بقلم / أمير فنور
قد لا يختلف شخصان حول فكرة أن الإدمان – بكل أصنافه – صار أحد أمراض عصرنا الحالي، ولا ريب في أن الحديث عنهبشكله العام، غالبا ما يُحيلنا على التفكير مباشرة في المواد المخدِّرة، الأدوية، التّبغ و المشروبات الكحولية، التي تُهيمن على رأس تصنيفات الإدمان، الذي يبقى في تعريفه الأكثر بساطة هو: الحاجة النفسية و البدنية الملِحَّة لتكرار استهلاك مادة لها آثار نفسية و عضوية خفيفة، متوسِّطة أو عميقة على الشخص المتعاطي لها.
في هذا السياق، غالبا ما نركز على ظاهرة الإدمان بوصفها أزمة تجب مواجهتها بكل السُّبل المتاحة، دون أن ننتبه إلى كون الإدمان ما هو إلا نتيجة أو مُخرَج أو مآل لطريق سلكه الشخص الذي يعاني هذا الاضطراب، بما أنَّ الإدمان – و في الغالب الأعم – لا يبدأ كاضطراب كامل الأعراض، بل يتطوّر بشكل تراكمي يختلف من شخص لآخر وفقا لمبدأ الاستعدادات الفرديةو الظروف المُحيطة، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يواجهون ظروفا صِحية أو نفسية خاصة، كالأرق، الاكتئاب، القلق و بعض الأمراض العضوية المُستعصية، حيث تُحتّم عليهم هذه الاضطرابات الخضوع لعلاجات دوائية مستمِرَّة ذات آثار واضحة على المراكز الخاصة بالوظائف النفسية في الجهاز العصبي المركزي، و هو ما قد يُشكّل على العموم بداية التعلق بتلك الأدويةأو العقاقير بمستويات مختلفة، و يكون ممهِّدا لما يُسمى: اضطراب تعاطي الأدوية أو العقاقير، المعروف اختصارا بـ SUD ( Substance Use Disorder )، و هو اضطراب قلَّما يأخذ نصيبه من الملاحظة، الاهتمام أو حتى البحث في مقابل الإدمان، بالرغم من أنه غالبا ما يكون بداية الطريق نحو مشاكل المُعاقرةلدى فئات واسعة من المرضى ( خاصة في حالات العلاج الذاتي البعيد عن الاستشارة الطبية المُتخصِّصة )، فما هو هذا الاضطراب ؟، ما هي الاضطرابات النفسية المُغذية له و المتفاعلة معه، و كيف يُمكن كبح احتمال حدوثه ؟.
يُعرِّف المعهد الوطني للصحة العقلية ( NIH ) في الولايات المتحدة اضطراب تعاطي الأدوية أو العقاقير بأنه اضطراب يؤثر على دماغ الشخص و سلوكه، مما يؤدي إلى عدم قدرته على التحكم في استخدام مواد مثل العقاقير المشروعة أو غير المشروعة أو الكحول أو الأدوية، إذ تتدرَّج أعراض هذا العجز من معتدلة إلى شديدة، حيث يكون الإدمان أشد أشكال هذا الاضطراب.
فأغلب الأشخاص الذين يكونون عرضة لهذا الاضطراب هم الأشخاص الذين ُيحاولون مواجهة أزمات نفسية و انفعالية عابرة أو مزمنة، باللجوء إلى مُضادات الاكتئاب و الأدوية المهدّئة أو المشروبات الروحية و غيرها، فالإحصائيات في هذا المِضمار تُشير إلى أن نصف الحالات التي واجهت أو تواجه اضطراب تعاطي الأدوية أو العقاقير هي الحالات التي تعاني أشكال الاكتئاب المُختلفة، القلق بأنواعه، اضطرابات الشِّدة ما بعد الصَّدمة ( أو ما يُعرف بالـ PTSD ) و غيرها من الاضطرابات العقلية، إضافة إلى بعض الأمراض ذات الطبيعة العُضوية كاضطرابات الآلام المزمنة و السَّرطانات، التي لا يجد مرضاها مهربا من آلامهم البدنية الكبيرة إلا باللجوء إلى تلك العقاقير و المواد المخدِّرة.
كما أن اضطراب تعاطي الأدوية قد يظهر لدى بعض الأفراد قيد المتابعة الدوائية لدى طبيب مختص، حيث يتأثر سلوك المريض تجاه الأدوية الموصوفة له في مواجهة اضطرابه، و قدينزع – بسبب تأثّر قدراته الذهنية في التقييم الذاتي تحت تأثير الدواء – إلى التغيير التدريجي في الجُرعات المُحدَّدة له دون الأخذ بآراء الطبيب المُعالِج، أو حتى أنه قد يلجأ في حالات شاذَّة إلى إضافة أدوية أو مواد أخرى إليها ( كالكحول مثلا )،ظنا منه أن الأعراض التي يشكو منها لا تزال على حالها، أو أن العقار / الدواء لا يؤدي مهمته بالشكل المُتوَقَّع.
الكثير من هذه الحالات قد تشكل تحدِّيا حقيقيا للمعالجين أو الأطباء في تتبُّع مسار علاج أعراض مرضاهم و فهمه بالشكل الصحيح، إذ أن الكثير من المرضى ينزلقون تدريجيا نحو الإدمان دون ملاحظة أي طرف لذلك ( سواء الطبيب، المريض و أسرة المريض ) إلا بعد ظهور أعراض الإدمان الاكلينيكية الأساسية.
نلاحظ إذا أن فقدان المريض السيطرة و التحكم في دوائه قد يخرج بالمسار العلاجي ككل عن الأهداف المُسطرة له، و يجعل منه عامِلا مغذِّيا للاضطراب قيد العلاج و العكس صحيح، حيث يُساهم الاضطراب في مزيد من الانزلاق نحو إدمان العقار الموصوف و هكذا دواليك.
في المحصِّلة، نرى أن التفكير في أخذ الأدوية أو العقاقير النفسية لمواجهة الضغوط و المشاكل دون الأخذ برأي طبيب مختص قد يكون عاملا ممهِّدا لاضطراب تعاطي الأدوية، ناهيك عن الانزلاق غير المحسوب تجاه الإدمان عليها، كما أن عدم التقيُّد بتعليمات الطبيب المُعالج فيما يخص المُداواة الكيميائية الموصوفة قد يؤدِّي هو الآخر إلى نفس النتائج الخطيرة.
هنا تبرز ضرورة وعي المريض التام بحالته العقلية و النفسية، إضافة إلى إدراكه لكل الآثار النفسية و العضوية – المباشرة و الجانبية – للعقار قيد الأخذ، و ضرورة تقيُّده بالبرنامج العلاجي المرسوم له من طرف المشرف على رعايته الصِّحية ( سواء كان مختص نفساني، معالِج، طبيب أعصاب...الخ )، كما أن دور الأقارب يكون في هذه الحالة حاسما في مساعدة المريض و المشرف الصِّحي على حد سواء في تتبع العلاج و مراقبة تغير الأعراض باستمرار، من أجل تحكم أفضل في جرعات الدواء أو العقار، فالخط الفاصل بين اضطراب تعاطي الأدوية و الإدمان عليها قد يكون رفيعا و خفيا، لكنه حاسم و يستدعي يقظة و وعي المريض و محيطه الاجتماعي و العلاجي.