بعد عام من الحرب على غزة .... هناك شعب لا زال يعيش بين الألم والأمل

على مدى سنوات، ومع كل جولة من العنف، يُعاد سرد نفس السيناريو: دمار، خسائر في الأرواح، ومعاناة إنسانية لا تٌحتمل. ومع ذلك، لا تزال غزة صامدة ، واقفة بشموخ وتتحدى بكل ما أوتيت من قوة وإصرار.
المعروف أن كل مدينة في العالم تحمل تاريخًا يسكن خالداً في ذاكرة أهلها، لكنْ قلَّما نجد مدينة تحمل بين طياتها مزيجًا من الأمل والألم، كما هو حال قطاع غزة المكلوم المكون من عدة مدن كل واحدة منها تحمل قصة ألم ووجع ودمار. 
في قلب الشرق الذي لا يهدأ، تقبع غزة، جرح الضمير العالمي، على خارطة النزاعات والأحلام المحطمة في هذه البقعة الصغيرة من الأرض، يتجلى معنى الصمود في أبهى صوره رغم قساوة المشهد. 
غزة، التي عانت وتعاني من الحصار الظالم المستمر والعمليات العسكرية البربرية، تظهر اليوم وكأنها تختبر حدود الإنسانية،  فعلى مدى سنوات، ومع كل جولة من العنف، يُعاد سرد نفس السيناريو: دمار، خسائر في الأرواح، ومعاناة إنسانية لا تُحتمل. ومع ذلك، لا تزال غزة رافضة للظلم بكل صوره، ما أوتيت من قوة وإصرار، وبذلك تكون و رافضة أن تقبل بأنها أن تكون مجرد رقم في سجل النسيان الدولي.
وسط هذا الواقع القاسي، يبرز جيل جديد من الشباب الغزيين، الذين يحاولون بشتى الوسائل خلق مساحة للأمل والإبداع، من خلال الفن والتعليم والأعمال الحرفية الصغيرة، والمساهمة في تنظيف المدن بالرغم من الدمار ورائحة الدماء وبقايا الجثث المتحللة المتناثرة في كل مكان، وقصف آلة الحرب بلا هوادة لكل أنفاسهم وأحلامهم.
كل واحد منهم يسعى لكتابة قصة مختلفة لغزة، وعندما تسمع أي قصة تجد أنها ترسم تاريخ قضية، قصة لا تقتصر على الحرب والدمار، بل تشمل أيضا الحياة والإصرار والتمسك بالأمل على العيش بكرامة.
لذلك ستبقى غزة، بكل ألمها ووجعها وأملها وتطلعات أبنائها ، تذكرة دائمة بأن الإنسانية لازالت منتقصة كون أنها تعني أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة، بل هي  تعني العيش بكرامة وسلام من أجل الوطن الذي يحبه شعبه ويحبهم.
كما نعرف جميعاً أنه منذ يوم السابع من أكتوبر العام الماضي ونحن نعيش إرهاصات دموية مدوية ، حيث أن هناك حرب ضروس على قطاع غزة وصفت بأنها إبادة جماعية بحق المواطنين الفلسطينيين العُزل ممن فقدوا ما يزيد عن أربعين ألف شخص من أحبائهم قتلوا في هذه الحرب غير العادلة ، وأكثر من 90 ألف شخص جرحوا بدون ذنب وآلاف أخرى لم يُعرف عددهم ومصيرهم حتى اللحظة حيث لا زالوا في عداد المفقودين تحت الركام، أو نهشت جثثهم الحيوانات الضالة ، بالإضافة إلى أولئك الذين تم اعتقالهم.
هذا الأمر بالرغم من أنه يشعرنا ببالغ الألم في ذكراه الأولى ، إلا أنه يأخذنا إلى تساؤل هو ماذا بعد؟، ماذا بعد كل هذه الحرب التي رسمت حالة من البؤس والألم والوجع على وجوه أهل غزة لا بل زرعت القلق والحزن والتوتر والخوف من المستقبل المجهول في العالم بأكمله.
هذه الحرب التي حصدت أرواح الأبرياء في المنطقة ولم تميز بين الشيخ والطفل والمرأة والمدني والعسكري، هذه الحرب التي دمرت كل مقومات الحياة الإنسانية المشروعة والتي كفلتها الشرائع والقوانين الدولية.
هذه الحرب التي دمرت الحجر والشجر والبشر وأبكت الملايين وهي ترسم تاريخاً لم يكن في حسبان أكثر الناس تشاؤماً من أنها ستعيش هذه اللحظات المأزومة،  والتي لا يمكن أن ينساها التاريخ وسيكون لها ولا يمكن أن لا يكونه لها تأثيراً كبيراً على رسم مجرى المستقبل في المنطقة والعالم أجمع ، لا بل سترسم هيكلية العلاقات الدولية الجديدة على اسس ومفاهيم جديدة.
هذه الحرب التي زلزلت كينونة هشاشة المنظومة الدولية، و كشفت ايضاً فيها ثغرات غير أخلاقية تميل لخدمة المصالح على حساب القيم والاخلاق والقوانين الإنسانية والدولية.
هذا يجعلنا لأن نتوقف ونفكر جلياً ونتساءل لماذا كل هذا وهل نحن نعيش في عالم باتت تحكمه الوحوش؟! أم أنه عالم لا زال ينبض بالحياة ويملك الضمير الحي من أجل أن يحق الحق ويبطل الباطل وذلك من خلال تحقيق العدالة ورفض العدوان والظلم والعمل بإصرار وعزيمة من أجل سيادة القانون والبحث في مقومات ووسائل رفاهية الإنسان والحفاظ على كرامته وطموحاته وتطالعاته والإستثمار في طاقته بدلا من السماح بإعدام إمكانياتها وحياته.
 أخيراً أستطيع القول بأنه بالرغم من الألم والوجع وصور الدمار وبشاعة المشهد إلا أنني أؤمن بأنه لا زال هناك أمل  طالما أن الشعب المظلوم لا زال متشبثاً بالحياة والأمل، ويؤكد على أنه لا يقبل إلا أن يكون على الدوام بمثابة منارة من المنارات التي تضيء درب الكفاح على طريق الحرية، وأن الفداء لا يُنسى وأن ذكرى الأبناء والأوطان تبقى حية وتظل خالدة في القلوب والأرض. 
وختاماً نقول بأنه بالرغم من مرور عام مظلم على هذه الحرب العداونية الهمجية ، إلا أن الشعب الفلسطيني في غزة لا زال متمسكاً بالبقاء، و يرسم الحكاية  الأمل بكثير التفاؤل والإصرار، هذا الشعب الذي يمثل أهم اسس وأركان المساهمة في صياغة مستقبل يسوده السلام والعدل، حيث تُعانق الحرية سماء فلسطين العزيزة لتقول بأنها باقية وبأن الحلم لن ينطفئ إلا بزوال الإحتلال، وليؤكد بذلك بأنه شعب محب للحياة لا بل من صناعها من أجل أن تنعم المنطقة بأمن وأمان وسلام ورخاء وإزدهار.