بقلم/ ماجد الحجامي
كانت أمام بوابة منزلها تنتظر قدومي في ذلك البرد القارص معابنتها الصغيرة عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل . جمعت حقائبها التي كانت متناثرة فوق كتل الجليد وألقت بهن في صندوق سيارتي بعجالة لتجلس إلى جوار ابنتها وهي تتلفت يميناً وشمالاً بخوف وترقب وقلق . قالت بصوت متقطع لا يخلو من البكاء :
-إلى مركز رعاية المرأة الشمالي بسرعة رجاءً .
- إطمئني سنكون هناك بأقصر وقت ممكن , هل أنت على مايرام ؟
- سيكون زوجي هنا في أية لحظة , قد جاء إلي مهدداً . إذا وجدني سيقوم بضربي وجلدي بكل ماأوتي من قوة .
- ياإلهي ! هل فعلت مايغضبه ؟
- بل هو من فعل مايغضبني فأصبحت مدانةً بسبب غضبي من خيانته لي , لقد علمتُ أنه كان في ليلة غرامية مع إحداهن وليس مع أصحابه كما قال لي قبل مغادرته , أبلغتني بذلك صديقتي هي زوجة أحد اصحابه , حدثتُهُ خلال هاتفه وأبلغته عن المكان الذي هو فيه , إرتعد غضباً وصرخ قائلا : هل بلغت بك الجرأة تتبعي خطواتي أيتها الحقيرة , أنا قادم لأبرحك ضربا لم يعهد جسدك من قبل .
- يمكنك اللجوء إلى القانون .
- أنت لاتعرفه جيداً حتى القانون لايمكنه حمايتي من شر أفعاله , لديه أتباع في كل مكان في المدينة يصعب الأختباء عنهم .
كانت ابنتها ذات الأعوام الأربع تنظر إليها بوجه حزين والدموع تتساقط من عينيها المحمرتين من قلة النوم ، كانت أسنانها تصطك من شدة البرد وهي واضعة يديها بين فخذيها .
طلبتْ مني أمها أن أسرع في السير لأنها تظن أن زوجها يعرف جيدا أنها ستقصد ذلك المكان عندما يجد المنزل خالياً منهما . طلبتُ منها أن تتوقف عن البكاء لأنه يزيد إبنتها حزنا وألماً , مسحت دموعها قائلةً :
- بكائي أهون عليها من أن تراني أُضرب وأُهان أمامها بشدة وقسوة .
- حقاً ! أي أبٍ هذا ؟
- ليس أباها, بل كان يتعمد إيذائها أحيانا حتى أنصاع اليه . إنها ابنة طليقي الذي ندمت على تركه ندما شديدا بعد أن وقعتُفي غرام زوجي الحالي , كان أباها رجلا وفيا مخلصا لي ولأبنته أي إخلاص , شكرني على الأيام السعيدة التي عاشها معي وطلب مني الأعتناء بإبنتنا . انها الأنانية التي جعلتني أحب هذا المعتوه , كنت أبحث عن سعادتي فقط دون ابنتي , بمرور الزمن خسرت سعادتي وراحتي أيضا , أصبحت حياتي صراع بيني وبينه أبدأها بالهرب منه ثم ينهيها بكلام جميل واعتذار مقنع لأعود اليه ثانية .
- والضحية طبعاً هذه البريئة , ماهو الحل لأنهاء معاناتها ؟
- الحب الأحمق لايعرف طرق الحل والمنطق والتفكير . كرهته الآن لكن لاحيلة أمامي كي أختفي عنه , سأنتظر في ذلك المأوى حتى تهدأ الامور بيننا .
بلغنا الجزء الشمالي من مدينة (وينيبك) الكندية وبينما كنا نسير مسرعين على الشارع الرئيس صرخت بأعلى صوتها :
-ياإلهي , إنه خلفنا أسرع أرجوك أسرع بكل ماتستطيع أقسم عليك بالسيدة العذراء وابنها المسيح , إياك أن تتوقف مهما حدث من أمر .
- إهدئي ! لقد أفزعتني وأرعبتي ابنتكِ , لن اتوقف له مهما حاول من جهد , وإذا أعاق سيرنا سترين سيارات الشرطة بجوارنا في دقائق قليلة بضغطة زر واحدة .
لم ألتفت اليه ولم أكترث لتزمير سيارته الذي لم ينقطع حتى دخلنا باحة المركز . تراجع عندما شاهد الكامرات منتشرة في كل أنحاء المكان , أنزلنا الحقائب قرب الباب , خرجت إلينا أحدى السيدات كتبتْ الأجرة في صك كان بيدها , ثم التفتت إليها قائلةً :
هذه أنتِ ثانيةً ألم تتركي ذلك المجنون لقد قلت لك مراراً سنحميك منه ومن أتباعه ، إذا لم تشعري بالأمان هنا إذهبي إلى أي مدينة تشائين سنوفر لك سكنا وحماية ومايكفيك من المال .
صمتت قليلاً , اجابت بخجل قائلةً :
-لكنني لا أستطيع ترك عملي .
قبلتُ رأس ابنتها ثم رفعتُ رأسي إليها قائلاً :لعن الله الحب الأحمق .