حظي خطاب نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاجو، الخميس الماضي، باهتمام صناع السياسات في الصين الساعية للبحث عن دلائل بشأن الموقف الذي ستتبناه حال وصولها للبيت الأبيض، بالمقارنة مع منافسها الجمهوري دونالد ترامب الذي تفاخر بإبقاء بكين "بعيدة" خلال فترة رئاسته الأولى.
بينما كان قادة بكين يستعدون لما اعتبروه "خياراً غير مرغوب فيه بين صقريّن معروفين"، وهما الرئيس الحالي جو بايدن وترامب، أدى صعود كامالا هاريس المفاجئ، الشهر الماضي، إلى زيادة الغموض المحيط بانتخابات تمثل أهمية كبيرة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، بحسب "فايننشيال تايمز".
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن إدارة الرئيس الصيني شي جين بينج، ستبدأ تحليل تصريحات وسجل هاريس، للبحث عن دلائل بشأن الموقف الذي ستتبناه إدارتها، حال فوزها بالانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، تجاه العلاقات مع بكين، وما إذا كانت ستكون أفضل مقارنة بفترة ثانية لمنافسها الجمهوري.
وقالت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، أمس الثلاثاء، إن واشنطن ستقف إلى جانب الفلبين في مواجهة "الترهيب والممارسات القسرية" في بحر الصين الجنوبي، بحسب موقع "الشرق" الإخباري.
واعتبر تشاو مينجهاو، الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية ومركز الدراسات الأمريكية في جامعة فودان الصينية، أن "ترمب وهاريس وعاءان من السُم بالنسبة لبكين، فكلاهما يرى الصين كمنافس أو كخصم".
وشاركت هاريس خلال عضويتها بمجلس الشيوخ في دعم مشاريع قوانين تدافع عن حقوق الإنسان في هونج كونج وشينجيانج، وهي المنطقة الشمالية التي احتجزت فيها بكين ما يقرب من مليون شخص من أقليات الأويغور المسلمة، أما ترمب فقد شن الحرب التجارية، وتعهد بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية إذا فاز مرة أخرى.
غموض هاريس
وذكرت هاريس الصين مرة واحدة فقط خلال خطابها في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، متعهدةً بضمان أن تكون أميركا، وليس الصين، الفائزة في المنافسة خلال القرن الـ21، بحسب "فاينانشيال تايمز" التي أشارت إلى أن ترامب ذكر الصين 14 مرة خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، الشهر الماضي، متفاخراً بإبقاء بكين "بعيدة" خلال فترة رئاسته.
وأعرب ترمب عن أسفه لخسارة قاعدة "باجرام" الجوية في أفغانستان، التي زعم الرئيس السابق أنها تقع "على بُعد ساعة واحدة من المكان الذي تصنع فيه الصين أسلحتها النووية"، وهو ما اعتبرته الصحيفة "تهديداً ضمنياً".
ويرى توماس كيتونج كاو، وهو أستاذ مساعد في كلية فليتشر للشؤون الدولية بجامعة "تافتس" الأميركية، أن "الناس يعرفون الكثير عن ترمب، وكيف يعتزم الحكم إذا انتُخب. أما هاريس، فهناك الكثير من الغموض حولها"
خبرة محدودة
وكانت هاريس، التي لم تزُر الصين قط، تتمتع بخبرة "محدودة نسبياً" في الشؤون الخارجية قبل توليها منصب نائب الرئيس.
ومنذ تولي هاريس المنصب، قامت بـ17 زيارة خارجية، من بينها 4 زيارات إلى شرق آسيا، حيث التقت بالرئيس الصيني لفترة وجيزة في تايلندا عام 2022، وتبادلت الحديث مع نائبة رئيس الوزراء لي تشيانج، في جاكرتا، العام الماضي.
واعتبر معظم الأكاديميين الصينيين، أن الأهم من سجل هاريس في منصب نائب الرئيس "الأقل نفوذاً" هو ما إذا كانت ستحتفظ بأعضاء فريق السياسة الخارجية الخاص ببايدن، ومنهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ونائبه كيرت كامبل، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، إلى جانب مسؤولين كبار آخرين لعبوا دوراً أساسياً في صياغة السياسات المتشددة تجاه بكين بحسب "فايننشال تايمز".
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن حالة عدم اليقين المحيطة بفريق هاريس دفعت بكين، وحتى الخبراء في واشنطن، للإسراع في محاولة معرفة من ستختار لتولي المناصب الهامة في المنطقة وخاصة الصين، واصفة مستشار هاريس للأمن القومي فيليب جوردون، بأنه "ليس خبيراً في شؤون آسيا".
وأشار وانج تشونج، خبير السياسة الخارجية في جامعة تشجيانج للدراسات الدولية، للصحيفة، إلى أن "ما يهم حقاً هو من تثق هاريس بهم، لأنها ليست خبيرة في الشؤون الخارجية"، مضيفاً أن ترشيح نائبة الرئيس كان "مفاجأة" للكثيرين في الصين.
وبعد مرور ثلاثة أشهر على تحليق منطاد تجسس صيني فوق الولايات المتحدة، انطلق مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في مهمة سرية خاصة به.
ويرى بعض المُحللين الصينيين، أن رفيق هاريس في الترشح لمنصب نائب الرئيس تيم والز، يمتلك القدرة على إضفاء طابع شخصي أكثر على العلاقات الثنائية.
ولفتت "فايننشال تايمز"، إلى أن الأشخاص الذين تعاملوا مع والز، الذي زار الصين لأول مرة منذ عقود كمعلم شاب، يحملون له ذكريات إيجابية، رغم كونه من أشد المنتقدين للحزب الشيوعي الصيني.
ولفتت الصحيفة، إلى لقاء والز بالزعيم الروحي لإقليم التبت جنوب غربي الصين والمنفي إلى الهند الدالاي لاما، الذي أثار غضب بكين بعد اجتماعه، الأسبوع الماضي، مع مسؤولين أمريكيين.
تعزيز التعاون الأمني
ورغم عمل بايدن على حشد حلفاء الولايات المتحدة لفرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة والمكونات إلى الصين، وتعزيز التعاون الأمني في المنطقة، بذل مسؤولوه أيضاً جهوداً لتعزيز الحوار مع بكين.
وقال تشاو، الأستاذ في جامعة فودان، إن "مسؤولي بايدن أكدوا أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى فك الارتباط، بل إلى تقليل المخاطر"، مضيفاً أن "هذا التوجه الأكثر ليونة جاء استجابة لضغوط من قطاع الأعمال لتهدئة التوترات، وأظهر أن الديمقراطيين قادرون على الاستماع إلى المجتمع".
ويرى تشاو، أن "فوز هاريس بالانتخابات سيوفر درجة أكبر من الاستمرارية والقابلية للتنبؤ، مقارنة بسيناريو فوز ترمب بولاية ثانية".
ويخشى صناع القرار في الصين، أن تسعى إدارة ترامب إلى تحقيق "النصر" في حرب باردة جديدة، يُشتبه في أن هدفها النهائي هو تغيير النظام، بدلاً من اتباع سياسة "إدارة المنافسة"، ما يمثل تهديداً وجودياً بالنسبة للحزب الشيوعي، بحسب الصحيفة.
ولفت شي ين هونج، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين في بكين، إلى أنه "يمكن للصين فقط أن تأمل انتخاب الخيار الأقل سوءاً من بين الخيارين".