صمت كبير، صمت آخر يغلف الزمان، والمكان، وعقارب الوقت المتربصة بنا على باب الدار.
يغلف الوقت الصمت القلق، الصمت الخائف، الصمت المرتجف، ولا أستطيع أنا وحدي كسر حدة هذا الصمت؛ فأنا لم أعد أدري هل أنفاسك قادرة على الصعود مرة أخرى إلى نافذتي أم أنك أصبحت تنتظر... وفقط تنتظر؟!
هل وصلك المطر، وهل داعبت وجنتيك حباته وقبّلتك من الجبين ومن المقل؟ هل داعبت أذنيك موسيقاه الساحرة، وهل انتشى قلبك ورقصت دقاته من الفرح؟
المطر من حولي يرقص رقصته المعهودة على أسطح الجوار لكني لم أنتشِ كعادتي لهذه الرقصة... وأكاد أكون لا أكترث؛ مطر الطفولة يا رفيق أجمل بكثير ! صوته أكثر دفئًا وحنانًا، همسه الناعم يداعب نبضات القلب والجوار... وليس يطرق طرقًا مبحوحًا نوافذ الأذنين وزجاج نوافذ الجوار!
ومع ذلك، يمكنني أن أحمل إليك بين كفيِّ بعضًا من حبات المطر، وأستطيع أكثر... أن ألقيها على وجهك فيرتد نضرًا، مبصرًا، باسمًا، يحمل على وجنتيه كل تباشير الخير والوطن... لكنِّي يا ابن تلك البلاد الرازحة تحت وابل القهر والعبث، لا أستطيع أن أحمل إليك وقع حبات المطر الراقصة على ملامحي الثائرة، ونافذتي المضطربة، وقلبي الحائر.
عليك أن تكون هنا حتى نتقاذف معًا حبات المطر، حتى ننصت معًا لترانيم سيمفونية جديدة تعزفها الآن حبات المطر على جميع نوافذي، وتدعوني لرقصة المساء على أنغام ليست كالأنغام، أنغام لم تمرَّ أقدامها في يومٍ من هنا... لو أنك هنا!
ليتك كنت هنا، ليتك كنت هنا، وشهدت معي وقع خطوات المطر على طريق الذكريات وهي ترسم ألف علامة استفهام.
أين أنت الآن؟! هل تستطيع أنفاسك أن تصعد ثانية إلى نافذتي لتلتقط عنها حبات المطر؟ أم أهبط إليك بمظلة من الحنين، والاشتياق، وحبات المطر، وليتك تكون في استقبالي أنا والمطر؟ ليتك تكون هنا، ليتك تكون هناك،
ليتك تكون... وفقط.