من الواضح أننا أمام صيف يزداد سخونة يوما بعد يوم، هذا وقد التقى رئيس المعارضة الإسرائيلية ورئيس حزب “يش عتيد” يائير لابيد، ورئيس حزب “يسرائيل بيتينو”، أفيغدور ليبرمان، ورئيس حزب “اليمين الوطني” جدعون ساعر، مؤخرا واتفقوا على تشكيل تحالف ووضع خطة عمل لإسقاط حكومة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أحزاب المعارضة
وأعلن زعماء أحزاب المعارضة أنهم يتوقعون استقالة غانتس من الحكومة وانضمامه إلى المنتدى ليحل محل الحكومة الحالية وعقد الاجتماع الثلاثي بعد أن خاطب عضو الكنيست ليبرمان خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في الكنيست يوم الاثنين الماضي بهدف إسقاط الحكومة: “دعونا نشكل ائتلافا مشتركا حتى نتمكن من إسقاط هذه الحكومة وتشكيل حكومة أخرى”.
زئيف إلكين، أحد قادة حزب ساعر، قال إن «السبيل الوحيد لإسقاط حكومة نتنياهو طرح قوة يمينية كبيرة في مواجهته؛ فاليسار لن يفيد بهذه المعركة، ولذلك لم يدع أي حزب يساري للمشاركة (ولا حتى الأحزاب العربية).
ما يلفت الانتباه ما وصفه لبيد عن حل الدولتين أنه “الأفضل بالنسبة إلى أمن الإسرائيليين.” ومن دون أن يتحدث عن الخيار الآخر البديل، أي دولة ثنائية القومية، الأمر الذي دفع بأكثر من معلّق إسرائيلي إلى البحث عن دوافعه الفعلية؟
قد كان وقتئذ الحديث لاعتبارات انتخابية، هدفها جذب اهتمام ناخبي حزب العمل وحركة ميرتس، أو ناخبي من ذوي التوجهات اليسارية.
ويمكن الافتراض أيضاً أنه أراد أن يبعث برسالة العالم برمته أنه حمامة سلام.
سياسة أكثر تشددا
على نحو تفصيلي وفيما يخص أفيغدور ليبرمان لا يحمل التوجه نفسه لا يتمحور حول حل القضية الفلسطينية، فليبرمان وساعر يريدان سياسة أكثر تشدداً من سياسة نتنياهو، ويطلقان تصريحات ضد المجتمع الدولي ومحكمتَي لاهاي، ويطالبان بتوسيع الحرب لتشمل اجتياح لبنان، ويرفضان أي تفاهمات مع السلطة الفلسطينية، وكذلك جدعون ساعر، يتكلمون عن حل الدولتين، يتبعون نهج الحل المؤجل هذا أولا، وثانيا في حال تم ذلك فالنظرة للدولة الفلسطينية في نظرهم لا تلبي حتما الطموح الفلسطيني على حدود 67 وعاصمتها القدس.
إذن نحن أمام تحول في الطرح ما بين حكومة يمينية تريد كل شيء، وبين طرح يساري علماني يميني يريد أن يقدم تنازلات خجولة، على حساب الإيديولوجية الدينية المتطرفة. يتفق العالم مع هذا الطرح اليساري اليميني العلماني، ويتساوق كثيرا مع ما يطرحه العالم من تسوية للقضية الفلسطينية، وهو توافق ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين برضا الطرفين، بمعنى أنهم يريدون أن يتوصل الطرفان لدولة حسب ما يتفقون عليها كيف شكلها وما هي، هذا لا يهم في نظر حكام المعمورة، ولكن ما يعارضه العالم اليوم ما يحدث في غزة من قتل للمدنيين وتدمير البيوت.
حركة مقاومة
لا أحد يعرف في حال تم إسقاط حكومة نتنياهو وتشكيل حكومة من هذا الثلاثي كيف يكون حال اليوم التالي للحرب؟
يفهم من تصريحاتهم أنهم مع القضاء على حماس كحركة مقاومة، وفكرة التخلص من حماس أيضا غير واردة عند نتنياهو ومنافسيه، لكن القضاء على حماس والإجهاز عليها كلياً هذا ما تنادي به الحركة الدينية المتطرفة في إسرائيل بكل تشعباتها.
ما تسعى به كل الأحزاب في إسرائيل باستثناء اليمين كما أسلفت إلى وجود حماس كحركة سياسية منزوعة السلاح، وما تذهب إلى أبعد من ذلك وهو الاعتراف بإسرائيل كدولة موجودة على الخريطة، ولها الحق في فلسطين، هنا يكمن الخلاف العميق الذي لا يستطيع اليمين المتطرف في إسرائيل قبوله على جميع الأحوال.
في جميع الأحوال المجتمع الإسرائيلي اليوم لا يمثل سواده الأعظم يمين ديني حسب الاحصائيات الإسرائيلية، فإن ما تشكله أحزاب الصهيونية الدينية ما يقارب 35 في المئة من مجموع سكان إسرائيل، بهذه الإحصائية لا نستطيع القول إن المجتمع الإسرائيلي جله من المتدينين، بمعنى آخر حلول ضم الضفة الغربية وبناء الاستيطان في غزة لا تتحقق أبدا في المدى المنظور، إلا في حالة واحدة في حال انقلبت المعادلة رأساً على عقب.
المؤشر الخطيرعلى التحديات لأي حكومة إسرائيلية مقبلة في حال تمت سيطرة التحالف الثلاثي على الحكم، هل تعود هيبة الدولة كما كانت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول؟
صفقة تبادل
في السياق الراهن، ما يسعى إليه التحالف وهو إعادة التموضع في دول العالم، ومحو الصورة السيئة التي خلفها بن غفير وسموتريتش في الفترة السابقة عن إسرائيل، إذن أمامهم أيام عصيبة للخروج من غزة بأقل الخسائر، وإعادة الأسرى الإسرائيليين ضمن صفقة تبادل حتى لو كانت مؤلمة في نظرهم.
أما مصير نتنياهو بعدها خارج الحلبة السياسية، ويبقى حلفاؤه على قارعة الطريق لأجل غير مسمى. المشهد الحقيقي تختلف الأحزاب العقائدية عن الأحزاب السياسية في كونها تحتفظ دائما ببوصلة وظيفتها أن تضع صيغة التعامل مع اللحظة السياسية الراهنة في خدمة مبادئها التاريخية، ومتى ما فقدت تلك الأحزاب هذه البوصلة الهامة، فهي غالبا ما تتحول إلى حزب سياسي لا صلة له بالعقائدية.
هذا الحال الذي ستبدو عليه إسرائيل في حال حقق التحالف النصر على حكومة نتنياهو وتربع على كرسي الحكم، ولكن ثعلب السياسة الإسرائيلية لهم بالمرصاد، فكل الأوراق بيده وهو، يناور ويقاتل حتى الرمق الأخير.
واستدلالاً على ذلك يمكن القول إن الحل الذي يسعى إليه الشعب الفلسطيني في منعطفات حادة، وبالنظر لواقع الأحزاب السياسية في إسرائيل ليست بحوزة تلك الأحزاب ما تقدمه لحلحلة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين.
المختلف بين حزب وآخر هو نوع العلاج، ليس إلا، فمنه المخدر، ومنه الذي لا يطبب جراحنا حتى نشفى تماما، فبين العلاجين ضاعت قضيتنا، فإنه من الظلم الفادح وعدم الإنصاف، إذا لم يكن هنالك قول فصل من العرب أجمعين سنبقى في مهب الريح.