آخر الأخبار

الانتظار

قطار طويل معدّ لأطول الرّحلات لا ميعاد لوقت نزوله ولا قيود، فيه انتظار يوقظك تارة ويميتك مرّات عديدة، في هذا القطار ستفكّر كثيرًا وتمحو الأفكار وتبني قصورًا تحتها أنهار وكذلك أكواخُا يمرّ بها خيط من الماء، سيجعلك تخيّم الآمال وتبنيها وتنقضها وتوجّه كلّ علمك لتحديد الوجهة الثّانية وأنت تقف صامدًا في وجهٍ قابل للعراك مع كلّ من ينافيك أو يغالطك، القطار لا تهجره الآمال أبدًا ولا تهجره الصدمات أيضًا كلّ المتضادات هناك...

أبقِ نفسك دائمًا يقظة ولا تنساها هناك، فهي حتمًا ستضيع تمامًا ولن تذكرها أبدًا إلّا حسرة، لا تنسى نفسك فالقطار يسير بسرعة خاطفة إن لم تحسن التعامل فيه مع نفسك، فقط أنت من يحدّد الوجهة ويرسم لها خطوطها ولكن الانتظار واحد، عليك أن تعمل وكأنّك آلة لا تشعر وأن تقاوم في القطار وكأنّك مرهف المشاعر دقيق جدًّا في خطواتك.

المرحلة التّالية غامضة دائمًا حتّى وإن دققّت النّظر فيها مطوّلًا وإن اجتهدت كثيرًا فالانتظار الخيط الدقيق بين الاجتهاد والحصول، ولكن قبل ركوبك القطار لا تنسَ حزم نفسك جيّدًا، واحملها بكلّ ما فيها من عيوب ونقائض فالطّريق كفيل لينفض عنك العيوب -إن شئت- فلن تسدّ شهيّتك غضاضة الطّعام بل اليأس الّذي يلازم الانتظار، ولن يشبعك كثرة الطّعام بل الأمل الّذي يلازمه أيضًا.

الانتظار حياة مجرّدة أخرى، هو صعب لكنه جميل، فيه أمل المسجون لرؤية خيط ذهبي من شِقِّ دقيق، وهو عملة لا تُقايض أبدًا، فيه الحَزَن ولكنّ الحلم فيه لا يموت أبدًا، الانتظار انتصار لمن يحتفظ بذاته في زقاق القطار الطويل، ستُرغم فيه بادئًا ذي بدء على أن تترك نفسك ولكن تشبّث بها كثيرًا حتّى ولو بالبقايا وصارع لأجل ما تحب وقاوم حتّى النّهاية.

هو خيمة تقيك حرّ الهجير وتهوي بك في اللّيل العاصف، ولكنه أحيانًا يحتاج إلى من يقطع سكونه بسؤال موسى للخضر، ويحتاج إلى صبر وإلى نفسك وإلى جهدك، ولكن هيهات من يقدّر فيه سرعة الانتقال أو البقاء عليه

القطار طويل ومحطّاته كثيرة  فلا تعبث بالوقت كيلا يفتك الأوان. 

بقلم: ملك أبو طوق