مراحل التربية متعددة ولكل منها تحدياتها لكن تظل مرحلة المراهقة المرحلة الأكثر حساسية بالنسبة للأباء والأبناء على حد السواء ، فهي مرحلة انتقالية ما بين الطفولة والنضج وفيها تحدث تغيرات كثيرة ومتسارعة.
بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية لمرحلة المراهقة يمكن حصرها ما بين سن العاشرة والتاسعة عشر ، هناك من تكون مراهقته مبكرة وهناك من يبدأ متأخراً وغالباً ما تبدأ سن المراهقة بعد سن البلوغ وعندها تبدأ مرحلة التغيرات والنمو جسمانياً وعقلياً وهرمونياً .
هذه التغيرات تحدث بعض المشاكل لدى الأبناء المراهقين ولكن تتفاوت درجتها من شخص لآخر حسب البيئة وطبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة وطبيعة التعاملات في المجتمع ككل..
ما يميز هذه المرحلة هو رغبة المراهق/المراهقة في الاستقلال بالرأي والتمرد على الأباء، ولذلك يصبح السلوك الأكثر شيوعاً هو العناد ومحاولة التخلص من الرقابة الأبوية التي يعتبرونها عائقاً أمام رغباتهم ، وتختلف السلوكيات حسب الجندر، فالفتيات المراهقات أكثر حساسية عن الفتية ويحتجن إلى معاملة خاصة جداً وغالباً ما تكون الأم هي الأقرب لها في هذه المرحلة.
في سن المراهقة تكون الحالة المزاجية للمراهقين متأرجحة، فالمراهق يريد أن يستقل تماماً لإحساسه بأنه قد كبر ولكن هذا غير ممكناً بسبب عدم قدرته على اتخاذ هذه الخطوة وهو على مقاعد الدراسة كما انه يشعر بحاجته لأهله وبنفس الوقت لا يريدهم أن يتعاملوا معه على اعتبار انه طفل...لهذا نرى المراهق انفعالياً وعصبياً في تفاعله مع المقربين له ويمكن أن نرى نتيجة لهذا التذبذب حالة من العزلة والانطواء، وعلى الأباء استيعاب هذا التغيير بكثير من الصبر والحنان، كل ما يريده المراهق في هذه المرحلة هو الشعور بالأمان والإحساس بأن هناك من يقف بجانبه.
وبسبب التغيرات الفسيولوجية تتغير سلوكيات المراهقين سلباً، فالفتى عندما تنبت شواربه ولحيته يشعر بأنه قد أصبح رجلاً مكتمل النضج وله الحق في التصرف بحرية ولذلك يصطدم بوالديه عندما يصران على التعامل معه على إنه مازال صغيراً..
والفتاة المراهقة عندما تتغير تضاريس جسدها يصبح جٌل تفكيرها منصباً على إظهار مفاتنها وتقليد المشاهيرولذلك بتنا نرى فتيات صغيرات يضعن مساحيق التجميل ويلبسن أزياء لا تليق بهن وعندما يبدي إحد الوالدين أي نقد تشعر بالغضب والتمرد.
قد يكون التغير الفسيولوجي سبباً في اكتئاب المراهق من كلا الجنسين في حال السمنة أو الطول الزائد ، أو أي مشكلة ظاهرية طارئة كحب الشباب على سبيل المثال .
مشكلة الأهالي في هذه المرحلة تتركز في صراع الأجيال، فما يراه المراهق مهماً من وجهة نظره قد يراه الأهل غير مفيداً ومضيعة للوقت، لذلك قد تنشأ مشكلة بين المراهق وأهله لو قرر الخروج مع اصدقائه في رحلة ويرى الأهل أن هذا قد يؤثر على الدراسة، قد يختلف الأهل مع أبنائهم المراهقين على طريقة استخدام الانترنت ويحاولون تقنين الوقت ويرى المراهق بأن من حقه تقسيم وقته حسبما يناسبه هو وانه أدرى بما تحتاجه الدراسة من وقت..قد تقرر البنت المراهقة مرافقة صديقاتها في حفل ما أو نزهة ونظراً لخوف والديها عليها لا يسمحان لها بالخروج بمفردها وبعيداً عن مراقبتهما فيرفضان وتشعر بالإحباط وبأنها أقل من صديقاتها الاخريات..هناك العديد من المشاكل تجعل المراهقين يرون بأن الحل هو التحرر من سلطة الأهل والاستقلالية بعيداً عنهما حتى يتسنى لهم فعل ما يريدون.
كي تمر هذه المرحلة بسلام على الأباء أن يتفهموا هذه المرحلة وما بها من متغيرات وأن يستوعبوا حالة أبنائهم النفسية ويحاولوا أن يكونوا عوناً لهم، وأن يركزوا على إيجابيات أبنائهم حتى يحفزوهم على تكرار هذه الإيجابيات.
في مرحلة المراهقة ينجذب الأبناء إلى دائرة الأصدقاء ويتأثرون بهم وكما يقول المثل " الصاحب ساحب" فالصديق الجيد يسحب صديقه للأفعال الجيدة، والصديق السيئ يسحب صديقه للأفعال المشينة، لذلك على الأباء الاقتراب من أصدقاء أبنائهم والتعرف عليهم وعلى طريقة تفكيرهم ..
إحساس الإبناء المراهقين بأنهم كبروا يجعلهم يناقشون دائماً بحدية وعناد لإثبات وجهة نظرهم حتى لو كانت خاطئة على نظام " خالف تٌعرف" ومن اللباقة أن يتعامل الأباء بهدوء خلال النقاش وإشعار الأبناء بأن لهم الحق في طرح أرائهم بحرية ومناقشتها مع الأخرين، وبالمقابل عليهم الاستماع لوجهة نظرهم واحترامها أيضاً.
من أنجح وسائل كسب المراهقين وتخفيف حالة العناد عندهم هو تحميلهم بعض المسؤوليات لأن هذا يشعرهم بأن لهم قيمة ودور ويشعرهم باحترام ذاتهم ويعلمهم الاعتماد على النفس.
في ظل انفتاح كبير على الانترنت، أصبح من الصعب مراقبة كم المعلومات التي يتلقاها المراهق من خلال الأجهزة الذكية داخل البيت أو خارجه، لذلك أصبحت المسؤولية على الأباء كبيرة ومرهقة لكن يمكن التوصل لاتفاق على تحديد فترات معينة لاستخدام الانترنت ومن خلال برامج معينة يمكن غلق بعض المواقع الضارة كالمواقع الإباحية.
من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها الأباء مع أبنائهم في مرحلة المراهقة هي مقارنتهم بأخرين، أو توجيه اللوم لهم ومواجهتهم بأخطائهم أمام الأخرين، أو التعامل معهم باحتقاركاستخدام اسلوب الصراخ والشتائم والتهديد على العلن، هذا بلا شك يدمر ثقة المراهق في نفسه ويشعره بحالة من السخط على الأهل والرغبة في الابتعاد عنهم.
أتفهم خوف الأباء على أبنائهم ومحاولة معرفة كل صغيرة وكبيرة تخصهم، لكن المراهقون يحتاجون لمساحة من الخصوصية، ولذلك لا أحبذ فكرة القفز على خصوصية الأبناء ومحاولة التجسس عليهم، بل يجب بناء الثقة بينهم وبين أبنائهم وتعليمهم أهمية الخصوصية والحفاظ عليها في تعاملاتهم مع الأخرين .
الاقتراب من الأبناء بطريقة لبقة والانفتاح على أسئلتهم والاهتمام بتفاصيل معتادهم اليومي شيئ مهم لأنه يعودهم على عدم اخفاء شيئ عن الأهل..ذكروا أبنائكم دائماً بأنكم على استعداد للاستماع لهم إذا رغبوا في الحديث.
لعل من أكثر المواضيع حساسية هو مناقشة بعض التغيرات الجسدية مع الأبناء، فبسبب تزايد النشاط الجنسي وازدياد رغبة المراهقين في اكتشاف هذا الجانب الخفي والذي يعتبر الحديث فيه من التابوهات يلجأ المراهق لممارسة العادة السرية والتي قد يتسبب الإفراط فيها بأعراض خطيرة، لهذا يتوجب على الأباء استخدام لغة واضحة لشرح هذه التغيرات وتأثيرات بعض السلوكيات السلبية المصاحبة لها.
من أخطر التحديات هنا في المهجر هي رغبة الأبناء في التمرد على الأسرة وتأثرهم بما حولهم من تجاذبات بحكم تعدد العرقيات واختلاف العادات، وبات الأباء يواجهون مشكلة تحديد الهوية الجنسية مع الأبناء، بالإضافة إلى سهولة ممارسة بعض الأعمال الجنسية في أعمار صغيرة، وانجرار البعض لتجربة المخدرات والكحول، كل هذا يحتاج إلى حكمة في الطرح ووضوح في الشرح وترسيخ النزعة الدينية لدى الأبناء والتأكيد دائماً على أن لكل مجتمع عاداته ولكل ديانة متطلباتها ، ليس بالضرورة تقليد الآخر المختلف، لكن علينا احترام الاختلافات بين البشر.
إحدى السيدات طرحت مشكلتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت في حالة يرثى لها، فقد تركت ابنتها التي لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها بيت العائلة الملتزم لتقيم في بيت مع مجموعة من الأصدقاء لأنها تريد الاستقلال بحياتها..سيدة أخرى اكتشفت بأن ابنتها أصبحت تمارس السرقة من أجل شراء مستحضرات تجميل واكسسوارات وهي في عمر الثالثة عشر..
أحد الأباء لاحظ تراجع تحصيل ابنه العلمي بعد أن كان متفوقاً في المراحل الأولى وعندما بحث في الأمر اكتشف بأن ابنه يتعاطى المخدرات وبسبب المخدرات تم استغلاله جنسياً.
أيضاً الكذب من ضمن سلبيات مرحلة المراهقة ويلجأ لها المراهق لإخفاء تصرف خاطئ يخجل منه، أو من أجل تشويه صورة شخص ما، أو خوفاً من العقاب من والديه..أحد الفتيات أخبرت والديها بأنها لا ترغب في أخذ المزيد من الدروس الخصوصية مع مدرسها لأنه يتحرش به، وأنها ترغب في أخذ دروس مع صديقاتها وعندما تحقق الأهل من الموضوع اتضح بأنها تكذب عليهم من أجل التحجج بالدرس الجماعي للخروج مع صديقاتها.
الفراغ يلعب دوراً مهماً في مسار سلوكيات المراهق، فالفراغ يوجه المراهق للتفكير الخاطئ وتجربة الأشياء الضارة، ولذلك من الحكمة إشغاله بأشياء مفيدة، كممارسة الرياضة، أو تنمية بعض المواهب كالرسم، الموسيقى، الأعمال اليدوية المفيدة..
أيضاً المناخ الأسري مهم جداً في التخفيف من مشاكل هذه المرحلة، فالمشاحنات المتكررة بين أفراد الأسرة، وغياب الأب عن البيت لفترات طويلة وانشغال الأم بعملها أو صديقاتها يزيد من فرص وقوع المراهق في مشاكل ولهذا نرى بأن العدد الأكبر من مدمني المخدرات هم من عائلات غير مستقرة.
من أخطر المشاكل التي يواجهها المراهق في المدرسة هي ظاهرة التنمر اللفظي أو الجسدي، وانتقلت أيضاً للمجال الألكتروني، وهو يؤثر تأثيرأً خطيراً على نفسية المراهق لأنه يهدد أمنهم الجسدي والنفسي، ونتائجه أما أن يصبح المراهق عدوانياً وشرساً في تعامله مع الآخرين أو يصبح إنطوائياً ويعتزل الحياة الاجتماعية وغالباً ما يحدث هذا مع الفتيات وكلا الحالتين يجب معالجتهما بجهود مشتركة ما بين الأسرة والمدرسة والمجتمع.
أعتقد بأن على الأباء التحضير لمرحلة المراهقة قبل موعدها، وذلك عن طريق بناء علاقة صحية مع الأبناء، وأن تكون العلاقة مبنية على الشفافية والاحترام، على الأباء الاهتمام بتفاصيل ابنائهم مهما كانت صغيرة وتافهة من وجهة نظرهم، يجب مشاركتهم هواياتهم، وبناء علاقات طيبة مع أهالي أصدقائهم ، وأن يكون الأهالي قدوة حسنة فلا ينهوا عن شيئ ويأتوا بمثله..كيف لأب أو أم يقضيان جل وقتهم على هواتفهم أن يمنعوا أبنائهم من استخدام الهاتف لأوقات طويلة؟!
أتمنى لكل الأباء أن يمر أبنائهم بمرحلة مراهقة خالية من المشاكل...حفظ الله الجميع..
سلوى حماد