أنا على العهد يا غيم، على عهدي معك، ما خنت العهد يا غيم، ما نسيتك ولا أضناني في انتظارك طول الوقت.
شتاء إثر شتاء، أقف بباب السماء، أنتظر كل السحب العابرة علها تحمل إليَّ عنك أي خبر! ولطالما غافلتني يدي وتسللت إلى قلب الأفق، لكنِّها كانت تعود منه كما دخلت بخفيِّ حنين وخيبة أمل.... ولا قلت في يوم أضناني الانتظار ولا قلت يومًا لن أنتظر.
أنا التي انتظرت الغيم دهرًا من الزمن ولم أسأله في يومٍ رشة مطر، أنا التي الجفاف واليباس هشَّما فؤادي ما رجوت الغيم يومًا الشتاء، ولا سألته الهطول على قلبي، ولا طلبت إليه أن يهجر ناعسة كانون في حجره ويأتيني، ولا أن يقف ببابي في أيلولٍ يبكي كطفل فقد طفولته على أبواب الغجر!
واعدتُ حبات المطر، نعم، واعدت حبات المطر. لكنِّي لم أخنك يا غيم، ولم أهم على وجهي عشقًا في أمطار بني البشر، وأعلنتُ لهم في أول لقاء بيننا: أنني للغيم، والغيم لي، شاء أم لم يشأ بنو البشر.
لكنك يا غيم عائب! بل وفيك من العيوب ما لا يتقنه بنو البشر؛ تواعدني وجدائل كانون في حجرك تختبئ!
تغرقني في بحور من الشهد وجدائل كانون تنام على زنديك... تدري جدائل كانون بيَّ ولا أدري بأحد.
كنتُ أظنك يا غيم تظلل سمائي وحدي، وغيري تحرقهم شموس الغيرة، تذيبهم لسعات الحرِّ، لكنك يا غيم كنتَ تهمسُ لي وجدائل كانون منثورة على كتفيك وعلى ربيع صدرك! وتقول لي: أمطريني حبًا وأنتَ تهطل على جدائلها بشتى أنواع المطر، وتريدني أنا التي أضحيت صحراء من قسوة المطر والبشر أن أهمس في أذنيك المعلقات السبع! بينما تتلعثم أنتَ بحرف تهديه إليَّ، وتشكو لعنة القوافي التي شحت، وضيق ذات الشعر... فلا تعرف من أي بحر تغرفه، ولا تعرف في أي بحر ستلقي بنا.
وتقول: أمطري عليَّ، وزيديني مطرًا فأنا يا سحابة عمري ما ارتويت يومًا من سحابة، ولا هطلت على قلبي رشة مطر! وأنتَ الغيم بجلالة قدره ولا أحدٌ غيرك يعرف أين تختبئ حبات المطر.
ومع ذلك فأنا يا غيم على العهد، أنا يا غيم لم أخنك في يوم وإن واعدت حبات المطر، أنا لك يا غيم ولن أكون إلا للغيم شاء أم لم يشأ بنو البشر.
أنا للغيم، والغيم لي، وتشهد عليَّ حبات المطر.