آخر الأخبار

ما حك جلدك مثل ظفرك .... بقلم م. زهير الشاعر

هذا العنوان جاء رغبة بثورة التحفيز الذاتي، وإنتصاراً لكرامة المقهورين والذين ليس لهم سند أو عون، ويتلاعب بهم صبية من المنفلتين فكرياً وثقافياً وسلوكياً، حيث أنه جاء من مقولة شعبية نتاج تحديات مجتمعية وإنسانية كبيرة يواجهها الكثيرون ويخيب ظنهم كلما إكتشفوا حقيقة الأشياء أكثر وأكثر، خاصة عندما يبلغ الأمل مداه ولا يجدون في الأخرين نموذجاً ملهماً يحتذون به كما كانوا يحلمون، فيلجأون للإعتماد على الذات وتكون هي بداية طريق الصواب في رحلة الحياة.
لذلك وجدت إنه من الضروري تسليط الضوء على مثل هذا الأمر لربما أذكر نفسي بهذا في بدايات معقدة حيث كان الأمر يسيطر عليه الوهم والإرتكان على أن هذا وذاك بإمكانهم أن يفتحوا الطريق ، ولكن الحقيقة وجدناها ساطعة وتقول بأن إقفال الأبواب من قبل هذه النماذج التي كنا نظن فيها الخير والسند والعون ما هي إلا نتاج لفكر شيطاني يستخدم كل أدواته الشريرة من أجل إفشال الآخرين .
من هنا أجد بأن الاعتماد على الذات لا  يمثل مفهوماً ضيقاً بل هو  مفهوم واسع،  يتطلب أن يتحلى الإنسان بالإرادة والعزيمة والتحدي، والإيمان بالذات والقدرات،  حتى يتحقق حلمه وما يصبو إليه وإن طال زمن ذلك، وهنا تكون لذة الحياة، وليس هو الاعتقاد بأن الإنسان يستطيع معالجة الأمور وتحقيق النجاح بدون الإرتكاز على تلك المعطيات، بل إنه أكثر من ذلك .
إنه امتلاك شجاعة الإنصات إلى دوافعك الداخلية التي تقوي فيك روح التحدي والعزيمة، لكي تحصل على بشائر بشأن نوع النجاح الذي ترغب فيه بحق.
بل إنه يعني الحصول على التلقين من نفسك والإعتماد على الذات وتحصين العقل بالحكمة والقدرة على التمييز بين ما هو نافع وما هو غير ذلك ، وليس الإنصات لشيء أو شخص خارج نفسك أنت لكي تحصل على فكرة حول ما ينبغي أن تكونه اليوم وغداً، أو ما تريد أن تفعله الآن ومستقبلاً، أو أيضاً ما تريد أن تمتلكه لأنك تجد في نفسك الأحقية بذلك.
وهنا تأتي أهمية فهم وإدراك قيمة التحفيز الذاتي والإعتماد على النفس وتحطيم عادة الإتّكال التي تمثل تطويع الذات للآخرين باتفاق مشترك، وبدون أي إعتراض على سلوكيات تشابه تلك السلوكيات التي أفرزتها ظروف الإستعباد في تلك الأماكن المقيتة وتلك الأزمان المنبوذة.
حيث أن الإتكال هو حَطٌّ من شأن الشخص المتكل وقدره ، وذلك من قبل من يتم الاتكال عليه، فكلا الطرفين يفتقران بشكل متساوٍ للاعتماد على الذات، وتزدهر فيهما مفاهيم تتداولها الذاتية والأنانية مثل تلك العلاقة المبنية على الاستغلال المتبادل.
وأكثر جوانب الإتّكال سوءاً وشؤماً هو أنك عندما تعتقد أنك متكل على شخص آخر تبدأ بتأليه ذاته بعيداً عن الواقع وحقيقة ما يمثله هذا،  وبذلك فإنك تكون كذلك بالفعل!، فتصبح ضعيفاً ومنكسراً وتطوع نفسك بنفسك  لكي تهمل تطوير الاعتماد اللازم من أجل مواجهة وحل مشكلاتك بنفسك دون اللجوء للغير الذين لا تكبحهم شهوات ولذة الرغبة بإذلال وإهانة من يلجأون إليهم.
إن إحدى العلامات الأكيدة على هذا الاتكال المُذل والمهين للنفس العزيزة هي أن يتعود الإنسان على التطلع للآخرين على أنهم أكثر أهمية وأعلى قيمة ومنزلة، وحينها تكون الكارثة وتبدأ مقارنة الذات مع الآخرين مما يعرضها للعبودية النفسية التي تطوع الإنسان لكي يفعل ما لا يريد ولا يرغب لا بل يذهب بعيداً في تنازلاته ومن ثم إحتقار الذات.
نعم ، إن عادة الاتكال والاعتماد على الآخرين مغروسة بعمق لدى بعض الأفراد لدرجة أنهم يتنازلون عن كل حق شخصي لهم من أجل شخص آخر، ويجاملون كل من يتكلون عليه بدون أي تفكير أو احترامٍ للذات.
إنهم بذلك يشعرون أنهم سيكونون في أمان إذا استطاعوا العثور على ذلك الشخص، أو المؤسسة، أو فلسفة تائهة وشاذة تكون مسؤولةً عن سعادتهم ، وهم يسلمون مشاعرهم وعواطفهم للإنقضاض على رفاهية شخص أو شيء ما،  ليتمَّ إلقاءُ ضعفهم وإتكالهم وفشلهم وهزيمتهم النفسية والداخلية عليه،  ولكن للأسف الشديد هم لا يدرون أنهم باعوا مبادئهم وقيمهم بثمن بخس ورخيص وبدون حاجة أو فائدة.
 والشخص المتكل المعتمد على غيره يضع نفسه على الداوم تحت رحمة من حوله، لأنه يعتقد أن الآخرين أكثر براعة وذكاء منه،  وبذلك يكون دائماً تائهاً شارد الذهن، وغير قادر على حل مشاكله ، لذلك فهو دائم الشكوى والتذمر، ويبحث عمن يحل مشاكله..
ولأنه خاضع لأولئك الذين يتكل عليهم، فإن نصائحهم تصبح بالنسبة له أوامر، ويشعر أنه مكره على تنفيذها، وكثيراً ما يكون هناك أكثر من "ناصح" واحد، لذا فإنه يكون دائماً في حالة تشتت وإنهاك بسبب عدم قدرته على تحديد موقفه واتخاذ القرار الصحيح.
إن النصائح متوفّرة في كل مكان، ومعظمها مجاني ولا تستحقّ أن يدفع مقابلها أي ثمن ، وعادة ما يكون لدى الإنسان الكثيرين من الوعاظ والناصحين الذين يجهلون ظروف الشخص ذاته وهم المتطوعين بتشتيت جهوده بدون معرفة أو دراية ، حيث يسعدهم ذلك  لانهم يجددون أنفسهم في طرح آرائهم حتى لو كانت غير واقعية.
حيث أنهم عادة ما يكونون مستغرقين في مشكلاتهم الخاصة، ولا يعلمون ما "ينبغي" أو "يجب" أو "من المحتم عليك عمله لأنك الأكثر درايةً بما يهمك وحجم مشكلتك ومقدرتك على التفكير بإيجاد الحلول المنطقية لها،  لذلك عندما تترك نفسك فريسة لهؤلاء، فتوقع بأنك على الأغلب ستحصل على النصيحة الخاطئة وتدخل طريق اللاعودة عن التبعية وما تبعها من تجرد من مقومات القوة والقدرة الذاتية.
وحقيقة وبدون مجاملة أو مواربة أعرف حجم التحديات في المهجر وحجم الإستغلال وحجم التغول من البعض الذين يستهويهم العنف الذاتي على حساب الإيمان بالآخر وقدراته ، لذلك إن قبول النصيحة من شخص غير مؤهل لتقديمها يشبه ذهابك إلى السباك لعلاج أسنانك.
لذلك أجد أن معظم الناس لا يستطيعون حل مشكلاتهم الخاصة من خلال مواجهتها والسيطرة عليها وإحاطتها بالغموض والبعد عن المشاركة مع من لا يقدرون أو يفهمون، فكيف يجوز لهم إذن أن ينصحوك بعمل ما لم يتمكنوا هم أنفسهم من إنجازه؟.
هنا تكمن ضرورات الثورة الذاتية والإنتصار على التبعية السلوكية والفكرية،  والبدء بوضع أسس تحصن الإنسان من داخله وتقوي قدرته وتحفز فكره وتنتصر لكرامته وتشد من أزره حتى يقوى على مواجهة الصعوبات والتحديات، فكل واحد منا يمتلك القدرة الفطرية على مواجهة الصعوبات التي يواجهها، كل ما يحتاجه هو الثقة بالنفس والإرادة والتصميم.
حينها لن أحد يستطيع أحد أبدأ أن يخذلك ما لم تكن متكلاً عليه بطريقة ما، ولن يستطيع أحد أن يجرح مشاعرك، أو يجعلك تعيساً، أو وحيداً، أو غاضباً، أو محبطاً ما لم تكن معتمداً عليه في تزويدك بالرفاهية، أو الإلهام، أو الحب، أو التحفيز.
بل ستصبح قادراً على مواجهة تحديات الحياة بثقة وقوة لكل موقف في ضوء الواقع والمنطق، وترفض السماح بأن تسيطر مقاومة الواقع المصنوع والموهوم والمرفوض على حياتك.
كن أنت واعتمد على ذاتك، وتذكر أنه ما حك جلدك مثل ظفرك، وبمجرد أن تمتلك وتنمي هذه القدرة على الاعتماد على الذات، لن تكون مضطراً للتسويف، أو الفرار، أو تجنب ما يواجهك لأنه سيتوفر لديك الثقة بقدرتك على مواجهة كل موقف من مواقف هذه الحياة بثقة ويقين وهدوء ورباطة جأش وستمضي نحو الأمل بخطى ثابت وبرضى وقناعة دون الحاجة إلى جرعات متكررة من التحفيز والإلهام من الآخرين لكي تفعل ما ينبغي عليك فعله، بل أنت مصنع ذلك ، وبذلك ستعيش الحياة وأنت على ثقة بأن القوة الداخلية الموجودة في أعماقك أكبر وأعظم من أي مشكلة تواجهك وستكون أنت كما تريد لنفسك أن تكون!.