ورحل فارس الدبلوماسية السُّودانية

طارق أبوصالح
أوتاوا، كندا


{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } 
سورة البقرة، الآيتان 155- 156

أفل مساء اليوم نجمٌ ساطعٌ في سماء الدبلوماسية السُّودانية في عهدها الذهبي، وتوارى كوكبٌ لامعٌ ملأ فضاء السياسة عندما كان في بلادنا سياسة، وغاب عن دنيا الأدب أديبٌ أريبٌ زان الأدب وكاتبٌ فذ زيّن الكتابات وخطيبٌ مُفوّهٌ قارع الكلمة بالكلمة، وقبل كل هذا وذاك إنسانٌ امتاز بصفات فريدة وخصال نبيلة فهو من احاسن الناس اخلاقا، الموطؤون اكنافا الذين يألفون ويُؤلفون، وهو كما العنوان فارسٌ الدبلوماسية السُّودانية بحق وحقيقة، وشجاع لم يكتم الحق يوماً ولم يخش في قوله لومة لائم.
أبوبكر عثمان محمد صالح الذي انتقل إلى جوار ربِّه مساء اليوم 6 يونيو 2024م في القاهرة بجمهورية مصر العربية، من الرعيل الأول للدبلوماسيين بوزارة الخارجية حيثُ التحق بها سكرتيراً ثالثاً في يوليو 1956م مع ثلاثة من السكرتيرين الثوالث هم حامد محمّد الأمين ومصطفى مدني أبّشر وكمال البكري. ولالتحاق أبوبكر بوزارة الخارجية قصة طريفة يرويها في كتابه "في بلاط الدبلوماسية والسُلطة: مواقف ومشاهد"، إذ يقول أنّه في بداية حياته المهنية كان مُعلماً بمدرسة خورطقّت الثانوية، وفي أحد أيام الجمعة من عام 1956م كان وبعض زملائه المُعلمين كما تعوّدوا في دار صديقهم وزميلهم أحمد سعد حيث يقضون سحابة يومهم في لعب الويست والمطارحات الشعرية وسماع الموسيقي وحكي الذكريات وتبادل الخبرات، وبينما هم على هذه الحال فؤجئ بزميله في شعبة اللغة الإنجليزية الذي قدم من الأبيض ينادي عليه عندما خرج له وجده يحمل نسخة من صحيفة "الرأي العام" بها إعلان صادر عن وزارة الخارجية الوليدة عن وظائف بالسلك الدبلوماسي الذي يجري تكوينه بعد الاستقلال، ويشير الإعلان أن الذين تنطبق عليهم الظروف عليهم التقديم للوظائف بملء استمارات  توطئة لامتحان تتبعه معاينة. ويروي أبوبكر عثمان محمد صالح أن جعفر أبوحاج قال له بحماس أنّه سيرسل في طلب اورنيك التقديم لهم الاثنين. ويقول أبوبكر أنّه لم يشأ هجر مهنة التعليم التي أحبها وفي نفس الوقت لم يشأ أن يُقابل حماس زميله جعفر أبوحاج بسلبية وفتور، لذلك اتفق أن يتناقش معه في الأمر بروّية في وقتٍ لاحق. وفيما بعد يقول بتشجيع من زملائه وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الباقي محّمد ملأ الاستمارة وجلس بعد ذلك للامتحان في الأبيض ثم خضع لمعاينة بوزارة الخارجية في الخرطوم استوعب بعدها سكرتيراً ثانياً بالوزارة. ويروي أبوبكر عثمان محمد صالح أنّه وبينما هو وزميله جعفر أبوحاج يتخذون طريقهم من خور طقّت للأبيض لأداء امتحان الدخول لوزارة الخارجية إذا بصديقه يتلوى من الألم مما اضطرهم للذهاب لمستشفى الأبيض حيثُ قرّر الأطباء إجراء عملية عاجلة لجعفر أبوحاج، وأراد أبوبكر أن يبقى بجانب زميله الذي كان سبباً في تقديمه للوظيفة بوزارة الخارجية، ولكن الأطباء ألّحوا عليه بالتوّجه إدراك الامتحان في موعده، فيا له من قدرٍ عجيب. ويقول أبوبكر عثمان محّمد صالح: "إنّ للقدر مُفارقات غريبة.. ها هو جعفر الذي بادر بحماس إلى الإقدام على تلك الخطوة والذل عمل على إقناعي لتحقيقها تحول دون بُغيته الظروف، وحقّاً تُقدِّرون فتضحك الأقدار".
فيما بعد قدّم جعفر أبوحاج للالتحاق بوزارة الخارجية في الدفعة الثانية للدبلوماسيين واستوعب دبلوماسياً بها وتدّرج في وظائفها حتّي صار سفيراً ثُمّ وكيلاً لوزارة الخارجية.
بعد التحاقه بوزارة الخارجية سكرتيراً ثانياً في يوليو 1956م وأداء القسم أمام مُفتي الديار الشيخ هاشم أبوالقاسم انخرط أبوبكر عثمان محّمد صالح مع دفعته في تدريب مُكّثف ثُمّ زيارات لبعض مديريات السُّودان، وبعد ذلك تمّ اختياره للعمل بالإدارة السياسية التي كان يرأسها حينذاك المُستشار عبد الكريم ميرغني. وفي مُنتصف يوليو 1958م تم تكليفه ليكون قائماً بالأعمال في السعودية لغياب السفير محجوب مكّاوي ليعود لديوان الوزارة بعد شهور قليلة ليترأس الإدارة السياسية بالإنابة لنقل مديرها عبد الكريم ميرغني لبعثتنا الدائمة بالأمم المتحدة في نيويورك إلى حين وصول مدير الإدارة السياسية الجديد عبد الله الحسن الخضر من يوغندا حيثُ كان قنصلاً للسُّودان هناك. وفي سبتمبر 1960م نُقل لسفارتنا بالقاهرة وعمل بها 6 سنوات وعاصر السفيرين أحمد مختار وعثمان الحضري. وتدّرج أبوبكر عثمان محمد صالح في وظائف السلك الدبلوماسي بالقاهرة سكرتيراً أولاً فمستشاراً ثم وزير مُفوّض ليُنقل عام 1966م سفيراً بالجزائر ليقوم بإنشاء السفارة وهو بدرجة وزير مُفوّض وليكون أول سفير مُقيم بالجزائر، إذ أن السفير بالقاهرة (أحمد مُختار) كان سفيراً غير مقيم بالجزائر قبل افتتاح سفارة للسُّودان بالجزائر. وفي مطلع عام 1970م في بداية عهد مايو قرّر الرئيس جعفر نميري نقله سفيراً إلى ليبيا والثورة الليبية التي قادها معمر القذّافي في شهورها الأولى. وبعد فشل انقلاب يوليو 1971م الذي قاده الرائد هاشم العطا بأشهر قليلة وفي نهاية عام 1971م نُقل أبوبكر عثمان محّمد صالح لرئاسة وزارة الخارجية مُديراً للإدارة العربية بعد أن قضى زُهاء العامين سفيراً في ليبيا. ولم يقض شهوراً قليلة بديوان وزارة الخارجية حتّى اختاره الرئيس جعفر نميري أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية مطلع عام 1972م. وبعد أقل من عامين قضاهما أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية اُعفي أبوبكر عثمان محمد صالح ليعود لوزارة الخارجية سفيراً بعقد مؤقت إذ أنّه كان يشغل منصباً وزارياً، ورُشح فور التحاقه بوزارة الخارجية بعقد مؤقت سفيراً بيوغسلافيا حيثُ غادر الخرطوم إلى بلغراد بعد قبول الحكومة اليوغسلافية ترشيحه ليكون سفيراً للسُّودان هناك. وبعد فترة قصيرة قضاها سفيراً ببلغراد نُقل أبوبكر عثمان محمّد صالح عام 1975م سفيراً بفرنسا وسفيراً غير مقيم بسويسرا وسفيراً غير مُقيم لدى الفاتيكان ليظل سفيراً بباريس حتّى نُقل للخرطوم عام 1978م ليتم تعيينه وزيراً لرئاسة مجلس الوزراء. وفي 22 أكتوبر 1982م بعد إعلان ميثاق التكامل بين مصر والسُّودان أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس حسني مبارك للخرطوم قام الرئيس جعفر نميري باختيار أبوبكر عثمان محمد صالح ليكون أميناً عاماً للتكامل السُّوداني المصري، وظلّ في موقعه هذا إلى أن استقال منه بعد انتفاضة 6 أبريل 1985م التي أطاحت بالرئيس جعفر نميري ونظام مايو.
في حياته العامرة كان لي وقفات عديدة مع الراحل المُقيم السفير والوزير أبوبكر عثمان محمد صالح، أذكر منها ثلاث، أوّلها عندما تم نقلي سكرتير ثاني للجزائر عام 1999م توّجست خيفة من الذهاب للجزائر التي خرجت للتو من عشريتها السوداء التي سادها أعمال إرهابية وعدم استقرار فذهبت لوكيل وزارة الخارجية حسن عابدين حيث أنّه عمل سفيراً بالجزائر ليطمئن قلبي ولأخذ نصائحه والتزود بخبرته في العمل هناك، وعندما شعر بتوجسي من تنفيذ النقل قال لي: أنّني أعرف أنّك مُتردِّد من الذهاب للجزائر، ولكن أقول لك اسمع نصيحتي وأذهب ولن تندم وستكتسب خبرة هناك لن تلقاها في أي محطةٍ أخرى". وحقيقةً لم يطمئن قلبي كثيراً رغم كلمات الوكيل المُشجعة فقرّرت الذهاب للسفير أبوبكر عُثمان مُحمَّد صالح أوّل سفير للسُّودان بالجزائر في داره بامتداد الدرجة الأولى (العمارات) عصر يومٍ من الأيّام في منتصف يونيو 1999م لأخذ مشورته وللتزوّد بنصائحه إن اطمأن قلبي لحديثه. وعندما جلست إليه في حديقة منزله وبعد السلام والتحايا والسؤال عن الأهل قلت له أنّه تمّ نقلي للجزائر وأبديت له توّجسي وخيفتي من الذهاب للجزائر وهي لم تستقر بعد، فقال لي أنّه بعد عمله نائباً لرئيس البعثة الدبلوماسية بالقاهرة نُقل للجزائر سفيراً عام 1966م، وفي تلك الفترة ذكر أنّ عبد العزيز بوتفليقة كان وزيراً للخارجية، وقال لي أنّه ربطته علاقة وثيقة به ويعرفه جيّداً إذ أنّه أصبح صديقاً حميماً له، وأضاف أنّه يعرف قدراته السياسية وأنّه بما لديه من حكمة وحنكة مؤهل لإعادة الاستقرار بالجزائر. هدأت هذه الكلمات من روعي وأزالت توّجسي وبدّدت خيفتي فقرّرت في اليوم التالي الحجز للسفر للجزائر يوم 30 يونيو 1999م لأستلم عملي يوم 1 يوليو وهو الموعد المُحدّد لبدء العمل في سفارتنا بالجزائر. وبعد أن زوّدني السفير أبوبكر عثمان محّمد صالح ببعض المُوّجهات والنصائح للعمل قال لي: "بعد أن تصل الجزائر وتلتقي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قُل له أنَّ صديقك أبوبكر عُثمان مُحمَّد صالح يُقرِؤك السلام". وأذكر أنَّني عندما التقيت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أول مرَّة وكنت حينذاك قائماً بالأعمال لسفر السفير يوسف فضل في مهمة للخرطوم نقلت له رسالة السفير أبوبكر عُثمان مُحمَّد صالح كما قالها لي بالحرف، فقال لي بغبطة: "السفير أبوبكر عُثمان مُحمَّد صالح أول سفير للسُّودان بالجزائر وهو صديق عزيز وإنسان عظيم، فبالله تتصل عليه اليوم وتبلغه سلامي وتحياتي". وبالفعل بعد أن رجعت قافلاً للمنزل رفعت سمّاعة الهاتف واتصلت بالسفير أبوبكر عثمان محّمد صالح وأبلغته سلام وتحيّات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وشكرته لنصيحته وقلت له أنّه منذ أن وطئت قدماي الجزائر لا يمر أسبوع إلا يكون هناك مؤتمر دولي أو إقليمي إذ أنّ عبد العزيز بوتفليقة نشط في عامه الأول في استضافة العديد من الأنشطة والفعاليات للأمم المتحدة ومُنظّمة الوحدة الأفريقية وجامعة الدول العربية.
وثاني هذه الوقفات عندما ذهبت إليه بمنزله في الرياض في الأسبوع الأوّل من شهر يناير 2016م لأبلغه بقرار وزارة الخارجية تكريمه مع السفير رحمة الله عبد الله في ختام أسبوع الدبلوماسية السادس مساء الخميس 21 يناير 2016م، فقال لي في تواضع: "يا ابني أنا ووالدك وعمّك من جيلٍ واحد وقد خدمنا هذه الوطن وهذا واجبنا ولا نستحق عليه تكريما، ويا ليت تُكرِّموا من هو أحق مني بالتكريم". وكان صادقاً في هذه الكلمات التي إن دلّت على شيء إنما تدّل على عظمة هذا الرجل وسموه.
لعل تواضع أبوبكر عثمان محمد صالح الجم اكتسبه من البيئة التي عاش وترعرع فيها في طفولته وصباه في حلفا دغيم القرية التي ترقد وادعة على ضفاف النيل كما وصفها هو، والتي صبغت عليه طابعاً قروياً مُحبّباً في تعامله مع الكل. ولعل من المواقف التي تركت أثراً عظيماً في حياته واختزنت في ذاكرته حضور الوكيل الدائم لوزارة الخارجية السفير محمد عثمان يس باكراً إلى محطة السكك الحديدية في الخرطوم لوداعه وهو يُغادر للقاهرة لتسلُّم عمله بسفارتنا هناك. ويقول أبوبكر: " كان حدثاً مثيراً لم أكن أتوّقعه... وبلغ بي التأثّر مداه حتّى عجزت عن شكره على تلك اللفتة الكريمة وهو مُمسك بيدي مُوّدعاً".

أمّا الوقفة الثالثة فكانت عند انعقاد مؤتمر سُفراء السُّودان السادس خلال الفترة من 18 إلى 21 يناير 2016م، وذاك حينما أعددتُ كُتيباً صغيراً بعنوان "ملامح عن تاريخ وزارة الخارجية". وبعد أسبوعٍ واحد من انتهاء أعمال المُؤتمر، وفي يوم الخميس 28 يناير 2016م التقيت السفير أبوبكر عُثمان مُحمّد صالح، أحد أبكار الدِبلوماسيين الأوائل ومن الجيل المُؤسس لوزارة الخارجية، فأعطيته نُسخة من الكُتيب للاطلاع عليه وإبداء الرأي حوله، ووعدته بزيارته في منزلهِ خلال أيَّام، وقبل أن تسمح لي الظروف بالوصول إليه في دارهِ بالرياض اتصل بي ابنه أُسامة، وهو صديق وزميل دراسة لي بمدرسة مدني الأميرية المُتوّسطة، اتصل قائلاً أنّ لديه خطاباً لي من والده، وعندما وصلني الأخ والصديق أُسامة أبوبكر في مكتبي بإدارة التخطيط والسياسات في وزارة الخارجية بعد مُنتصف نهار الخميس الرابع من فبراير 2016م، أي بعد أسبوعٍ واحد من لقائي بوالده الكريم، سلّمني مظروفاً، تردّدُت في فتحه أمامه أوَّل الأمر، ولكن قرّرت أن أكشف الحجاب، فوجدت ورقتي فوُلسكاب، على الصفحة الأولى استهلالٌ بخط نسخٍ جميل جاء فيه: " كتاب لمحات من تاريخ وزارة الخارجية للسفير طارق حسن أبو صالح ، مجهودٌ طيّب يستحق الإشادة، إكمالاً للتوثيق رُبما رأيتم  إضافة الآتي: .......... .......... .......... .......... .......... ". والآتي كمٌ هائلُ من معلوماتٍ وافية وتفاصيل دقيقة عن السُفراء والدِبلوماسيين الأوائل، والإدارات والأقسام، والبعثات الدِبلوماسية والقُنصلية التي أُنشئت مع ميلاد وزارة الخارجية عام 1956م، والذين توّلوها من السُفراء والقناصل المُعتمدين وكذلك الدِبلوماسيين العاملين بديوان الوزارة، ولمحاتٌ وومضات عن المحّطاتِ الأولى لوزارة الخارجية الناشئة مع فجر الاستقلال. ختم السفير أبوبكر عُثمان مُحمّد صالح مُلاحظاته القيّمة تلك والتي حرص أن يكتبها بخطِ يده الرائع بحاشيةٍ جاء فيها: "يُمكنك الرجوع لكتابي الموسُوم (في بلاط الدِبلوماسية والسُلطة) للمزيدِ من التوثيق".
كانت هذه الكلمات المُضيئة لأستاذنا السفير أبوبكر عثمان محمد صالح دافعاً لي للتوّسع في كتابة مادة عن تاريخ وزارة الخارجية ونشرها كمقال في مجّلة "السفير" يناير 2017م، وصحيفة "السُّوداني" مايو 2018م بعنوان "لمحات من تاريخ وزارة الخارجية"، ثُمّ التفكير فيما بعد لتوسيع هذا العمل لكتاب. وأُدين بالفضل في تشجيعي لمنصور خالد وزير الخارجية الأسبق والسفير أبوبكر عثمان محّمد صالح الذين كانت كلماتهم حافزاً لي ودافعاً للبدء في كتابة تاريخ وزارة الخارجية مُنذ نشأتها قبل الاستقلال كوكالة السُّودان للشؤون الخارجية أو ما كان يُسمَّى مكتب الشؤون الخاصة.
كانت حياة الوزير والسفير أبوبكر عثمان محّمد صالح زاخرة بجلائل الأعمال وعامرة بالمواقف الوطنية، وقد أرسى راحلنا المُقيم مدرسة مُتفرِّدة في الدبلوماسية كما خط نهجاً قويماً في السياسة في السُّودان فكان بذلك رجل دولة من الطراز الأوّل. سيرة أبوبكر عثمان محمد صالح دوّنها بصدق وبأسلوب أدبي بديع في كتابه "في بلاط الدبلوماسية والسُلطة: مواقف ومشاهد"، والذي يُعتبر أفضل ما كُتب عن الدبلوماسية وأضابير الحُكم في السُّودان.
والله إنّا لفراق أبو بكر عثمان محمد صالح لمحزونون، وإنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليحزن ولكن لا نقول إلا ما يُرضى الله، فلله ما أعطى ولله ما أخذ.
نسأل الله أن يُنزِل على فقيدنا العزيز السفير أبوبكر عثمان محّمد صالح شآبيب رحمته وعزائم مغفرته، وأن يُسكِنه الفردوس الأعلى من الجنَّة مع النبيين والصدِّيقين والشُهداء والصالحين وحسُن أُولئك رفيقا.
قال سيدنا ونبينا مُحمّد صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ خياركم أحسنكم أخلاقاً"، وبشّر قائلاً: "ما من شيءٍ أثقل في الميزان – أي يوم القيامة – من حُسن الخلق". اللهم أنزل عبدك أبوبكر عثمان محمد صالح في مقعدِ صدقٍ وأجزل له الوعد الحق: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنُ سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرأوا إن شئتم (فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي له من قرّة أعين) ".