آخر الأخبار

ما بين الإنجاز أو التقوقع على الذات مهاجرون عرب صنعوا منجزاتٍ كبيرة على الأراضي الكندية

  كان من الطبيعي أن تضمَ جائزة كندية لأفضل 25 مهاجرا العام الماضي ثلاثةً من أصول عربية، بعد أن حققوا إسهامات مميزة في المجتمع الكندي

كانت البدايةُ في العام 1882م حينما قررَ إبراهيم أبو نادر لبناني الأصل أن يطرقَ أبوابها، وبعدما وصلَ إليها واستقر فيها لحق به أربعةٌ آخرون في العام التالي، وهي رحلةٌ فتحت أبواب واسعةً أمام الهجرة إلى كندا، التي بات يُقيمُ فيها أكثر من 300 ألف شخص حتى مطلع القرن الحادي والعشرين. 
في مسألة الهجرةِ قصصٌ  وقصص بعضها يدعو للفخر لكل مهاجرٍ قرر أن يحفرَ الصخر ويصنعُ له مجداً في بلادٍ ليست موطن مولده، والبعض انكفأ على نفسه وأحاط ذاته بأسلاكٍ شائكةٍ، فلم يتقدم درجةً واحدة، بل وباتَ عالةً على الحكومة الكندية، وما بين هؤلاء وهؤلاء نسردُ لكم التفاصيل التالية:
تجارب ناصعة.
كان من الطبيعي أن تضمَ جائزة كندية لأفضل 25 مهاجرا العام الماضي ثلاثةً من أصول عربية، بعد أن حققوا إسهامات مميزة في المجتمع الكندي وثبتوا حتى بلوغ المرحلة الختامية للجائزة التي بدأت بترشيح سبعمائة شخص، تم اختيار 75 منهم للمرحلة الثانية، إلى أن استقر العدد عند 25 شخصا في المرحلة الختامية.
ولكل واحد من العرب الثلاثة الذين تم تكريمهم حكايةُ فخرٍ يباهي بها العالم أجمع، فمحمد جمال الشريف كندي أردني من أصول فلسطينية طبيبٌ  في جراحة الوجه والفكين، وربا فتال الكندية السورية دكتورة في العلوم السياسية، أما رولا داغر الكندية اللبنانية فهي مديرة شركة.
وفي التفاصيل، فقد كانت الأراضي الكندية قبل عشر أعوامٍ على موعدٍ لأن يحطَ رحاله على أراضيها عربياً مبدعا، هو محمد جمال الشريف الذي يرأسُ  مؤسسة البشرية من أجل السلام، يقولُ في تصريحات صحفية عن تجربته: "منذ لحظة تأسيس المؤسسة وضعنا نصب أعيننا أن تكون المؤسسة ذات أهداف إنسانية، ليس على صعيد كندا فقط وإنما على مستوى العالم، وقمنا بعدة برامج لدمج القادمين الجدد بالمجتمع الكندي من خلال التطوع والقيام بأعمال مفيدة له".
ويؤكدُ الشريف أن مؤسسته قامت بتدريب الأطفال السوريين القادمين إلى كندا وتعليمهم الرسم وفنونه بإدارة الفنان التشكيلي السوري محمد علي، كما أشرفت لاحقاً على بيع اللوحات التي رسمها الأطفال في مزادات علنية في مدينة أوتاوا حيث تم تخصيصُ  ريعها لمستشفى الأطفال في كندا، إلى جانب حفل غنائي شارك فيه القادمون الجدد لكندا تم تخصيص ريعه لمساعدة أطفال السكان الأصليين للبلاد.
وإلى جانب ذلك، فقد أقامت مؤسسته مدرسةً في مدغشقر ونظمت حملات للتبرع بالدم، مضيفاً: "إن مجرد ترشح المؤسسة لهذه الجائزة فوز لكل الكنديين العرب وتجسيد لمدى مشاركة العرب في تطوير المجتمع الكندي".
أما تجربة النموذج الثاني الفائز بهذه الجائزة فقد بدأت قبل نحو ربع قرن من الزمان، وذلك حينما هاجرت مديرة برنامج كناتا كارلتون للمشاريع الصغيرة الدكتورة ربا فتال إلى كندا مع والديها عام 1994عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها.
وعن تفاصيل بداية تميزها، تقول: "قدمت الدعم بالتعاون مع أحد برامج الكنيسة في كندا لعائلتين سوريتين، وساعدت أسرا عربية أخرى في مدينتي بالترجمة، ووفرت للنساء اللاتي تعرضن للعنف الأسري المأوى من خلال عملي في إدارة أحد مراكز موارد المجتمع".
ولم تكتفِ "فتال" بذلك، بل أنها ساعدت من خلال عملها في مراكز المسنين والشباب الذين يعانون من الإدمان والاضطراب النفسي، لكن الخطوةَ الأهم في مسيرتها تمثلت في افتتاح برنامج شبكة الأعمال الصغيرة "كانتا كارلتون" الذي انطلق قبل خمس سنوات بـ25 مشروعا صغيرا، وأصبحَ اليوم يحتضنُ أكثر من أربعمائة مشروع، موضحةً أن مركزها يسعى لإيجاد مصادر دعم لهذه المشاريع لمساعدة أصحابها على تحقيق أهدافهم.
وعن نصيحتها للمهاجرين العرب في كندا، تقول الدكتورة ربا فتال: "أنصحُ المهاجرين العرب في كندا بتعلم اللغة والاندماج في المجتمع الكندي واكتشافه من خلال المشاركة في الأعمال التطوعية، فمثلُ هذه الخطوات ساعدتني على تحقيق النجاح في المجتمع الكندي".
أما النموذج الثالث الذي استحق بجدارة الحصول على الجائزة الكندية، فقد كان من نصيب رولا داغر المديرة في فرع كندا لشركة سيسكو (CISCO).
والسيدة رولا درست المحاسبة في لبنان قبل هجرتها إلى كندا سنة 1989م هرباً من الحرب الأهلية هناك، وتصفُ إنجازها بقولها: "نتعاون في الشركة مع وزارة الهجرة على توفير برامج تمكن القادمين الجدد إلى كندا- ومنهم السوريون- على التعلم التكنولوجي، لكي يجدوا عملاً من خلال برنامج "نتوركينغ أكاديمي" (Networking Academy).
وأضافت: "إن الشركة تعمل على مساعدة القادمين من بلاد فيها حروب للتخلص من حالات الاكتئاب التي يعانون منها، كما أنَّ لنا برامج مع الحكومة الكندية لمساعدة النساء على تحقيق النجاح في المجتمع الكندي، هذا إلى جانب أن عمل الشركة لا يقتصر على القادمين الجدد من مختلف البلدان والأعمار ولكن أيضا مع سكان كندا الأصليين الذين يعيشون في أماكن نائية تكون فيها الخدمات قليلة".
وما من شكٍ فإنَّ السيدةَ رولا الفائزة بجائزة أفضل امرأة للعام في مجال التكنولوجيا، وجائزة سيدة الأرز في لبنان والحاصلة على تكريمٍ من السفارة اللبنانية في كندا، واجهت العديد من الصعوبات والعراقيل للنجاح في المهام التي قامت بها، لكنها امتلكت إصراراً كبيراً على التميز وصناعة النجاح والإبداع خلال مسيرتها.
وكانت جائزة "آر بي سي" (RBC) التي يدعمها "رويال بنك" (Royal Bank) وصحيفة "تورنتو ستار" (Toronto Star) أطلقت عام 2009، ويتم خلالها اختيار أفضل 25 مهاجرا بكندا من أصول مختلفة وفي مختلف التخصصات، ممن كانت لهم إسهامات مميزة في المجتمع الكندي.
ولا يتوقف سجل الإبداع الذي خطه الكثيرُ من المهاجرين العرب إلى كندا، فالنماذج أكثرُ من حصرها في موضوعٍ واحد، فالكندي محمد عبد الحق صاحبُ محطة بنزين بمنطقة ايجاكس في ضواحي تورونتو يقول عن تجربته: "الكلُ يحلم بالهجرة الى الغرب، ووجود أختي هنا جعل الخيار سهلاً، لانتقالي من فلسطين الى كندا عام 1983"، مضيفاً: "أحب كندا كثيراً، ومن بين كل دول العالم، لو وقع علي اختيار بلد للعيش فيه، فلن أفضل بلداً على كندا"، قبل أن يستدركَ بقوله: " لا يمكن للمرء أن ينسى جذوره ويحن إليها، ولكن أصبحت جزءاً من النظام هنا، ولا أتخيل نفسي أعيش في وطني الأصلي مجدداً". 
والكندي الفلسطيني عبد الحق يحمل شهادة الماجستير في الرياضيات والتجارة، غير أنه فضل الاتجاه إلى الأعمال الحرة وافتتح أول محطة بنزين قبل 11 عاماً.
فشلٌ وعثرات
ورغم قصص النجاح الكثيرة والمتعددة التي صاغها الكثيرون من المهاجرين العرب إلى كندا، إلا أن هناك آخرين استقروا لسنواتٍ طويلة في البلد دون أن يتمكنوا من تحقيق الاندماج في المجتمع، وذلك في ظل ما يعانيه بعضهم من التعنت والتعصب الديني وغياب فكرة الانفتاح على المجتمعات الغربية.
وعلى مدار سنواتٍ يقضيها المهاجرون الجدد إلى كندا، تقوم الدولة بتوفير المسكن والراتب الشهري وكافة الامتيازات، ورغم ذلك إلا أنهم لم يتقدموا درجة واحدة حتى في مجال اندماجهم وتطوير لغتهم الإنجليزية على الأقل.
وخشية من قطع راتبهم الحكومي الذي تمنحهم إياه الدولة، فإنَّ أصحاب تجارب عدم المقدرة على الاندماج للمهاجرين العرب إلى كندا، فإنهم يرفضون العمل في القطاعات والوظائف الحكومية، ويدعون عدم عملهم مع جهاتٍ أخرى، لكنهم على الجانب الآخر يقومون بالعمل مع قطاعات وشركات كندية خاصة غير حكومية من تحت الطاولة في مشهد نصبٍ وخداع على الحكومة الكندية بما يعكسه ذلك من تعاملٍ مع المهاجرين العرب.
ومن القصص التي يذكرها أحدهم وتؤكد عدم مقدرة بعض المهاجرين على الاندماج في المجتمع الكندي قوله: "تقدَّم لخطبة ابنتي شاب باكستاني، في الحقيقة كنا نتمنَّى أن تقترن بشاب عربي، لكن.. هذا هو النصيب الذي طرق بابها. البنت تجاوزت الثلاثين من عمرها ونخشى الاستمرار في انتظار ذلك العريس العربي الذي – على ما يبدو – أنه لن يأتي، فالأمر بات غاية في الصعوبة، خصوصاً أننا لا نحب ثقافة تلك البلدان مثل الهند وباكستان، ولا ندري ماذا نفعل.. أنوافق أم نرفض؟".
بينما عربي آخر من أصولٍ مصرية أصابته انتكاسةٌ كبيرة حينما اكتشف أنَّ ابنته تتعاطى المخدرات، فألحقها بمركز إعادة تأهيل المدمنين. 
يقول والدموع تذرفُ من عينيه: "هذه الحادثة كسرت ظهرنا كثيراً.. فلم نكن نتوقعها في يوم من الأيام، كنا نعتقد أنَّ البيت هو الأساس وأننا مسيطرون على أولادنا تماماً، لكن على ما يبدو أنَّ المجتمع الخارجي كان أقوى، والصحبة السيئة سحقت كل ما كنا نحلم به في هذه البلاد!".
بطالة المهاجرين
ويؤكد المدير التنفيذي للاتحاد الكندي- العربي محمد بن جنون أن الجاليات من أصول عربية ومن جزر الهند الغربية تعاني من أعلى نسب من البطالة، على الرغم من أن العرب في كندا يعتبرون من أكثر المهاجرين ثقافة. 
ويقول بن جنون، مغربي المولد وصاحبُ الخبرة في الصحافة والسياسة في كندا قبل انضمامه إلى "الاتحاد الكندي العربي": "الكثيرُ من العرب يواجهون مشاكل فيما يخص العمل ولا يحصلون على الوظائف التي تناسب تعليمهم". 
عبد عبد الله هو واحدٌ من الذين لم يحققوا الاندماج الحقيقي في المجتمع الكندي، فلجأ إلى مهنة خارج مجال اختصاصه بسبب عدم حصوله على الوظيفة التي تناسبه، مشيراً إلى أنه وبعد قضاء سنوات بين وظائف عدة مؤقتة، استقر على قيادة سيارة أجرة، تؤمن له ولزوجته وأولادهما الأربعة عيشة كريمة. 
يقول عبد الله عن أسباب تعثره وعدم نجاحه: "عملت في شركة تختص ببرمجة الكومبيوتر، ولكن لم أحصل على فرصة للعمل بشكل دائم على الرغم من تقدمي في عملي وحصولي على شهادة من «مايكروسوفت» وإثبات قدرتي في العمل". 
ورغم ذلك، إلا أن عبد الله صومالي الأصل يؤكدُ بأنه لا يشعر كونه "ضحية للعنصرية على صعيد شخصي، فالحياة العامة جيدة هنا على الرغم من الصعوبات في العمل"، مضيفاً "لا أؤمن بلوم الآخرين، فكل شخص يحصل على ما كتب له وكل شخص قد يشعر أنه يواجه مصاعب معينة".
ورغم أن هشام حسيني لبناني الأصل وهاجر إلى كندا قبل 15 عاما، يؤكد أنه "مرتاح" في بلده الجديد حيث يعمل في أحد فنادق مدينة مونتريال، لكنه يقول: "بعض المشاكل بدأت هنا قبل عامين أو ثلاثة وخاصة فيما يخص الحجاب والمسائل التي تثيرها وسائل الإعلام. لم أعان من مشاكل معينة، ولكن أسمع من أصدقائي عن مضايقات عانوا منها أخيراً". 
بينما الفلسطيني محمد عبد الحق فيؤكد أن عدم التأقلم ليس بسبب خطأ من الدولة المضيفة، ويقول: "ليس عيباً عليها أن المهاجر لم يولد هنا ويحن إلى ماضيه، ولكن على كل شخص أن يشق طريقه هنا".
ختاماً، فقد أظهرت دراسة حديثة- أجراها مجلس المؤتمرات الكندي- أن كيبيك كبرى المقاطعات الكندية تشهد شيخوخة أسرع ومعدل مواليد أقل، وتنبأت بأن عدد الوفيات هناك سيكون أكبر من عدد المواليد بحلول عام 2028.
أمام هذا السيناريو، تحتاج كيبيك إلى ثمانين ألف مهاجر سنويا بدءا من عام 2020، ويتوقع المجلس أن 100% من النمو السكاني في هذه المقاطعة سيتحقق عن طريق الهجرة بحلول عام 2023، وبحلول 2034 على مستوى كندا كلها.
وأمام هذه الحقائق المهمة، يطفو على السطح السؤالُ الأهم: هل سيستغل المهاجرون العرب هذه الأرقام لصالحهم؟ أم أنهم يتجهون إلى العزلة عن الآخر؟

بقلم / توفيق السعدو