يأتي هذا العدد من صحيفتنا عرب كندا ليؤكد على أن الأهداف إن توفرت لها بيئة صحية يمكن تحقيقها، ومن يهيئ هذه البيئة المناسبة هو صاحب الهدف نفسه، فهو من يخطط وهو من ينفذ وهو من يذلل الصعاب ويتحدى المعوقات من أجل الوصول إلى هدفه..المهم أن يكون الشخص مؤمناً بفكرته ولديه القدرة على التعايش مع التحديات والتعامل معها بحكمة.
أكتب كلماتي هذه وأنا أستحضر بداياتي مع صحيفة عرب كندا والتي بدأت مع العدد الثامن..عندما وقعت عيني على الصحيفة عند مدخل أحد المحلات، لفت نظري اختلافها عما تعودت عليه من صحف من حيث الشكل والمضمون، فتواصلت معهم وقدمت لهم نفسي ككاتبة مقال ولي إصدارات أدبية..وكانت البداية عندما صافحت قراء الصحيفة بمقالي الأول " المواطنين الجدد وثقافة الاندماج في المجتمع الكندي".
كان هاجسي أن تختفي الصحيفة كما اختفت صحف عربية أخرى، لكن ما لبث أن تبدد هذا الهاجس بعد صدور عدة أعداد من الصحيفة، بالتأكيد كان وراء هذا الصمود الكثير من الجهد والرغبة الحقيقية في النجاح والبقاء من قبل مؤسس الصحيفة ورئيس تحريرها المهندس زهير الشاعر.
أردنا كفريق عمل للصحيفة أن تكون جسراً نعبر به إلى قلوب أبناء جاليتنا الكرام ، وأردنا لها أن تكون جسراً للتواصل بين أبناء الجالية من خلال تسليط الضوء على المتميزين منهم كي يكونوا حافزاً للبقية وذلك من خلال صفحة عين على الجالية .
بلا شك أن تجربة الكتابة في صحيفة ومخاطبة القراء ليس بالمهمة السهلة خاصة في بلاد المهجر، فكاتب المقال مطالب بأن يلامس بكلماته الحقيقة وأن يطرح ما يهم الناس بموضوعية ومصداقية، وهناك العديد من المواضيع التي تهم القارئ العربي وحرصت شخصياً على طرحها من خلال نافذة " وجهة نظر" ، وكان التفاعل مع معظم المقالات إيجابي جداً عبر ما يصلني من خلال البريد الألكتروني أو من خلال النقاشات الواقعية مع القراء وهذا كان حافزاً لي كي أطور من أدائي وأن أبحث أكثر عما يهم جاليتنا الكريمة..
نعلم بأن شريحة القراء محدودة وهي الفئة العمرية التي تقرأ اللغة العربية، أما الشباب ممن تربوا في المهجر فهم يميلون عادة لقراءة المطبوعات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية..لكن وجود صحيفة بالعربية إلى جانب الصحف الإثنية الأخرى شيئ مهم لأنه يبقي اللغة العربية حية بجانب اللغات الأخرى في بلد متعدد الثقافات والأعراق، بالإضافة إلى أن وجود مطبوعات باللغة العربية قد يحفزأبناء الجالية على تصفح الصحيفة وتعلم اللغة.
من الأشياء التي لفتت نظري إثناء مسيرة الكتابة في صحيفة عرب كندا هو أن هناك فئة من الناس تتعامل مع الحياة بسلبية غريبة، أحدهم قال لي ما فائدة أن تكتبي لناس لا تقرأ لأن أبناء الجالية منشغلون بلقمة العيش، وكأن القراءة شيئ ترفي، وكان ردي انه لو قرأ الصحيفة 10% من أبناء الجالية أعتبر هذا نجاحاً، ولو بقيت هذه الصحيفة على قيد الطباعة لأعداد قادمة فنحن قد نجحنا في الصمود والتواجد.
إحدى المتابعات للصحيفة وهي شخصية مهمة ومهتمة بالمهاجرين قامت بترجمة عدة مقالات لي خاصة تلك التي تحمل رسائل للمهاجرين الجدد حتى تتعرف على طبيعة الخطاب الذي نوجهه لقراءنا، وقد أثنت على الرسائل الإيجابية وعرضت أن تكون ضيفة في أي لقاء تقيمه الصحيفة لتكون متحدثة تقدم لنا خبراتها في هذا المجال رغم مشاغلها وضيق وقتها.
أشعر بالامتنان والرضا عندما يبادرني أحدهم في أي مكان بعرض فكرة أو مشكلة يعاني منها المجتمع العربي في المهجر ويطالب بأن نطرحها في مقال، بالإضافة للمقترحات التي تصلنا عبر البريد الألكتروني من شخصيات مثقفة مهتمة بشأن الجالية..هذا يؤكد على أن هناك الكثير من المتابعين الذين يقرأون ما نكتب، وهذا كافٍ كي نستمر ونطور من أنفسنا.
وجود صحف الجاليات في مجتمع متعدد الثقافات كالمجتمع الكندي أمر مهم جداً حتى لو لم تكن الصحف يومية كما تعودنا في بلداننا لأن مهمة الصحف هنا أن تكون مرآة تعكس أنشطة هذه المجموعات الإثنية كي تثبت وجودها كمكون من مكونات المجتمع، ولذلك كانت صحيفة عرب كندا المرآة التي تعكس أنشطة الجالية العربية ، كالأنشطة التجارية عن طريق الإعلانات لأعمالهم، أيضاً إبراز إنجازات المتميزين من أبناء الجالية ممن لديهم مبادرات أو من أصحاب المشاريع وذلك من خلال نافذة عين على الجالية..
صحيفتنا هي صحيفة اجتماعية تقدم المقال الاجتماعي والتقرير الصحفي واللقاءات والمواضيع التي تهم المواطن العربي في المهجر بالإضافة للإضاءات الأسرية والنصائح الخاصة بالأمور المالية والعقارية، ولا نغفل الجانب الأدبي الذي يساهم فيه عدة كتاب من داخل كندا وخارجها، وأيضاً هناك صفحة لوصفات من المطبخ العربي، ورغم انها غير سياسية وليس لها أي توجه آخر إلا ان لها دور مهم لإثراء الوعي الجمعي لدى أبناء الجالية فيما يتعلق بالانتخابات وأهمية التصويت كواجب وطني، لهذا تعمل صحيفتنا على أن تكون منصة محايدة يتعرف من خلالها أبناء الجالية على البرامج الانتخابية للمرشحين من كافة الأحزاب وذلك من خلال عمل لقاءات معهم، كما حرصت الصحيفة على عمل لقاءات خاصة مع كبار المسؤولين للاطلاع على الكثير من النشاطات التي تهم المجتمع بما فيهم الجالية العربية، ولقاءات أخرى مع سفراء من الدول العربية لتعريف مواطنيهم المقيمين على الأراضي الكندية بالمستجدات في الوطن الأم.
هذه هي صحيفتنا التي نفخر بها اليوم في عددها الخمسين وهي تسير بثبات وثقة جنباً إلى جنب مع الموقع الألكتروني المتميز " عرب كندا نيوز" حيث يمكن قراءتها الكترونيا عبر الموقع من أي مكان في العالم..
تجربة صحيفة عرب كندا تأخذني إلى لب هذا المقال، وهو أن النجاح والصمود قرار، وأن الفشل والتراجع أيضاً قرار، ومن يصنع هذا القرار هو الإنسان نفسه..كل منا يبحث عن النجاح، والنجاح يعني أن نسعى لتحقيق أحلامنا واقعياً وذلك بعد أن نصيغها كأهداف ونخطط لتحقيقها في إطار زمني مناسب، النجاح يعني إصرار وصمود أمام كل العراقيل، وكي ننجح يجب أن تكون رغبتنا في النجاح أكبر من خوفنا من الفشل.
من أهم العوامل التي تساعد المرء على النجاح في تحقيق أحلامه هو الطموح، لأنه الطاقة الروحية التي نستمد منها القوة والتحمل في رحلة النجاح وهو الوقود الذي يضخ فينا روح الإصرار على مواصلة الطريق إثر كل عثرة..
من أساسيات النجاح أيضاً عدم الالتفات لرسائل المٌحبطين من البشر الذين لا يجيدون إلا تكسير المجاديف والهدم المعنوي، لذلك من يرغب في النجاح عليه أن يخرج من دائرة معارفه هذا النمط من البشر وأن يحيط نفسه بأشخاص يتمتعون بالإيجابية والتفاؤل ليدعموه معنوياً ويضيئوا له الجوانب المعتمة في رحلة الحياة.
كي ننجح نحتاج للصفاء الذهني والنفسي الذي يهيئ لنا حالة من السلام الداخلي تجعلنا قادرين على التفكير الصحيح للوصول لنتائج إيجابية في وقت قياسي وهذا يتحقق من خلال تصالحنا مع محيطنا ومع أنفسنا وتعايشنا مع الظروف والمتغيرات والمفاجآت غير المتوقعة..
كي ننجح نحتاج إلى الثقة بالنفس والثقة بالقدرات والمهارات التي نملكها، لأن الثقة تٌخرج الطاقات الكامنة التي نملكها، ولتعزيز الثقة بالنفس علينا أن نعززها بتطوير ذواتنا بكل الطرق المتاحة خاصة ونحن في كندا التي تفتح كل الأبواب لمن يريد أن يطور من نفسه.
كي ننجح نحتاج للابتكار وتطبيق أفكارجديدة تجعلنا متميزين، وقد لفت نظري في أحد الإعلانات هذه الجملة " لسنا الوحيدين لكننا الأفضل" ، فالفضاء رحب ويتسع لكل التجارب لكن المتميزين فقط هم من يصلون للقمة.
كي ننجح علينا أن نتحدى ألم الفشل والخسائر والمعاناة بالإرادة القوية التي تمكنا من الخروج من أي مأزق بأقل الخسائر عن طريق إيجاد بدائل وحلول للعقبات والتحديات التي تواجهنا فبدون الألم لن يتحقق الربح (No pain no gain)..قد يكلفنا النجاح الكثير من الجهد والوقت والمال لكن قطاف النتائج وتحقيق ما نطمح اليه يستحق هذه التضحيات.
وأختتم مقالي بهذا المقطع للإمام الشافعي رضي الله عنه:
بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال
دمتم بخير..
سلوى حماد