كان سيره بطيئا حين خرج من بوابة المستشفى نحو سيارتي التي كانت واقفة في موقف سيارات الأجرة ، تبدو عليه آثار التعب والأرهاق ، سألني أن أذهب به إلى شارع (شيربروك) بعد أن جلس على المقعد الأمامي واضعا عكازه الخشبي إلى جواره . أجابني عندما سألته عن سبب وجوده في المستشفى :
-لقد أجريت بعض الفحوصات الطبية ، أنا أعاني من مرض السكري منذ أعوام ، بسببه تم قطع ساقي اليمنى ، احمد الرب انني لازلت حيا ، كان ولدي هو الذي يأخذني ويعود بي إلى داري لكنه حزين ومكتئب منذ أن طلق زوجته قبل خمسة أيام لذلك لم أكلفه عناء نقلي إلى المستشفى ، قلي يابني من أي بلد أنت ؟
- من العراق .
- بلد جميل وأهله كرماء .
- شكرا لك ،هل لديك أحفاد ؟
- نعم ، ثلاثة إنهم أبناء ولدي الوحيد لكنه يعيش حياة تعيسة هذه الأيام .
- بسبب الطلاق أليس كذلك ؟
- ياألهي ! هل تعرف ولدي كيف علمت بذلك ؟
- كلا ، لكنك قلت لي ذلك قبل قليل .
- أوه ، عفوا بني ، قل لي إلى أين نحن ذاهبون ؟
-ألم تقل لي إلى البناية رقم ثلاث مائة (شيربروك ).
- اسف جدا يابني أنها مضاعفات المرض الذي عانيت منه كثيرا هل تعرف مالذي حدث لساقي اليمنى ؟
- تم قطعها جراء المرض .
- أوه هذا يعني أنني قلت ذلك ، لكن قطع قدمي لم يمنعني من ممارسة الركض والسباحة فأنا أحب الرياضة كثيرا ، ماهي الرياضة المفضلة عندكم في أفغانستان ؟
- قلت لك أنني من العراق ؟
- حسنا ، دعنا نتوقف عن الحديث إذن ، قل لي كم سيكون ثمن الأجرة هل عشرون دولارا كافية ؟
- أكثر من كافية سيدي .
كان حزينا كئيبا طيلة الطريق بعد أن أدرك أن الذاكرة لم تعد تحالفه كثيرا وصلنا إلى البناية التي يسكنها كبار السن ، أوقفتُ عداد الأجرة قائلا :
- سبعة عشر دولارا رجاء ؟
- لقد أعطيتك عشرين دولارا أحتفط بالباقي .
- عفوا سيدي لم تعطني شيئا تأكد أرجوك .
- أنا متأكد جدا وذاكرتي لم تخني ابدا لقد أعطيتك عشرين دولارا .
- تأكد أرجوك وابحث جيدا ربما ستجدها في أحد جيوبك .
- أنت من يجب عليه أن يتأكد لقد أعطيتك عشرين دولارا .
شعرت بخجل شديد عندما وجدت العشرين دولارا بقبضة يدي اليمنى ، ربما لأنني كنت مشغولا بالقيادة وأنا أستلمها منه فقد تعودت استلام أجرتي عندما أتوقف تماما ، خاطبني بعد أن اعتذرت منه قائلا :
- أسف يابني انا شخص كثير النسيان أنسى أسماء بعض الأصدقاء واسماء الشوارع وحكايات أقولها ولا أتذكرها لكنني لا أنسى أبدا أمانة أو دين أو مال لأحد في عهدتي ، قد يؤثر المرض على ذاكرة العقل لكن لن ينال من ذاكرة الضمير ، شكرا لك يابني أنتم الأفغان شعب طيب حقا