية.
دلالات العلاقة بين الأسد وموسكو
ما حدث طوال السنوات الماضية، وصولاً إلى عملية الإخلاء الأخيرة، يعكس طبيعة العلاقة غير المتكافئة بين روسيا والنظام السوري. موسكو استغلت الأزمة السورية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، ولم تتردد في إظهار الأسد بمظهر التابع الذي لا يملك من أمره شيئًا.
هذه الإهانات، التي تقبلها الأسد “بصدر رحب”، حسب وصف معارضيه، ليست سوى جزء من الثمن الذي دفعه لتأمين بقائه، حتى لو كان ذلك على حساب سيادة بلاده. لكن النهاية، كما يراها مراقبون، كانت تعرية كاملة للنظام أمام العالم، حيث لم يعد الأسد سوى ورقة روسية مستهلكة أُجبرت على مغادرة المسرح، بعد أن أتمّت دورها في تحقيق المصالح الروسية.