كانت تنتظرني أمام بوابة الوافدين في مطار العاصمة الكندية (اوتاوا) , يغطي وجهها المستدير قناع أزرق لم يظهر منه سوى عينيها الجميلتين , دلفت إلى سيارتي بعد أن رمت قناعها بعيدا , أخذت نفسا عميقا ثم قالت بشيء من اللإرتياح :
- أنا في بلدي أخير شكرا للرب .
- من اين قدومك ؟
- من لندن.
- كيف حال الأنجليز؟
- يعيشون بخوف ورعب كأغلب سكان الأرض فقد انتشر الوباء في أرضهم كالنار في الهشيم , لذلك علي أن أحجر نفسي أسبوعين لأتأكد من سلامة بدني.
- أظن أن سوء حالتك الصحية سببه تغير الاجواء فلا داعي لكل هذا القلق والرعب ,
- لأي سبب كان , أعيش بمعزل لأيام قلائل هو أفضل لي ولغيري , لقد أرتدت أماكن كثيرة في تلك المدينة الواسعة , سمعت أن بعض الاماكن كانت موبوءة أتمنى أن يكون ذلك قد حدث بعد دخولي إليها , دخلت الكثير من الاماكن المزدحمة التي لاأظنها تخلوا من الوباء فلم يدرك الناس ذلك إلا متأخرين.
أخذت تتلفت إلى أرجاء المدينة بدهشة وذهول شديدين , أبعدت منديلها عن فمها قائلة : يا إلهي ماذا حل بمديتنا , أيعقل أن تهزم هكذا أمام سطوة هذا الوباء اللعين ليجعل منها مدينة للأشباح , أين الحشود التي كانت تملأ الطرقات وكيف أختفتى ضجيج المركبات نهارا, ياله من منظر مؤلم حزين.
ترجلت من سيارتي عند وصولنا إلى دارها بعد أن تركت قحة وعطستين , حمدت الله أن النوافذ كانت مشرعة ليذهب رذاذها بعيدا .
دخلت منزلي متأخرا , تذكرت قبل أن آوي إلى فراشي أنني أعنتها على حمل حقائبها , عقمت جسدي وطهرته جيدا ,آثرت أن أنام منعزلا في أحد غرف المنزل .
نهظت مرعوبا صباح ذلك اليوم إذ كان أنفي مسدودا وحرارتي مرتفعة ورأسي يؤلمني والعطاس لايتوقف , نزلت قلقا إلى صالة المنزل عندها تراجع أفراد عائلتي بعيدا وهم ينظرون إلي بشيء من الخوف والحذر . تركت المنزل مسرعا لأقف على حقيقة هذه الأعراض المفاجئة لكن أين عساني أذهب , جميع العيادات مغلقة والمستشفيات اصبحت مرعبة , أنتظرت المساء لأرى صاحبي , كان ذلك الدكتور صيدلانيا ماهرا أعرف أين يجلس مساءا , وما إن أدرك حقيقة الأمر حتى أجاب ضاحكا : هذه ليست أعراض (الكورونا) إنها أعراض الخوف والقلق من أل (كورونا ) وهو قلق مبرر على جميع أهل الأرض أن يشعروا به .