من هو الحكواتي أحمد كبارة ؟

نحن نحبّ القصص لأنها تعلّمنا، لأنها تسلينا وتلهمنا. نحن نحب القصص لأنها تكوّننا فلا نعود بعد كلّ قصّة كما كنّا. فنحن بالقصص ننمو، نعيش مغامرات وحيوات لا متنهاية، وبها يتكوّن لدينا الحسّ الإنساني العالي، فتتسع قلوبنا للعالم. نحبّ في القصص كلّ هذا وأكثر، خاصّة حين تصلنا بصوت الحكواتي، حكواتيّ يشبه لاعب الخفة الذي يخرج الأرانب من قبعته ليدهش الصغار، غير أن حكايا الحكواتي ترفرف من تحت جناحي عباءته، ويقفز أبطالها من تحت طربوشه، وهو يُوزّع الحلوى على العيون الفرحة دهشةً وسرورًا كي تزداد بهجتها، بحركة تلقائية كحركة أصابعه وهي تمرر حبات مسبحته الكهرمانيّة، نحن هنا نتحدث عن الحكواتيّ، مؤسس مشروع “المطبخ الطرابلسيّ”، أحمد كبارة.

وُلِد الحكواتي أحمد كبارة في طرابلس اللبنانية، ومنها انتقل للعمل بين ٥ دول، وزار أكثر من ١٢ بلداً، إلى أن استقرّ في كندا للتخصص والعمل بإدارة المشاريع، وخلال رحلاته الطويلة والمبكّرة هذه، حمل معه جذوره اللبنانية، وفي حقيبته لهجة طرابلس، مطبخها، فوازيرها وحكاياتها، دون أن يلهيه المهجر الكندي، أو ينهي العلاقة الحميمة التي ظلت قابعة في فؤاده بمسقط رأسه، ما فتئ هذا المهجر يزيدها إلا حميميّةً وقوةً وأصالة.

بدأتْ حكايته هو مع روائح ونكهات المطبخ الطرابلسي، أنشأ صفحةً تفوّقتْ على نظيراتها خلال زمن قياسيّ رافعًا على كاهله مهمّة تعليم غير المحترفين، كما المغتربين وغير اللبنانيين، ماهية الأكل اللبناني بأسهل أسلوب، مستعينًا بفيديوهات اليوتيوب، طامحًا إلى نشر الثقافة والتراث الطرابلسي في كلّ العالم. ولعلّ أبرز ما حدث لهذا المطبخ هو “تحدّي المطبخ الطرابلسيّ الكبير”، الذي أتى بالحكواتي من كندا إلى مسقط رأسه في زيارة دافئة، كي يشرف ويُحكّم على المسابقة، التي هدفت في نهاية المطاف إلى إطعام ١٠٠ يتيم في مأدبة عظيمة، وكانت فرصة رائعة لتحدّي “الشيف الصغير” بين أكثر من ٧٠ طفلا متحمّسًا، بأسلوب تنافسيّ تربوي، تعليمي ومسلي.

هذه حكايته، وهذه بدايته مع الأطفال، خاصة اليتامى منهم، أما حكاويه فقد انبثقتْ في صورة فيديوهات منذ العام ٢٠١٨، وكرّستها لاحقا أزمة الكوفيد التي اكتسحتْ العالم وفرضت على الناس التزام بيوتهم وممارسة نشاطاتهم عبر الفضاء الافتراضي. أخرج الحكواتي طربوشه ونفض عنه غبار السفر، ارتدى عباءته وأمسك بمسبحته وعكازه، وطفق يحكي قصصًا، بعضها من التراث وبعضها من تأليفه، والبعض الآخر قصص نجاح وإلهام واقعية معاصرة.

بدأ الأمر عبر منصات التواصل الاجتماعي، ثمّ تجذّر أكثر وانتقل من الواقع الافتراضي إلى أحد مطاعم أوتاوا بعد صيام يومه، حدث هذا رمضان الماضي (٢٠٢١). يمضي نحو التراويح مغلّفًا بزيّه التراثيّ، يصلي ثم يوزّع الحلوى، وينطلق في موكب من الفرحة إلى ركنه في المطعم، تماما كما كان الحكواتي منذ ما يزيد عن قرن، قبل التلفزيونات والإذاعات المسموعة، قبل الأجهزة الذكيّة، حين كان الناس أكثر اعتمادًا على مخيلاتهم، وذاكرتهم، حين كان الناس أكثر فطنة.

انطلقتْ حكاياته عبر اليوتيوب تشق طريقها إلى قلوب المستمعين، وفي ثلاثين حلقة روى لنا الحكواتي كبارة، صغارا وكبارا، القصص المؤثرة، الطريفة والمعبّرة، محيِيًا بطلّته أزمانا غابرة، لم يتبقّ منها للجيل الحالي إلا اللمم، وعبر هذه المنصة أيضا، ظلّ الخير ينادي ختام كل حكاية، لليتيم بكفالته، أو لأسرة متعففة لا تملك إفطارًا بعد صومها.

وانتقل ديوان الحكواتي مرة أخرى إلى المعارض والأسواق، يحكي ويطرح فوازيره، يبتكرها فيتسلى الكبير قبل الصغير، يقدم الجوائز وينشر الفرح بين المغتربين، ويختبر حكاوي الصغار لانتخاب “الحكواتي الصغير”، منافسة جديدة ومتعة أكبر لكل المشاركين فيها. ثمّ اتّسعتْ رقعة حكاياته لتشمل الجميع، بقصص نجاح صغار التجار وحديثي العهد بالأعمال الحرة والرائدة والمتنوعة، في وسم #قصة_نجاح على حسابه بمنصة إنستاغرام.

المُلاحظ اهتمام الحكواتي كبّارة بفن رواية القصص بأشكالها التي تتعدى النمط المتعارف عليه، أي النمط السردي، فهو لا يقف عند حدّ معين، بل يجدد ويطرح وينتقل، من حكايات “سالف العصر والأوان” إلى قصص النجاحات المعاصرة، من الحزازير والفوازير التي يبتكرها إلى الأمثلة الشعبية الراسخة في الموروث الشرقي، لأنه “ما في مَثَل كذب”! ويبدع فيقدم لنا حكاية رمضان الفضيل عند المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ينقل لنا طقوسهم وعاداتهم، ما بقي منها وما اندثر، يحكي لنا عن أكلاتهم المفضلة وأسلوبهم في الصوم واستقبال العيد، في فيديوهات قصيرة على انستاغرام لا تخلو من المتعة المقترنة بالفائدة الجمّة، فيجمع المشرقي بالمغربي، ويؤكد على وحدة المشاعر النبيلة وتناغمها في برنامجه “موائد حول العالم”.

يُصرّ أحمد كبارة (الحكواتي) ويؤكد على روح الفريق الذي يدعمه، رغم أنه يعمل بصورة شبه متكاملة، من هناك في مهجره الكندي، فهو يملك استوديو خاصّ، يشرف فيه بنفسه على الإضاءة والتصوير، فيعمل عمل المنتج والمخرج والمؤدي في آن واحد، كي يصل إلينا محتواه الرائع بهذه الاحترافية والجودة العالية. يعبر عن امتنانه لوجود فريق عمل يعينه في بعض المهام، فيذكر منهم “براءة الشغري” مديرة حساباته على منصات التواصل الاجتماعي والموكل إليها بمهمة مونتاج الفيديوهات، يذكر أيضًا “حورية الصديق” المسؤولية عن التدقيق والمراجعة اللغوية لمحتواه المكتوب، والذي يعرضه لاحقا عبر فيديوهاته القصيرة على إنستاغرام أو محتواه الممتع على اليوتيوب أو غيرها، إذ لا حدود لأفكاره وطموحاته، سواء بصفته مؤسسًا لصفحة ومجموعة “المطبخ الطرابلسي” أو بصفته الحكواتيّ.

رحلة الحكواتيّ طيّبة كالطبخ الطرابلسي، فوّاحة، ملهمة، جدّية ومُسلّية.

وتستمرّ الرحلة، ويحلو المقام، وكما يقول الحكواتيّ يا سادة يا كرام: لا يحلو الكلام، إلا بذكر خير الأنام، عليه الصلاة والسلام.