بقلم/ ماجد الحجامي
كانت أول رحلة لي بعد استراحة العشاء ، رافقني فيها رجل خمسيني أنيق المظهر عليه علامات الهيبة والوقار ، بدأت الرحلة من مركز مدينة (وينيبغ) الكندية ، تحدث إلي بعد أن سألني عن أسمي وبلدي قائلاً :
- وأنا (هنري) من أب أوكراني وأم كندية من أصل هولندي ، لكن قل لي هل تذهب بلدك أحيانا ؟
- آخر مرة كانت قبل ثلاثة أعوام ، لكنني سأذهب قريباً ، توفي والدي قبل أيام ، أريد أن أواسي والدتي وأخوتي فأنا أكبرهم سناً لعل وجودي بينهم يخفف عنهم ألم فراقه .
- أوه ، آسف جداً لاشك أن فراق الأب يترك الكثير من الأحزان والآلام .
- بكل تأكيد ، هل لازال والدك حياً أم لا ؟
- لا أعرف ، لم أره إطلاقا ، حتى والدتي لم تره سوى ليلة واحدة عندما كانت في رحلة إلى مدينة (مونتريال) قبل خمسين عاما ، قابلت شاب أوكراني في الملهي الليلي ألذي يقع في الفندق الذي قضيا ليلتهما فيه ، لم تعرف له أسماً أو سكناً ، هذا مااعترفت به أمي بعد أن توسلت بها أعواماً أن تدلني على طريقه .
وضع يده على كتفي بعد أن تجاوزنا (النهر الأحمر) جنوباُ وأنا أقود سيارتي حذراً مستمتعاً بحديثه الشيق الهاديء ، قال ضاحكاً :
- يمكنك أن تقول أنني إبن حرام .
- لاتقل ذلك أرجوك ، لاذنب لك في كل ماحدث بينهما .
- ماحدث بينهما أحزنني كثيراً حتى أنني أكره نفسي أحيانا ، لكنني واجهت الأمر كرجل قوي ، تغلبت على الشعور بالنقص ، ها أنا أعيش حياة هادئة مع امرأتي وأبنائي الذين يعرفون عني كل شيء ، إقتنعت أخيراً أنني لست بحاجة إلى أب حقيقي أو إلى أخوة من صلبه ، أصبحت أرى الناس الطيبين آباءً وأخوة ، لم أتسبب لأحد بإساءة أو أذى، أعيش بين الناس بضمير مطمئن هاديء ، أقدم العون لمن يحتاجه ، أدعم المؤسسات الخيرية ودور الأيتام .
لاأشك على الإطلاق أن الرب يحبني كثيراً لأنني اؤمن به وأعبده بقوة وإخلاص فهو خالقي حتى وإن جئت إلى هذه الدنيا بطريقةغير شرعية يتحمل وزر ذلك من اقترف تلك الخطيئة مخالفاً قوانين السماء ، قد ينكر الآباء والأمهات أبنائهم لكن الله لن ينكر عباده أو يتخلى عنهم أبدا ،
دخلنا إلى حي راقٍ جميل ، طلب مني أن أقف أمام منزل شاهق كبير، ضحك قائلاً:
- هذا هو منزل ابن الحرام ، لكنه اشتراه من مالٍ حلال .
إلتفت إلي قبل أن يفتح الباب مغادراً ، خاطبني بجدية قائلاً :
-أتمنى أن تكون الآن قد عرفت من هم أبناء الحرام الحقيقيين ، رحم الرب أباك ، كن قوياً .