خلال رحلة العمر أدركت أن الأمان الحقيقي أنت من يصنعه عندما تختار من تعيش بينهم ومعهم ومن يقدرون إمكانياتك ويحترمون مكانتك، فتنسى حينها كل المشاكل المتواجدة حولك أينما كنت تعيش.
هذا الأمر يأخذني إلى وجه آخر نعيشه في المغترب عندما شاهدت مؤخراً مشاهد أحد المتهمين في محكمة أمريكية وهو يقفز معتدياً على رأس العدالة وهي القاضية التي كانت تتولى محاكمته حيث وقفت عاجزاً عن تفسير أسباب من يجعل مثل هؤلاء المجرمين يتجرؤون على الاعتداء على سلامة الافراد وكرامتهم بهذه الهمجية.
لكني تداركت أن هناك نماذج كثيرة باتت تسرح وتمرح وتعربد ليلاً نهاراً بإرتكابها مخالفات قانونية تجعلها تتبجح بأنها فوق القانون حتى أنها بااتت تؤمن بأن رجل الشرطة نفسه يعجز على مواجهتها، هذه النماذج الإجرامية باتت تظن أنها بعربدتها تستطيع أن تستبيح أمان الإنسان وسلامته لا بل تستطيع أن تستبيح هيبة القانون والدولة!.
إن مثل هذه النماذج التي يكبل القانون أيدي من يطبقونه بالتعامل معها يجعلها تظن أنها تعيش في بيئة بلا قانون وبلا محاسبة ، لا بل بإمكان هذه النماذج المجرمة التي باتت تعيث فساداً في الأرض أن تترك أثاراً سلبياً على سلامة المجتمع وتماسك الدولة والمؤسسات.
لذلك حتى لو أغمضنا أعيننا وقلنا أن مثل هؤلاء غير معروفين للشرطة والعدالة وباقي الأجهزة الأمنية ، فالسؤال هو هل ظنهم صحيح أنهم عندما يتبجحون بوهم أنفسهم أنهم يعيشون في ظل قانون الغاب الذي يحكمه القوي فلذلك لابأس أن يستمروا بممارسة العربدة والتهديد بالقتل لكل من يخالفهم أو يقف في طريقهم وتحديهم؟!، وكيف يتم السماح لمثل هؤلاء أن يتحدوا إرادة الدولة ويرهبوا رجالات الشرطة ويبطشوا بالناس ويتبجحوا بأن القانون بأيديهم وبأنهم فوق القانون ولا يخشون المحاسبة؟!.
من جانب آخر كما نعلم أيضاً أن هذا الشتاء قد جاء مختلفاً عن غيره، حيث تعودنا في كل شتاء أن نعيش السكينة والهدوء، ولكن اليوم نحن كبشر نرى أن هناك الكثير من المحاذير الإنسانية والأخلاقية والعقائدية قد تم إستباحتها وهي التي باتت تثير مخاوفنا وتعمقها أكثر وأكثر في غياب ترسيخ الشعور بالأمان من خلال غض النظر عن مثل هذه النماذج الإجرامية، حيث أن هناك الكثير مما بات يدفع البشر للدخول في منزلقات خطرة يحاولون إخفائها ولكنها حقيقة قائمة!، تعمق هوة الإنقسام فيما بينهم وتغذي الحقد والكراهية أكثر مما تحتمل الروح البشرية، خاصة عندما يكون المساس بقلب الإيمان العقائدي والأخلاقي جوهرياً.
لذلك أود القول أنه على ما يبدو أننا لم نكتفِ بألم ووجع التحدي الكبير بسبب الحروب والكوارث الإنسانية، والتي باتت تهدد راحتنا وإستقرارنا وآمالنا وتطلعاتنا وأحلامنا، بل أصبحنا مدفوعين لتحمل ضغوطات حياتية تفوق قدراتنا من قبل حفنة من المخربين والمجرمين، والتي يزيدها هؤلاء الأشرار الذين يظنون بأنهم فوق القانون أو يختبئون تحت مظلة ثغرات تخدم شرهم سوءأً عندما يتمادون بالسلوكيات التي تهز مضاجع الأمن والأمان للفرد والمجتمع بدون محاسبة.
نعم، يخرج من بيننا صغارٌ مجرمين يرتعشون أمام كبرياء الحق وكل معاني الكرامة التي ترسخت في مواقف الرفض لهذه الغطرسة الشريرة، عندما ترفض كل محاولات الذل والمهانة والإنكسار أمام جبروت التغول على كرامتنا وعلى أخلاقنا وعلى مبادئ وقيم وثوابت إنسانية لا يمكن القبول بالمساس أو التفريط بها، خاصة التي تأتي من قِبل هذه النماذج الساذجة والمهزوزة وغير السوية منها، والهادفة لتغييب الفكر والذاكرة وضرب الكرامة والقيم المجتمعية، وذلك بغباء أو سذاجة منقطعة النظير للإلتفاف على حقوق الإنسان وكرامته بتمسكه بثوابته ومبادئه وقيمه الإنسانية والعقائدية وعاداته وتقاليده التي تمثل محل إعتزاز وفخر له، بهدف صهره رغماً عنه فيما لا يتناسب مع فكره وقيمه ولا مع ما يؤمن به.
نعم إن الدنيا باتت ضيقة أمام سطوة الأشرار وقدرتهم على التأثير على ضعاف النفوس، وذلك من خلال عبقريتهم في التمدد والسيطرة على العقل وقلب الحقائق وتشويهها من خلال إستغلال ثغرات في القانون تسمح لهم أن يستمروا في غيهم وشرهم والتمادي بالعربدة ليوحوا للأخرين بأنهم فوق القانون!.
نعم ، لقد ضرب هؤلاء المنحرفون بالقيم والأبعاد الأخلاقية عرض الحائط، وباتوا تحت سيطرة أهوائهم المجنونة دون رادع أو وزاع ضمير ليستبيحوا بذلك حياة الإنسان وكرامته وإستقراره وحتى هويته الدينية تماشياً وتماهياً مع أفكار شيطانية لضرب صمود الفرد والأسرة والمجتمع أمام ما يواجهه من غزو فكري طاحن، ويسير كالطوفان لتحطيم كل ما يمكن أن يضمن إستقرار الفرد والمجتمع.
نعم ، لقد عبثوا بشراسة بكل الأعمال النبيلة التي تهدف لخلق جسور متينة وقوية بين أبناء المجتمع الذين يتطلعون بأملٍ لغدٍ أفضل يعزز السلام والأمن والأمان فيما بينهم مهما كانت اختلافاتهم .
لذلك وصلنا لمرحلة حرجة لا يمكن الصمت عليها أو التغاضي عن التحديات الناجمة عنها، فلم تعد الطعنات في القيم بين الحين والآخر سبيل للصمت عليها، لأن هناك من يعملون على تمزيق هذه القيم أو العادات والتقاليد الموروثة وكأنها جثث هامدة بلا مشاعر ولا قيم ولا هي صاحبة أهداف إنسانية سامية متفق عليها بين الخيرين ، وتخضع لأبعاد أخلاقية عظيمة، واقفة وشامخة في وجه الأشرار المشبوهين والذين تحركهم أهواء مجنونة بدون أن يكون هناك ضمير يردعهم ويوقفهم عند هذا الحد اللامقبول.
نعم، يبدو أننا اصبحنا بلداء وبتنا جبناء عاجزين عن تحديد بوصلتنا الإنسانية، ونصمت على سلوكيات فئة غير سوية تعبث بالفكر الجميل والذاكرة النظيفة التي تهدف لخلق جسور راسخة كهوية إنسانية، لتعزز من مكانة الفرد والمجتمع وتحقق آمالهم وتخفف من أوجاعهم وآلامهم، ولربما تدفعهم لزيادة رقعة الإبداع لديهم من أجل بناء مستقبل عامر ومزدهر لهم وللأجيال القادمة بدلاً من إصرارهم على الإنخراط في عمليات النصب والإحتيال وعالم الجريمة كما تفعل هذه النماذج الإجرامية.
نعم، لا زال هناك من يجهلون الواقع وتحدياته، ممن يسعون لإثارة النعرات من خلال الفعل ورد الفعل، بهدف تعميق الخلافات والدفع بتسريع التصادم غير آبهين بما سيترتب على جنونهم هذا، لكي يفسحوا بذلك المجال أمام صفحات سوداء مبعثرة تسعى لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإخراج مشاهد الصراع والعنف والقتل والدم والموت والانتقام هنا وهناك لتكون هي العنوان؟!.
نعم، لكن رغم كل التعب والإرهاق نتيجة تحديات هذه الحياة ، يبقى في قلوب الأبرياء والمحبين والعاشقين للحياة متسعٌ لعزف سيمفونية السعادة من جديد فقلوبنا كبشر لم تعد تستوعب مزيد من الحزن نتيجة ما يفعله المجرمين والاشرار.
وكإنسان أعشق إنسانيتي وعلى إستعدا لكي أدافع عن كرامتي وحقي في هذا الحياة بكل ما أوتيت من قوة حيث أننا ولدنا أحراراً وسنبقى كذلك ، أقول اتركونا نعيش هذه الحياة بسلام كما قدرها لنا خالق الكون وهو أعلم منا ومنكم وبيده حكم النهاية، وليس بيد أي إنسان، فأغلبية البشر تنتمي لكرامتها وإلى عالم الخير، هكذا هي الفطرة السوية وليس هي كفطرة هؤلاء المجرمين الذين يظنون بأنهم فوق القانون ومن حقهم أن يستبيحوا من يريدون وكيفما يريدون ووقتما يريدون وهذه هي مأساة ستبقى فصولها مفتوحة حتى يأتي من يقول إن المكان المناسب لمثل هؤلاء إما الرحيل وإما السجون!.
لهذا نقول للأشرار لا تجعلوا من المسالمين أشراراً ، ودعوهم يعيشون ضمن مفاهيم إنسانية راقية، يتشاركون فيها الهموم المشتركة ويعملون معاً من أجل بناء مستقبل عنوانه الرخاء والإزدهار وبناء الإنسان.
فأنا وأخي الإنسان سنبقى كما نحن نمارس إنسانيتنا ونستمتع بفطرتنا السليمة، ولن نكون بأي حال من الأحوال جزءً من هذا التطرف الفكري والسلوكي الهمجي الخارج عن طبيعتنا، وسيبقى عنواننا هو التمسك بكرامتنا ما حيينا، ولكننا أيضاً نتمنى أن يكون هناك عقل يتدبر مخاطر التحدي لمشاعر جموع من البشر لا تقبل توجيه الإهانة لها ولا يتقبل بقطع حبال الوصال ولا تتصارع على وهم حتى لا تتوه الأجيال.
أخيراً ، دعوة من القلب إلى القلب لكل إنسان، أقول دعونا نتفق على حماية إنسانيتنا من أي مؤثرات سلبية قد تطيح بها، ونؤكد معاً على قدسية الحفاظ على كرامتنا وهويتنا فيما بيننا قولاً وفعلاً وواقعاً وإنتماءاً وإخلاصاً بغض النظر عن اختلافاتنا ، والعمل على ضرورة التلاقي على تطوير القدرة الإبداعية لدى كل إنسان منا ، وبهذا نقطع الطريق على أي نوايا خبيثة ومصطنعة أو مستوردة من هنا أو هناك، وإغلاق الأبواب أمام أي سلوكيات إجرامية قد تسئ لهويتنا وثقافتنا، ومحاصرتها قبل أن تصل لفكرنا وتغزو عقولنا وبيوتنا، لنكن على الدوام بخير ودعاة للخير والحب والتلاقي بين بني البشر وأن نبقى دائماً نبراساً وصوتاً أميناً للحفاظ على القانون وهيبته حتى لا يظن أصحاب الفكر المتصعلك بأنهم فوق القانون.