كيف تحمي بياناتك عبر الإنترنت في عصر الذكاء الاصطناعي؟

تعمل شركات وساطة البيانات في ظلال الإنترنت منذ فترة طويلة، حيث تجمع بهدوء كميات غير مسبوقة من المعلومات الشخصية عن مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم، لكن القليلين يدركون مدى عمق هذه العملية لجمع البيانات.

في عصر يتم فيه حصاد كل خطوة تقوم بها عبر الإنترنت -كل نقرة، كل عملية شراء، كل "إعجاب"- بدقة، ثم يتم تعبئتها وبيعها لتحقيق الربح، أصبحت البيانات الشخصية المجمعة سلعة قيمة، وصناعة وسطاء البيانات العالمية هي دليل على ذلك.

تشكل أدوات الذكاء الاصطناعي المتزايدة خطراً أكبر يتمثل في جمع المزيد من المعلومات الشخصية من الإنترنت، مما يجعل عالم وساطة البيانات الغامض أصلاً أكثر عدوانية، مما يزيد من القلق بشأن خصوصية البيانات. 

وقد وجدت دراسة أجرتها مؤسسة "بيو" للأبحاث في عام 2023 أن الجمهور الأميركي يقول بشكل متزايد إنه لا يفهم ما تفعله الشركات ببياناتهم. وفقاً لدراسة "بيو"، يقول 67% من الأميركيين إنهم "يفهمون قليلاً جداً أولا يفهمون شيئاً على الإطلاق عما تفعله الشركات ببياناتهم الشخصية، مقارنة بـ 59% في استطلاعه السابق حول هذا الموضوع في عام 2019. ويعتقد غالبية الأميركيين (73%) أن لديهم "سيطرة ضئيلة أو معدومة" على ما تفعله الشركات ببياناتهم.

يجهل العديد من الأشخاص أن شيئاً بسيطاً مثل رقم الهاتف يمكن أن يستخدمه وسطاء البيانات والأشخاص ذوو النوايا السيئة للكشف عن معلومات حساسة للغاية، بما في ذلك رقم الضمان الاجتماعي، والعنوان، والبريد الإلكتروني، وحتى تفاصيل العائلة، وفقاً لما قاله أرجون بهاتناغار، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لتطبيق Cloaked الذي يخفي معلوماتك الشخصية من خلال إنشاء "هوية" فريدة لكل حساب عبر الإنترنت لديك.

شركات وساطة البيانات

ووفقاً لروجر غرايمز، الخبير في شركة تعليم الأمن السيبراني "نو بي 4" فإن العديد من وسطاء البيانات -خاصةً الشركات المعروفة أكثر- يبيعون المعلومات بشكل مسؤول، لكن بعض الوسطاء الأصغر والأقل شهرة يتجاوزون القوانين، ويدفعون حدود الأخلاقيات، ويستغلون البيانات بطرق قد تؤدي إلى إساءة الاستخدام أو الضرر. ويرجع ذلك جزئياً إلى ضبابية الإطار التنظيمي حول وساطة البيانات، مما يسهل على هذه الممارسات البقاء دون رقابة.

تعمل هذه الشركات عبر صناعات متعددة، حيث تتعامل مع كل من المعلومات المتاحة للجمهور وبيانات المستهلكين الحساسة. تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات، بدءاً من تحليلات التسويق إلى تقييمات الائتمان والفحوصات الخلفية، ولديها جميعها إجراءات لطلب بياناتك أو طلب حذفها. ومع ذلك، اعتماداً على الولاية التي تعيش فيها، قد لا يتعين عليها الامتثال لذلك.

و في حين يعرف العديد من المستهلكين هذه الشركات بخدمات الائتمان التي تقدمها، إلا أن تلك الخدمات أصبحت الآن جزءاً واحداً فقط من عائداتها، حيث أصبح التسويق الرقمي الأوسع للبيانات أكثر أهمية، وفقاً لجيف تشيستر، المؤسس والمدير التنفيذي لمركز الديمقراطية الرقمية، وهو مركز مدافع عن خصوصية المستهلك مقره واشنطن العاصمة.

 وتتناول عملية جمع البيانات مجالات واسعة عبر الاقتصاد، حيث تقوم الشركات، بدءاً من متاجر البقالة التي تقدم برامج خصم وصولاً إلى خدمات الفيديو المتدفقة، بجمع بيانات يتعين على الآخرين دفع ثمنها.

وقال تشيستر: "اليوم، أصبح الجميع وسيط بيانات. لقد أصبح الوصول إلى شخص ما عبر الإنترنت واستهدافه جزءاً أساسياً من الأعمال التجارية".

وأضاف برونو كورتك، رئيس ومدير عام شركة "بدروك سكيوريتي" المتخصصة في أمن البيانات: "أحاول تأمين كل شيء قدر استطاعتي، لكنني أيضاً على علم بأنه على الرغم من كوني خبيراً في الأمن، فإنني ربما أتعرض لزيادة في المخاطر".

كخطوة أساسية للحد من المخاطر المالية، يُوصي بتجميد تقارير الائتمان لجميع الأفراد كإجراء استباقي ضد سرقة الهوية ومنع المهاجمين الخبيثين من فتح حسابات جديدة أو قروض باسمهم.

داخل خزائن بيانات الوسطاء

يُقدّر خبراء الأمن السيبراني أن وسطاء البيانات يجمعون في المتوسط نحو 1000 نقطة بيانات لكل فرد له وجود على الإنترنت.

قال كريس هندرسون، المدير الأول لعمليات التهديدات في شركة "هانترس" المتخصصة في الأمن السيبراني التي أسسها موظفون سابقون في وكالة الأمن القومي: "يتعين عليهم جمع أكبر قدر ممكن من البيانات عنك، لأن كلما كانت مجموعة المعلومات عنك أكبر وكلما كانت أكثر تحديداً، زادت تكلفة هذه البيانات".

إليك نظرة على أنواع المعلومات التي يجمعها وسطاء البيانات عادةً، وفقاً لخبراء الخصوصية الذين تم إجراء مقابلات معهم في شبكة CNBC:

المُعرفات الأساسية: الاسم الكامل، العنوان، رقم الهاتف، والبريد الإلكتروني.
البيانات المالية: الدرجات الائتمانية وسجل المدفوعات.
سجل المشتريات: ما تبحث عنه عبر الإنترنت، وما تشتريه، ومن أين تشتريه، وعدد مرات شراء بعض المنتجات.
البيانات الصحية: أدويتك، حالتك الصحية، وتفاعلاتك مع التطبيقات أو المواقع ذات الصلة بالصحة.
البيانات السلوكية: نظرة على ما تحبه وما تكرهه وأنواع الإعلانات التي يُحتمل أن تضغط عليها.
بيانات الموقع في الوقت الحقيقي: بيانات GPS من التطبيقات التي تتبع تنقلاتك، أماكن تسوقك، وعدد مرات زيارتك لبعض الأماكن.
الخصائص المستنتجة: بناءً على تصفحك واستهلاكك للوسائط، المواقع التي تزورها، المقالات التي تقرأها، مقاطع الفيديو التي تشاهدها، يستخلص وسطاء البيانات رؤى حول أسلوب حياتك، دخلك، تفضيلاتك، معتقداتك الدينية أو السياسية، هواياتك، وحتى احتمالية تقديمك للتبرعات الخيرية.

العلاقات مع العائلة والأصدقاء والزملاء: من خلال تحليل شبكتك الاجتماعية من الأصدقاء والمتابعين والاتصالات على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل، يمكن لوسطاء البيانات رسم خريطة لعلاقاتك وحتى تتبع عدد مرات تفاعلك مع أفراد معينين لتحديد قوة الروابط بينكم.

كيفية التحكم في بياناتك

لحماية خصوصيتك بشكل أفضل، من المهم إعادة التفكير في مقدار المعلومات الشخصية التي تشاركها يومياً، كما يقول أرغون باتناغار، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "Cloaked". وبينما لا يمكننا الاختباء بالكامل، يحتاج المستهلكون إلى تطوير عادات وأدوات جديدة للحد من ما يكشفونه، بدءاً من إيقاف تشغيل الأذونات التي تتبع موقعك، إلى رفض ملفات تعريف الارتباط، والامتناع عن نشر تفاصيل شخصية على الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد أدوات مثل المتصفحات الآمنة، والشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، وحاصرات التتبع في حماية خصوصيتك.

بعض أكبر شركات التكنولوجيا التي نتفاعل معها يومياً، مثل آبل Apple، تقوم باستمرار بتحديث وإضافة خيارات الخصوصية، كما هو الحال في هواتف « آيفون iPhone» الجديدة وآخر تحديث لنظام التشغيل «iOS».

الالتزام بممارسات النظافة الرقمية

تعد مراجعة وتحديث ممارسات الأمان الخاصة بك على الإنترنت بانتظام أمراً ضرورياً. تأمين كلمات المرور، واستخدام التحقق بخطوتين، وأدوات التشفير يمكن أن يساعد في حماية معلوماتك. كما أن استخدام هويات افتراضية، مثل عناوين بريد إلكتروني وأرقام هواتف بديلة، يوفر حماية إضافية لمعلوماتك الشخصية.