يثبت العقل العربي دائماً قدرته على الإبداع ما إن تتوفر له الأرضية المناسبة لذلك، ومن هنا يأتي الحديث عن مساهمات الكنديين العرب في كندا "وطنهم الثاني" والتي تعتبر من أبرز علامات النجاح والتفوق لدى العرب خارج أوطانهم الأم، وكذلك من أقوى الدلائل على توفير كندا القاعدة المحفزة للإبداع والتطوير الذاتي لحاملي جنسيتها والمقيمين على أرضها. 

العرب في كندا ـ مجالات متنوعة للإبداع 

لقد ساهم العرب منذ بدء الهجرة الأولى لهم إلى كندا "منذ حوالي قرن ونصف تقريباً" في العديد من المجالات الاقتصادية والحيوية والاجتماعية، وكانت لهم بصمات ملفتة للنظر على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مجال، ومن الأمثلة والحقائق المثبتة على ذلك: 

السياسة والمناصب الحكومية

لطالما كانت ممارسة السياسة في بلادنا العربية محفوفة بالمخاطر، وخاصة في ميادين المعارضة السياسية، بينما عاش عرب كندا مجداً سياسياً ـ إن صح التعبيرـ في بلدهم الثاني "كندا" من خلال بروز العديد من الأسماء العربية في ميادين سياسية مختلفة، ومناصب حكومية ورسمية. 

من النائب والوزير السابق بيير دبانة، إلى إدي فرانسيس الذي شغل منصب عمدة بلدية وندوز، ولا يغيب عن القائمة عمر الغبرة الذي شغل منصب نائب في البرلمان الكندي، ثم وزيراً للنقل، وكذلك دخل البرلمان كل من ماريا موراني، وسناء حساينية وطارق براهمي وغيرهم. 

وتطول القائمة لتشمل أسماء وصلت إلى زعامات حزبية، كزعيمة الحزب الديمقراطي في مقاطعة نيوفونلاند ولابرادور "لورين مايكل"، أو رؤساء مقاطعات مثل: جو غيز، وروبرت غيز. 

الطب

يعتبر المجال الطبي كذلك من المجالات التي ساهم فيها العرب في كندا وظهرت لهم أسماء لامعة ومعروفة بشكل كبير، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الطبيب طارق لوباني الذي لمع اسمه في تطوير السماعات الطبية بتكاليف منخفضة، والطبيب هاني سليمان الذي أبدع في تقنيات علاج الدماغ والعمود الفقري، وكذلك الطبيب محمد جمال الشريف المختص في جراحة الوجه والكفين. 

وقد وصل الكثير من الأطباء الكنديين من أصول عربية إلى الجامعات الكندية ودرسوا فيها، ولا زالوا إلى الآن رقماً صعباً فيما يتعلق بالإبداع العربي في كندا، وقوائم الإنجازات العربية في هذه البلاد، كما كان للأطباء العرب كغيرهم من الأطباء الكنديين دوراً ملموساً في التصدي لجائحة كورونا ـ كوفيد 19، في عام 2020. 

الإعلام 

تصدر في كندا العديد من الصحف العربية "منها صحيفة عرب كندا نيوز" التي نكتب في موقعها الرسمي هذا المقال، وكذلك أبدع العرب في مجال المرئيات، ولمعت العديد من القنوات والإذاعات العربية، التي عكست قدرة الإعلاميين العرب على حمل رسالة الجالية العربية، وإن كان المستوى الإعلامي العربي في كندا دون المستويات المطلوبة، إلا أنه من الميادين الناجحة والتي تستحق الإشادة. 

كذلك في مجال الإعلام المعاصر المتمثل بالسوشيال ميديا والمنصات الإعلامية الافتراضية، فقد ظهر في كندا العديد من المدونين واليوتيوبرز الكنديين من أصول عربية، ممن شكلوا جسر تواصل ما بين الثقافتين العربية والكندية. 

الأدب والفن 

نشطت في كندا العديد من الحركات الأدبية والنوادي الثقافية، والمهرجانات الفنية، والفرق التراثية، وغيرها من الممارسات الأدبية والفنية التي حافظت على جوهر الإبداع العربي في هذين المجالين، ونقلته إلى المجتمع الكندي، كما عمقت التواصل ما بين العرب في كندا وإرثهم الثقافي والأدبي، من خلال مبادرات عديدة. 

من الأسماء البارزة في هذا المجال: رندة شرارة وجان كرم، والشاعر جويل عماد، وغيرهم من المبدعين العرب الذين لم يوقفهم بعدهم عن بلدانهم الأم عن النهوض في المسيرة العربية، وتشكيل ما يمكن اعتباره تياراً لأدب المهجر العربي المعاصر. 

التجارة والاقتصاد 

إنّ كندا دولة حيوية وعمليّة، وتعدّ موطناً للكثير من رجال الأعمال العرب والتجار والصناعيين والمحترفين في العديد من مجالات التجارة والصناعة والمجالات الاقتصادية الأخرى. 

أبدع العرب بشكل كبير في المشاريع الحيوية، كالمطاعم في كندا، وكذلك كانت لهم بصمتهم في مجال العقارات والوساطات العقارية، بالإضافة إلى كونهم جزء مهم من التجارة الدولية، والاستيراد والتصدير، كما تنشط في كندا الفعاليات والمهرجانات الخاصة برجال الأعمال العرب، والتي يقومون من خلالها بتشبيك العلاقات ما بين بعضهم البعض بشكل أقوى. 

مجالات أخرى 

لم يقتصر إبداع العرب في كندا على ما ذكرناه من مجالات، فهم موجودون بقوة في ميادين التعليم، والقانون، والخدمات، والأعمال الإنشائية والزراعية والصناعية، وتقريباً يمكن القول أن عرب كندا دخلوا جميع أسواق العمل في كندا وأسهموا في نهضتها، وكانت لهم بصمتهم الخالدة فيها، ولا زالت تتوالى مساهماتهم وإبداعاتهم يوماً بعد يوم. 

المراتب الأولى لعرب كندا 

من الطبيعي جداً أن تساهم أي جالية أجنبية أو مكون من مكونات المجتمع في نهضته وقوته، ولم يشذ العرب في كندا عن هذه القاعدة، بل كانوا سباقين إلى المراتب الأولى وليس فقط الإسهام والإنجاز. 

فعلى سبيل المثال، في جائزة أفضل 25 مهاجر في كندا، والتي يدعمها سنوياً  كل من بنك "رويال" وصحيفة تورنتو ستار، كان للعرب مراكز متقدمة في كل سنة، وفيما يلي أسماء العرب الفائزين بهذه الجائزة خلال السنوات الثلاثة الماضية وفق ما أعلن عنه موقع Canadian Immigrant:

في عام 2023

لأول مرة في تاريخ هذه الجائزة تم تصنيف خمسة أشخاص من جنسيات عربية ضمن قائمة أفضل 25 مهاجراً في كندا لعام 2023، وهم: 

1. علي أبوكار ـ الصومال ـ المرتبة الأولى
2. وائل بو عوين ـ اليمن ـ المرتبة الرابعة
3. منة مسعود ـ مصر ـ المرتبة الحادية عشرة
4. حنين نعنع  ـ سورية ـ المرتبة الرابعة عشرة
5. فوزية عويهة ـ المغرب ـ المرتبة السابعة عشرة

في عام 2022

حصل اثنان من العرب على تصنيف ضمن الـ25 الأوائل كأفضل المهاجرين في كندا لعام 2022 وهما: 

1. عمر الغبرة ـ سورية ـ المرتبة الرابعة
2. محمد لاشيمي ـ الجزائر ـ المرتبة السادسة عشرة 

في عام 2021

جاء فقط في المرتبة الرابعة والعشرين السيد حسان وادي ذي الأصول السعودية ضمن قائمة أفضل 25 مهاجر في كندا لعام 2021. 

مقومات نجاح العرب داخل المجتمع الكندي 

بكل تأكيد، فإنّ إسهامات العرب في كندا لم تأتِ من فراغ، ولا بد لهذه النجاحات أن تكون قد ارتكزت على مقومات واضحة وقوية، أدت إلى نجاحهم وتفوقهم وفق الشكل الذي ذكرناه، ومن أهم هذه المقومات: 

تركيز العرب على التحصيل العلمي القوي 

يهتم الكنديون العرب بشكل كبير بالتعليم، ويضعونه في أولوية أهدافهم، حتى تكاد لا ترى عربياً مقيماً في كندا لا يمتلك شهادة علمية، أو يسعى لمتابعة تحصيله العلمي، وغالبيتهم يتابعون الدراسة في الجامعات الكندية. 

يساهم هذا التركيز على تقوية التحصيل العلمي على فتح فرص واسعة أمام العرب في كندا من أجل إبراز مهاراتهم، وصقل خبراتهم، وكذلك توجيه ميولهم العلمية والأدبية بالاتجاه الصحيح والذي فيه المنفعة لهم ولمجتمعهم الجديد في كندا. 

تمتع العرب بأخلاقيات العمل 

جلب المهاجرون العرب معهم إلى كندا أخلاقيات العمل التي امتزجت مع قوانين العمل المريح والآمن في كندا، بالإضافة إلى ضمان حقوقهم وفق القانون الكندي، ما فتح المجال أمامهم للاجتهاد والمثابرة، وتقديم أجود أشكال الإنتاج في عملهم، من التزام وجدّية ومسؤولية. 

أسست هذه الأخلاقيات بمجملها بيئة مشجعة على الإبداع، وحفزت العرب للوصول إلى حياة مهنية مستقرة وناجحة في كندا، وأثمرت عن إسهامات كثيرة ومتميزة. 

الاستجابة العربية السريعة للتأقلم الثقافي مع المجتمع الكندي 

إنّ المجتمعات العربية تمتاز بقدرتها الفائقة على التأقلم مع الثقافات الجديدة، فالعرب لا يمتازون بالانغلاق على أنفسهم، وهذه الميزة ساهمت بشكل كبير في الحصول على فرص مميزة للعرب في كندا، من خلال سرعة احتضانهم للثقافة الكندية، ومرونة التبادل الثقافي والمعرفي بين الثقافتين الكندية والعربية. 

امتلاك الشباب العربي روح المبادرة 

يمتاز الشباب العربي بأنه عملي وجدّي، وغير تقليدي، يحب المبادرة، ويقدم الحلول دائماً، ويسعى لتطوير ذاته، وتطوير محيطه، ولا يستسلم للظروف والمجريات الطبيعية، إنما يسعى دائماً للتغيير، ويتطلع بشكل مستمر نحو الأفضل، وهذه المزايا بمجملها تعتبر من المقومات المهمة للإبداع والإسهام الإيجابي الذي يقدمه العرب في كندا. 

نشوء شبكات مجتمعية قوية للعرب داخل كندا 

على الرغم من الاندماج الذي أبداه العرب داخل المجتمع الكندي ولكنهم لم ينسوا تأطير علاقاتهم المجتمعية فيما بينهم، وخاصة أنّ التنوع الثقافي في كندا ساهم في تشجيع كل مكون من مكونات هذا البلد على تقوية الروابط الاجتماعية فيما بين أفراده، من خلال المؤتمرات والاحتفالات، والمعارض، والتجمعات، والمنظمات، وغيرها من أشكال الربط المجتمعي السائدة. 

امتلاك العرب في كندا ميزة تعدد اللغات 

استثمر العرب ميزة امتلاكهم للغة العربية كلغة أم، إلى جانب تعلمهم لغة واحدة على الأقل من اللغات الرسمية في كندا، في مجال تطوير أنفسهم، وتحقيق تقدم كبير في مجالات عديدة، مثل خدمات الترجمة، والخدمات القانونية، وكذلك المشاريع الواعدة كالمطاعم، والمقاهي، وغيرها. 

تشجيع المجتمع الكندي وقوانينه للإبداع وتقدير المتميزين

لا شكّ أنّ البذور لا تنمو إلا في تربة صالحة للنمو، وهذا هو الدور المحور الذي لعبته كندا كبيئة حاضنة للإبداع، ومشجعة له، وراعية للتميّز، حيث وفر المجتمع الكندي القاعدة المحفزة لإبداع العرب، وقدّرت المؤسسات الكندية المختلفة إنجازات العرب، وتكلم عنها الإعلام الكندي بشغف واهتمام. 

رغبة العرب بتعويض التهميش الذي عانوه في بلدانهم الأصلية 

كثير من إسهامات العرب في كندا كانت من باب التعويض عن التهميش الذي عانوا منه في بعض البلدان التي قدموا منها، وخاصة في مجال السياسة والعمل في البرلمان والانتماء الحزبي والسياسي، ورئاسة المقاطعات والبلديات، وغيرها من مجالات العمل التي كانت حكراً على فئات معينة في بلداننا الأم، بينما وجدناها في كندا متاحة امام جميع أفراد الشعب، بما في ذلك العرب بطبيعة الحال. 

يمكنك الاطلاع أيضاً على مقال: 

اللغة العربية وتحديات الحفاظ على الهوية والتراث