آخر الأخبار

دون مقدمات

لنبدأ الحوار دون مقدمات؛ أتعبتنا البدايات ونحن نبحث في الأبجديات المهترئة عن مقدمات لها: كيف أصل إليك؟ كيف تعبر مراكبك شواطئ قلبي؟ كيف ترويك حبات المطر من كفيِّ، وكيف أعانق خيوط الشمس في عينيك؟
مضى قطار العمر ودقت ساعته ألف مرة، وأنا وأنت ما نزال نقف بسذاجة عند عتبة البدايات، نبحث عن مقدمات أغرقتنا تفاصيلها، شَتَت خطواتنا، محت أثار أقدامنا عن أرصفة اللقاء... كيف أصبحنا غرباء وأنت كل ما تبقى لي من هذا الوطن، بل أنت كل هذا الوطن؟!
الوطن الذي غاب خلف المدى وأصبحتَ ترثيه بقصيدة ودمعة، وتستل سيفك ملوحًا إلى زيتونة لا شرقية ولا غربية، ملت من طول الانتظار، ذبلت في الغياب، لكن زيتها بقي مضيئًا، وجذعها منتظرًا؛ كي نرسم عليه ما تبقى لنا من أمل بعد أن غدت أسماؤنا طيورًا ورقية بلا أعشاش. 
دعني الآن أنظم فيك قصائدي، أتلو على مسامعك صلوات عشقي، أرفع معك هذا السيف في وجه كل خنجر غُمد عن عمد في هذا الكبد، وحاول تمزيق شرايين الوطن بقلبي، وتشويه وجه الوطن الذي تلبسه، وخريطة الوطن التي تسكن فيها، ونسف ما تبقى لنا من أحلام كانت بأجنحتها ترفرف.
يدي في يدك أيها الوطن ودعنا من عبث المقدمات... لا تمدَّ ناظريك بعيدًا في سماء الضباب؛ فأنا أقرب إليك من حبل الوريد... في ظلال خطواتك أحبو، في خيالات مرآتك أعدو، في بؤبؤ عينيك أتمايل وأرقص، في حدائق قلبك ألهو وأشدو، وعلى شرفات فؤادك نصبت خيمتي وهجعت.
أنتَ وطن لن أحيد عنه، لن أقدمه قربانًا لأحد، أنتَ حَبَّ الليمون، والزيتون، واللوز، وتلك الخيمة المكتهلة، والحلم العتيق، والقصيدة التي رسخت جذورها في بساتين قلبي قبل أن أولد... فلا داع لتلك المقدمات.