للأسف ارتبط اسم بعض من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقياخلال السنوات الأخيرة في الإعلام الدولي بصراعات ونزاعات حادة مع أنها تمتلك العديد من الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التي إذا استطاعت دولها التعاون والاتحاد من أجل تحقيق سلام حقيقي مع بعضها البعض، فسوف تستطيع وقتها ان تعكس تلك الصورة المظلمة وتحولها لواحة خضراء ربما تكون رمز للسلام والإزدهار الإقتصادي في العالم كما فعلت دول جنوب شرق آسيا ونجحت في نقل شعوبها من حيز الفقر إلي الثراء، وأصبحت متطورة إقتصادياً وتعليمياً تنافس القوى الكبرى في العديد من المجالات.
موارد وفيرة
تلك المنطقة تعتبر غنية بشكل كبير بالموارد الطبيعية، فإذا نظرنا لشمال العراق والبصرة وبرقة في ليبيا وخوزستان في إيران، وقفصة فيتونس، والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، والحسكة ودير الزور في سوريا، وحضرموت وسبأ في اليمن ودول منطقة الخليج، سنجد ان معظم الثروات الطبيعية والمعدنية أبرزهما النفط والغاز تُجنى من أراضيهم، وبالرغم من ذلك يعانون من عدم الاستغلال الأمثل لتلك الموارد بالشكل الذي يمكنهم من تحقيق نهضة اقتصادية عملاقة خلال المستقبل القريب.
فإذا نظرنا لجنوب الجزائر سنجد النفط والغاز، أما إيران وبالتحديد في خورستان التي تشتهر بكميات النفط والغاز الوفيرتان، كذلك شمال العراق والبصرة، وبرقة وفزان في ليبيا ستجد نفس الأمر، والصحراء الغربية بالمغرب فيأتي منها الفوسفات والنفط والغاز، كما يأتي أغلب الإنتاج العالمي من النفط والغاز من دول المنطقة مثل السعودية وسلطنة عمان واليمن وسوريا وتونس والكويت، فضلا عن ان دولة مثل مصر تمتلك طاقة بشرية هائلة متنوعة التخصصات تحتاج لإدماجها في سوق العمل الإقليمي بشكل أوسع لتعطي التأثير المرغوب فيه، كما أن لديها كنوز آثرية هائلة، كما دولة مثل إسرائيل التى لديها منظومة بحث علمي تحتل مركز متقدم على مستوي العالم فتستطيع إذا دخلت في مفاوضات سلمية مع الجانب الفلسطيني ان تكون عنصر سلام حقيقي بالمنطقة.
هناك ايضا السودان التي تمتاز بجودة الأراضي الزراعية مرتفعة الخصوبة والمحاصيل الغذائية المتنوعة الوفيرة التي قد تكون سلة غذاء المنطقة إذا تم استثمارها بصورة صحيحة، أما تركيا فدخلت في صراعات سياسية عديدة، مع أنها يمكن أن تستثمر ثرواتها في التعاون الإيجابي السلمي الفعال مع باقي دول المنطقة، فهي تعد منتج رئيسي للقمح، كما تتميز بوفرة الخضروات والفاكهة والأغنام وبها وفرة من مصادر المياه، حيث تمتلك حوالي أكثر من 120 بحيرة طبيعية و 579 بحيرة صناعية.
أيضاً تتمتع المنطقة بتنوع ثقافي تاريخي مميز يجعلها الأبرز على مستوي العالم، بالرغم ان ذلك التنوع لا يُدار بالطريقة السليمة ليصبح بذلك مصدراً للصراع والنزاع بدلًا من التعاون الإيجابي، فالمنطقة تحتوي على تراث آثري هائل متعدد من عصور مختلفة، فمصر وحدها بها أكثر من ربع آثار العالم الذي يجعل المنطقة تتربع على عرش مناطق العالم سياحيًا.
كل ذلك يمكن ان يجعل من هذه المنطقة ، منطقة جذب سياحي عملاقة لملايين من سياح العالم إذا تم الاستخدام الأمثل لتلك الموارد التاريخية بغرض الجذب السياحي والتبادل الثقافي بالشكل الصحيح.
الشباب ثروة هائلة
أيضاً ، تحتل المنطقة المركز الثالث عالميًا من حيث نسبة الشباب إلي إجمالي السكان، فهم يشكلون أكثر من 60% دون سن الثلاثين عاماً، بالرغم من ان أكثر من 30% منهم يعانون من البطالة، وأغلب هؤلاء الشباب حاصلين على شهادات جامعية ، ولكنهم يحتاجون إلي تدريبات تؤهلهم لسوق العمل، وهو الأمر السهل، كما تشير تقديرات خبراء صندوق النقد الدولي إلى أنه إذا أمكن زيادة توظيف العمالة بمقدار 0.5 نقطة مئوية سنوياً حتى عام 2030 سيصبح من الممكن حينها الوصول بالنمو الإقتصادي إلي أكثر من 5% سنويا – صعوداً من مستواه الحالي الذي يبلغ حوالي %3.9.
مصالح عالمية
الخروج من دائرة الصراعات التي تشهدها بعض دول المنطقة، لا يعتبر فائدة إقليمية فحسب بل ان المصالح العالمية لقوى وشعوب الغرب والشرق معاً سواء كانت الاقتصادية والأمنية والاجتماعية تنمو وتزدهر باستقرار المنطقة، وهو ما ينعكس بالتالي على الاداء الإقتصادي لحكوماتهم، وهو ما سيرفع الناتج القومي، وسيؤدي لجذب مزيد من الاستثمارات طالما توفر الهدوء والاستقرار بالمنطقة، وإطمئن المستثمرون نحو ذلك وشاهدوه بأنفسهم على أرض الواقع، وهو بالتالي الذي سيؤدي بدوره للحد من البطالة وتوفير المزيد من فرص العمل وفتح المصانع والشركات والمؤسسات المختلفة، وهنا سيزيد دخل الدولة ومواردها، وستستطيع ان تنفق المزيد على الصحة والتعليم، وستحتاج أشد الحاجة للبحث العلمي لتطوير منتجاتها ومواردها، وهو ما سيشجع القطاع الخاص ايضا على الاستثمار فيه، خاصة ان المنطقة تمتلك موارد اقتصادية وطبيعية هائلة ومتنوعة وطاقات بشرية تؤهلها للاستغلال الأمثل لتلك الثروات ولكنها مدفونه للأسف داخل بئر الصراعات والحروب الاهلية.
كل ذلك سيؤدي لرفع مستوي معيشة الفرد، وبالتالي قدرته على الإنفاق على أسرته أو تأسيس أسرة يحصل أطفالها على التعليم الصحيح الذي يؤهلهم للحصول على وظائف مناسبة في المستقبل، أي ان الأغلبية العظمى من سكان المنطقة والمقيمين فيها لن يحتاجوا إلي التورط في أعمال قتال أو لن يكون هناك مبرراً لذلك.
فالعجلة الاقتصادية تدور بالجميع بتوزان محسوب، والأدوات السياسية والإعلامية تقوم بتفريغ الطاقات بشكل مؤثر وفعال، لذلك سينخفض الصراع لأدني مستوى له، وهنا تستطيع الدولة ان تلعب دور أكبر في حياة المواطنين بصورة إيجابية، وهو ما سينعكس على استقرار العالم أجمع، وبالتالي تنمية مصالح الدول الأخرى بالمنطقة لتحقق هى الآخرى الاستفادة التي تريدها من خلال التعاون السلمي البناء المحفز على الاستغلال الأفضل للموارد المختلفة.
دعونا لا ننسى هنا ان أغلبية مواطني المنطقة لا يريدون من الحياة شئ سوي معيشة كريمة مستقرة هادئة يعيشون فيها مع أسرهم بسلام وهدوء، فمعظم شعوب المنطقة نشأت في بيئات زراعية وتربت داخل أسر ريفية بسيطة، لذلك الاستقرار والبقاء بجانب الأرض وزراعتها، تمثل منبع السعادة عند رؤيتها تنمو وتزدهر ، وهذا هو من أقصى طموحاتهم، فلن أنسى المشاهد التي كنت أراها خلال سفري داخل مصر خاصة في الطرق الزراعية، حيث تحيط بك الأراضي الزراعية والمزارع على جانبي الطريق، لترى الأسرة البسيطة تقف صفًا واحدًا بداية من الأب والأم حتى الأطفال الصغار، يمسك الأب الفأس ليزرع الأرض، بينما يلقي الأبناء البذور، أما الأم تحضر الطعام ليتجمعوا سويًا لتناول الغذاء داخل أرضهم الصغيرة الخضراء وهم في قمة السعادة كأنهم يمتلكون الكوكب بما فيه.
إعداد – عمرو سليم (مدير "المستقبل للدراسات الإعلامية والسياسة" الموجودة في مصر، كما آنه عضو في "التحالف العالمي لمنع الجريمة والعدالة الجنائية بنيويورك)