في ظل ارتفاع مؤشرات في عداد الإصابات والوفيات مجدداً بسبب ما يسمى بالموجة الثانية، أضطرت بعض الدول ومن ضمنهم كندا لإغلاق المدارس مؤقتاً والدراسة عن بعد، وهذا القرار كان ضرورياً ومهماً للحفاظ على سلامةالمجتمع بأكمله.
كلنا يعرف بأن العملية التعليمية هي عملية تفاعلية ينقل فيها المعلم خبراته ومعلوماته بشكل مباشر إلى طلبته مما يتطلب تواجدهم داخل المؤسسة التعليمية، ولكن في ظل التحديات التي فرضتها جائحة كورونا أصبح لزاماً على الطلبة مغادرة مدارسهم والدراسة عبر شاشات الكمبيوتر من منازلهم وهو ما يسمى بالتعليم الرقمي.
بالتأكيد قرار إغلاق المدارس لم يكن بالقرار السهل لأنه وضع الطلبة والأهالي والمعلمين أمام تحديات كبيرة، لكن عندما تكون الصحة العامة على المحك لابد أن يتشارك الجميع في التضحيات من أجل مجتمع آمن صحياً.. ويظل الطلبة هم الأكثر تأثراً بسبب الإرتباك الذي سببه البعد عن فصول الدراسة والتواصل عن بعد مع معلميهم، أيضاً بسبب انقطاع تواصلهم مع زملائهم وممارسة نشاطاتهم الجماعية التي كانوا يقومون بها داخل الفصل وخارجه والتي تساهم في تطورهم واتساع مداركهم.
سأحاول هنا أن أسلط الضوء على بعض التحديات التي واجهت الأطراف المتأثرة نتيجة لإغلاق المدارس، وذلك من خلال مناقشات دارت بيني وبين بعض الأصدقاء والجيران ممن لديهم أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، أيضاً كان هذا الموضوع محور نقاشات على منصات التواصل الاجتماعي التي شارك فيها المتناقشون حكاياتهم بهذا الخصوص.
ولأن الطلبة هم العنصر الأساسي في العملية التعليمية، سأبدأ بالحديث عن تأثير إغلاق المؤسسات التعلمية والدراسة من البيت عليهم..
في المراحل الدراسية الأولى كالروضة والسنوات الأولى من المرحلة الابتدائية يتعلم الطالب من خلال وسائط تعليمية متعددة ومن خلال تواصله مع زملائه في الصف ، ليس فقط مادة علمية صماء ولكن يتعلم سلوكيات متعددة كطريقة التعامل مع محيطه، يتعلم الجرأة والتواصل المباشر، يتعلم كيفية العمل في مجموعات، يتعلم سلوكيات تناول الطعام واللعب خارج الفصول ، يتعلم النظام ، والكثير من السلوكيات التي تتطلب تواجده في مجموعة..طلاب هذه المرحلة التعليمية افتقدوا كل هذا بتواجدهم في البيت.
أيضاً طلاب هذه المرحلة لا يستطيعون استخدام المنصات التعليمية دون مساعدة الكبار، بالإضافة إلى تشتت أذهانهم بسبب وجودهم بالقرب من ألعابهم ووسائل الترفيه الأخرى في المنزل، لذلك يحتاجون لأحد أفراد العائلة الكبارلمتابعتهم حتى يلتزموا بالجلوس أمام الشاشة وكأنهم في الصف الدراسي.
إحدى الصديقات عندها أطفال في هذه المرحلة وقالت لي إنها تتنقل ما بين طفليها حتى تتأكد من أنهما ملتزمان بمتابعة الدرس مع المعلمة عبر الشاشة الألكترونية وإذا تركتهم لدقائق يتركون الشاشات ويلتهون بأي شيئ حولهم لأنهم وعندما تطلب منهم الالتزام يقولون لها " عادي نحن في بيتنا نفعل ما نريد".
سيدة أخرى تعاني من صعوبة المتابعة مع أبنائها الصغار بسبب ضعف اللغة عندها ولذلك هي متواجدة بقربهم لكنها لا تستطيع مساعدتهم بالشكل المطلوب..
أيضاً تأثر الطلاب ممن يدرسون في مدارس الجاليات، لأن الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر للدراسة خمسة أيام في الإسبوع ، ثم إضافة يوم أخر في نهاية الإسبوع بات أمراً مزعجاً للأطفال، وكثير من الأمهات من الجالية العربية يشتكون من ملل أبنائهم من متابعة دروس اللغة العربية في نهاية الإسبوع من خلال الكمبيوتر.
ولا يجب أن ننسى شريحة مهمة من الطلبة وهم الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة لأنهم يحتاجون إلى تدريس مباشر من متخصصين ووسائل تعليمية وخطط علاجية خاصة بكل حالة ، وعندما استفسرت علمت بأنهم يداومون بمدارسهم وهذا استثناء ممتاز من قبل المسؤولين عن العملية التعليمية.
أما بالنسبة لطلبة المراحل المتقدمة كالثانوية فالضغط أقل على الأهل لكن المشكلة فيما لو غابت الجدية وروح المسؤولية عن الطلبة في متابعة دروسهم بشكل يومي، وهنا أعتقد بأن على الأهل أن يتابعوا أبنائهم من وقت لآخر حتى لا يتفاجئوا بما لا يسرهم.
ونأتي إلى طلبة الجامعة ، أعتقد أنهم مسؤولون مسؤولية تامة عن مسيرة دراستهم ومتطلباتها إن كانت الدراسة في الجامعة أومن البيت ،لذلك لا أعتقد بأن الدراسة عن بعد قد تؤثر على مستواهم الأكاديمي ، لكن ما سمعته من بعض طلبة الجامعة بأنهم يفتقدون لروح التواصل مع زملاء الدراسة والعمل معاً وجهاً لوجه كفريق عمل في المشاريع العلمية، فالطلبة أصبحوا يشعرون بالملل من بقائهم في المنزل وضياع أجمل مرحلة في حياتهم بعيداً عن الحرم الجامعي والنشاطات الطلابية المتعددة.
أما التحديات التي تواجه الأهالي بسبب إغلاق المدارس فهي كثيرة، فمثلاً هناك أهالي يعملون من البيت لكن في ظل تواجد الأبناء في المنزل يصبح من الصعب التركيز على إنجاز أعمالهم مما أثر على عطائهم بطريقة مباشرة بسبب ضرورة تواجدهم بالقرب أطفالهم و لإرشادهم ومساعدتهم في التعامل مع المنصات التي يدرسون من خلالها..وهناك بعض الأهالي يجدون صعوبة في استخدام التكنولوجيا أو يعانون من ضعف في اللغة ، وهذا بلا شك سيضعهم في مأزق ولن يستطيعوا أن يقدموا لأبنائهم المساعدة في حال احتاجوا لها.
وهناك أيضاً بعض الأهالي الذين تضطرهم الظروف للعمل خارج المنزل ولساعات طويلة هؤلاء أمامهم تحدٍ كبير فالمفاضلة هنا بين العمل والأبناء فعلى سبيل المثال من يعملون في الصفوف الأمامية في المستشفيات كالكوادر الطبية، فهم لا يستطيعون أن يأخذوا إجازات كي يتابعوا أبنائهم في ظل هذه الظروف التي تتطلب تواجدهم على مدار الساعة، ولهذا تواجد أبنائهم في المنزل يعتبر تحدٍ كبير.
أيضاً مشكلة الانقطاع المتكرر للإنترنت بسبب الضغط الهائل على الاستخدام من قبل أفراد العائلة خاصة في وجود أكثر من جهاز كمبيوتر يعمل في نفس الوقت، هذا تسبب في ضغط نفسي كبير على المستخدمين من الطلبة وعطلهم عن متابعة دروسهم بانتظام.
ثم نأتي إلى المكان والجو العام في المنزل، فليس كل المنازل مهيئة لتوفير جو تعليمي مناسب بسبب ضيق المكان ومحدودية الغرف في بعض المنازل، أو بسبب نقص الأجهزة الذكية في الأسر الكبيرة ، أو بسبب الضائقة المالية التي تعرض لها الأهالي نتيجة لفقدان وظائفهم بسبب جائحة كورونا ونتج عن ذلك جو غير صحي لكثرة المشاحنات نتيجة لازدياد العبء المادي.
أما الضغوط على المعلمين فهي أيضاً كبيرة، فبعض المعلمين والمعلمات لديهم أبناء في المدارس ويحتاجون إلى تواجدهم بالقرب لمساعدتهم، ولذلك قد تختار المعلمة أو المعلم مصلحة الأبناء وفي المقابل يتم التضحية بالعمل وهذا قد يسبب نقص في عدد المعلمين مما قد يحدث إرباك في العملية التعليمية.
حقيقة كان لدي فضول لأتعرف على طريقة التدريس من المنزل، لذلك حضرت يوم دراسي مع طالب في المرحلة الابتدائية، واندهشت لسير الدرس وحرص المعلمات على ترغيب الطلبة في الدرس وخلق روح الحماس والمنافسة عن طريق تنويع الوسائط التعليمية واستخدام أساليب تربوية متطورة، لقد قدم الدرس ثلاث معلمات كل منهن لها إسلوبها المميز حتى لا يشعر الطالب بالملل، فتحية للكوادر التعليمية التي استوعبت هذه المستجدات من أجل استمرار العملية التعليمية بطريقة سلسة ومريحة.
رغم هذه السلبيات التي غيرت فكرة التعليم التقليدية إلا أن هناك إيجابيات علينا يجب أن نسلط الضوء عليها ونذكرها، فلولا تطور التكنولوجيا لتوقفت الدراسة وهذا يعني تعطل مرحلة زمنية من مسيرة الطلبة العلمية..أيضاً أعطت الدراسة من البيت فرصة للأهالي للتعرف على بعض النشاطات التعليمية وطرق التدريس المتبعة مع أبنائهم فكثير من الأهالي يرسلون أبنائهم للمدارس وليس لديهم فكرة عن طرق التدريس في المدارس الكندية والتي تختلف كثيراً عن طرق التدريس في مدارس الدول التي جئنا منها..أيضاً أتاح تواصل الطلبة مع المعلمين عن بعد فرصة للتعرف عليهم خارج حدود الصفوف مما خلق نوعاً من الألفة والترابط بينهم.
لا شك بأن التوقف عن الدراسة أتاح للمسؤولين عن التعليم الفرصة لوضع سيناريوهات مختلفة لاستيعاب أي مستجدات مستقبلية والتعامل معها بمهنية وحكمة، لهذا نأمل أن يكون قرارعودة الطلبة لمقاعد الدراسة في أوتاوا وبعض المدن الأخرى محل ترحيب من الأهالي، وأن يثقوا بأن المسؤولين قد أتخذوا التدابير اللازمة لتوفير بيئة صحية آمنة لضمان سلامة الطلبة والمعلمين والأهالي.
عودة سالمة للطلبة إن شاء الله ..مع خالص أمنياتي للجميع بالسلامة.
سلوى حماد