من منا لا يحب التسوق والتجول بين المحلات واستطلاع كل ما هو جديد؟!
بلا شك أن التسوق عملية ضرورية تكون في بعض الأحيان شبه يومية عندما يتعلق الأمر بالمأكل والمشرب، ففي كثير من الأماكن يقوم الناس بشراء حاجاتهم بشكل يومي بغرض الحصول على منتجات طازجة وهذا شيئ جيد ولكنه غير متاح للجميع وذلك لأن هذا الأمر يتطلب وقتاً ربما لا يتوفر للجميع..
أما بالنسبة للمشتريات الخاصة بكل شيئ عدا الطعام كالملابس ، الكماليات، الأجهزة الكهربائية..الخ فهذا قد يرتبط بمواسم معينة ، كالتسوق لفصل الشتاء وبداية المدارس، التسوق من أجل الأعياد ، التسوق من أجل السفر، التسوق من أجل المناسبات كالزواج..الخ .
كلنا لاحظ حركة الشراء الكبيرة خلال الشهر الماضي بمناسبة الأعياد والعام الجديد والتي جعلت من الأسواق بمثابة مهرجانات تسوق تعج بالبضائع المنوعة والمتسوقين، وجعلت المحلات في سباق مارثوني لعرض الأفضل والتفنن في وسائل جذب الزبائن.
ربما ما يميز كندا والدول الغربية عموماً هو مواسم التسوق المتعددة التي تجعل من التسوق متعة ينتظرها الجميع، ليس فقط للتسوق بل للاستمتاع بالجو العام للمراكز التجارية التي تزدان بما يليق بالمناسبة، فهم يتفننون في الاحتفاء بأي مناسبة بالطابع الذي يميزها ، فمثلاً في موسم العودة إلى المدارس، يعرضون كل ما يلزم طلاب المدارس من حقائب وأدوات مكتبية وملابس بطريقة مغرية وبأسعار متفاوتة حتى تناسب كل المستويات..وفي موسم الشتاء يعرضون كل ما يتعلق بهذا الفصل من ملابس وأدوات رياضية لممارسة الرياضات الشتوية كرياضة التزلج ..وفي موسم الهالوين يسود اللون البرتقالي وهو لون القرع الذي يكون موسمه في نفس وقت الهالوين وتعرض المحلات ملابس لشخصياتتنكرية ولوازم التخفي التي يرتديها الأطفال في يوم الهالوين ، وفي مناسبة الفالنتاين يغلب اللون الأحمر على واجهات المحلات وتصبح القلوب الحمراء والبيضاء منتشرة في كل مكان، وتتفنن محلات الزهور في عمل بوكيهات لهذه المناسبة، ولا ننسى الأعياد الدينية والأعياد الرسمية التي تعٌرض فيها تشكيلة كبيرة جداً من الهدايا ..
عملية تنظيم التسوق والتخطيط لها مقدماً يجعل الإنسان قادرعلى اقتناص أجود البضائع بأفضل الأسعار..فيمكن للمتسوقين الاستفادة من تسوق نهاية المواسم حيث يتم بيع ما تبقى من منتوجات بأسعار زهيدة وخصومات قد تصل إلى نصف السعرأو أكثر، ومثال على ذلك ما يحصل في نهاية فصل الصيف حيث يتم تخفيض كافة مستلزمات الحدائق ولهذا يحرص الكثيرون على شراء ما يلزمهم للعام الذي يليه..
مواسم التسوق شيئ جميل لأنها تنعش الحركة الشرائية والتي تنعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياحي، أما على المستوى الفردي فهي فرصة للمستهلك في انتقاء ما يريده بسعر جيد في ظل خيارات متعددة بشرط أن لا يٌستغل المستهلك بدعايات وتخفيضات وهمية.
ما أود أن ألف النظر اليه هو التسوق من أجل التسوق بدون أسباب أو مناسبات أو يمكن أن نسميه التسوق العشوائي الذي يخرج فيه المتسوق وليس في رأسه سلعة معينة يود شراؤها، عندها يصبح التسوق حالة مرضية لأنه يقوم بشراء أشياءً كثيرة تزيد عن حاجته،أو يقوم بالتسوق كهروب من مشاعر سلبية معينة كالاكتئاب أو بسبب فراغ، فيتحول التسوق إلى عادة تلازم صاحبها ولا يستطيع التخلص منها وتصل إلى حد الهوس ينعكس هذا الأمر سلباً على الشخص من الناحية المادية والاجتماعية ، خاصة وأن التسوق يحتاج الى وقت وجهد قد يقصيان الشخص عن محيطه بالإضافة إلى العبء المادي.
ارتبطت عملية التسوق في أذهان الكثيرون بالنساء رغم أن هناك العديد من الرجال لديهم هوس التسوق بنفس القدرمع اختلاف الأسلوب ونوعية المشتريات..
يا ترى لماذا تٌتهم النساء بأنهن مهووسات بالتسوق دون الرجال؟
النساء يقمن بزيارات مكوكية لمراكز التسوق لعدة أسباب، فمثلاً النساء لديهن الكثير من المناسبات ويحتجن إلى الظهور بمظهر مختلف في كل مناسبة بينما الرجل يمكنه حضور عدة مناسبات بنفس البدلة دون أي انتقاد من أحد، كما أن كل زي نسائي يحتاج إلى أكسسوارات متممة للزي لإكمال الشكل النهائي وهذا يتطلب الذهاب للتسوق عدة مرات بعكس الرجال.
النساء لا يقمن بالتسوق لأنفسهن فقط، بل هن مسؤولات عن شراء ما يلزم الأبناء، الزوج ، البيت ، الهدايا لكل المناسبات في حين أن الرجل غير مسؤول إلا عن شراء أشياء خاصة به.
ربما ما يعيب النساء انهن يتعاملن مع التسوق بانفلات عاطفي، فهن عادة ما يقمن بشراء القطعة على أساس الإعجاب بها وليس الحاجة اليها، بينما الرجال يخرجون للتسوق من أجل شراء سلعة محددة، وهذا شيئ طبيعي لو نظرنا لشخصية المرأة وشخصية الرجل فالمرأة يتشعب تفكيرها في عدة اتجاهات وتحكم العاطفة في كل شيئ بينما الرجل يركز دائماً باتجاه واحد.لكن هذا لا ينفي بأن هناك رجال مهوسون بالتسوق خاصة في مجال اهتمامهم أو ما يتعلق بهواياتهم، كالأجهزة الألكترونية ، السيارات ، أدوات الرياضة والصيد ..الخ.
المرأة تخرج للتسوق أحياناً وليس في رأسها أي شيئ محدد، قد تخرج من أجل تصفية في محل من المحلات رغم انها ليس في حاجة لشيئ، المرأة تعشق الاستطلاع في عالم التسوق ولا تمل من استكشاف كل المحلات من أجل الخروج بقطعة مميزة كما إنها مترددة ولا تتخذ قرارها بسرعة، بينما الرجل يمل من التجوال لذلك يحدد مساره ويكمل مشوار تسوقه في وقت قصير لأنه يكون قد قام بعمل بحث ودراسة للمنتج مسبقاً فيذهب للتسوق بقرار الشراء.
لا أنكر بأنني كنت مغرمة باقتناء القطع الفنية المميزة وكنت أحملها من كل بلد أزوره ولكنني بدأت بترشيد مشترياتي منها بما يتناسب مع المساحات المتاحة في بيتي حتى لا تتكدس وتفقد جمالياتها..في محيط الأصدقاء فهناك من يعشقن التسوق بدرجة مرضية، كأن يقمن بشراء عدة ألوان من نفس قطعة الملابس، وهناك من لديهن هوس بالماركات المعروفة وإن لم تكن تلائمهن، هناك من تعشق المجوهرات وتحرص على اقتناء قطعة كلما تحصلت على مبلغ من المال وهناك من تقتطع من مصروف البيت من أجل ذلك، إحدى صديقاتي مغرمة باقتناء الأحذية بأعداد كبيرة وملفتة ، وأخبرتني بأن لديها العديد من الأحذية لم ترتديها أبداً، وكان لي زميل عمل مهووس باقتناء النظارات الشمسية وربطات العنق بشكل ملفت، وغيرهم كثيرون يشترون دون وعي وتخطيط..هذا النوع من التسوق يخرج عن إطار المعقول ويحتاج إلى فرملة..ولكن كيف السبيل إلى ذلك خاصة في وجود البطاقات الإئتمانية التي سهلت عملية البيع والشراء؟!
لم يعد الشخص بحاجة إلى نقود في جيبه كي يشتري شيئ ما، يكفي أن تكون لديه بطاقة بنكيةتسهل له عملية الشراء..المشكلة أن استخدام البطاقات الائتمانية لم يعد مقتصراً على التسوق الواقعي بل امتد للتسوق الألكتروني الذي بات أكثر خطورة ، فبكبسة زر يستطيع الشخص اختيار ما يريد دون الحاجة الى الخروج من البيت مما سهل عملية التسوق بشكل كبير.
برأيي أن الحل للتخلص من هوس التسوق واقعياً أو الكترونياً هو الحد من استخدام البطاقات الائتمانية التي تسهل علينا اتخاذ قرار الشراء وحصر استخدامها على شراء أشياء محددة على سبيل المثال،دفع مبالغ دورية كإيجار البيت أو دفعات التأمين.. أيضاً علينا أن نحدد قائمة بما يلزمنا كل موسم حتى لا نكدس الأشياء في خزاناتنا لدرجة النسيان.. علينا أن نستعين بخبرات أصدقائنا قبل أن نقوم بشراء شيئ ما.. والأهم أن لا نركض خلف إعلانات التخفيضات التي تكون في الغالب غير حقيقية وقد نضطر لشراء أشياء لا تلزمنا لمجرد إنها مخفضة.. علينا أن لا نشتري شيئ ونحن نفكر بأننا ربما قد نحتاجه مستقبلاً، بل نشتري ما نحتاجه اليوم..
وأخيراً أنصح نفسي وإياكم بأن نحدد أولوياتنا ونخطط لكل شيئ في حياتنا ولا ننساق خلف المغريات وأن يكون خروجنا للتسوق من أجل شراء ما يلزمنا فقط.
وكل عام وأنتم بخير بمناسبة العام الجديد 2020.
بقلم / سلوى حماد