رواية "بنت من شاتيلا"، رواية تكمل المسير من حيث توقفت رواية "رجال في الشمس"، و"عائد إلى حيفا".
في استدعاء حِرفي وعميق ومؤلم لأرواح تخرج من صور جماعية، ومن صور شخصية بالأبيض والأسود، من صور حروب ومن صور علاقات مبتورة، يدخلنا أكرم مسلم في طيات وعي الضحايا انطلاقاً من ذاكرة مشوشة تخرج من "صورة المجزرة".
قصة تدور ما بين شخصياتها كرشفات شاي من كأس وحيدة تتشاركها حلوق اجتمعت على طاولة ما في خلل زمكاني أتى بها كلها في لحظة واحدة في مدينة واحدة، داخل السياق، بل وأصل السياق، وبعيدة عنه تاريخا وزمانا في الوقت ذاته.
تتراوح القصة ما بين أحداث تتمزقها الحرب والحب والموت والخيانة والخوف والاختيار وتقديم الضحية بكامل عفوية الوجع والعيش، وبدون كليشيه "الهشاشة والضعف". الضحية بعاديتها البشرية وقوتها الفردية بدون أسمال الشفقة والتشييء. والضحية في رواية أكرم تحفر لنفسها بطولة متجذرة في قصتها وتختار، على عكس سلوك الضحية المطروق، أن ترفض الخروج للناظرين رفضا للتعاطف/ الشفقة.
يواجهنا أكرم مسلم في "بنت من شاتيلا" بعنف الوصف وعنف السرد في تفكيك سكون وثقل الحدث/الصورة. تكسير وكشف وحفر مقطعي في شكل "البطولة" وزلات "البطل"، وإعادة تعريف لمشهدية "العادي". كل مشهد يأتي في وقته. ويستدرجنا أكرم في هذه الرواية كلمة كلمة. بتخطيط منمق وسرد مشدود وشخصيات كاملة ومعبأة بحزن وشقاء وذكريات وندوب، داخلية وخارجية، وبنفس الوقت معبأة بالحياة. الحياة حين تحدث على هامش الموت، وحوله، ومن أجله، وبالرغم منه. حين تبدأ من شاتيلا وتنتهي في هامبورغ. ضحية تتناسخ مع روح ضحية، وتصبح المجزرة فعل تاريخي متصل، لا يختلف فيها إلا أسماء الناجين، فيما تتشابك ملامحهم وقصصهم، ويتشابك القتلة على الجهة الأخرى.
ملاحظة: لا يُنصح بها لذوي القلوب الضعيفة، وإن لم تكن تملك ساعتين من الزمن فلا تبدأ بقراءتها، لأنك إن بدأت أول فقرة، لن تتوقف إلا عند الفهرس.