أعزائي القراء.. أهلا بكم مجددا في هذا العدد.. نعبر فيه عن مشاعرنا في بداية فصل الشتاء، ونحن على أعتاب إجازة الشتاء نرقب الأخبار الجوية كل يوم ... يتذكر المغتربون والذين جاؤوا من بلاد بعيده مشاعرهم وتصوراتهم عن شتاء هذا البلد فيكون انعكاس مشاعر كل فرد في العائلة مختلفاً عن الآخر.. فكما الكنديين مختلفين في رأيهم حول حبهم لفصل الشتاء أو عدمه، نرى المهاجرين أيضا منهم من ينظر إلى تساقط الثلج بحب وينظر إلى بياض الأرض بتأمل وإلى الثلوج المتساقطة بأنواعها صوره جمالية مبدعة من الخالق.... نرى أن البعض أيضا ينكمش في بيته ويعد الأيام ينتظر انتهاء الشتاء.. ومن الممتع جداً أن الجميع يتفاجأ بأن الثلوج بحمد ربنا لا تعيق الحياة العادية.. فالطرق مفتوحة والمركبات تسير بسهوله، وتستمر الحياة بلبس المعاطف والأحذية المخصصة ويتأقلم المهاجرون كل حسب ظرفه.
وفي إضاءتنا اليوم نلقي الضوء على مشاعر الأسرة أثناء الشتاء ، فلابد أن الآباء والأمهات الذين عاشوا جزءا من حياتهم في بلدهم الأم يتذكرون المدافئ سواء الغازية أو التي تعبأ بالكاز وغيرها... حيث يتجمع أفراد الأسرة فيصنعون الشاي ويشوون الكستناء ويسخنون الخبز بالزيت والزعتر برائحته الزكية ، فيتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث ويحكي الآباء أو الأجداد القصص والحكايات التي لا تخلو من الفكاهة والطرافة والحكمة في نقل الخبرات والتجارب والشجاعة ... والجميل في تلك الذكريات زيارات الأقارب والعائلة الممتدة والجيران المقربين .. كل ذلك يضفي على السهرات الشتوية جمالا ومشاعر تشبع قلوب الأطفال كما الكبار وتملأ الذاكرة بالمشاعر والأحاسيس السعيدة.
لماذا نتكلم عن الماضي؟
لا شك أن ذلك بهدف.. فنحن نتكلم عن الأسرة ووضعها في كل الحالات، نعمل المقارنة لأخذ العبرة ولنستفيد منها في صنع ذكريات وماض جميل يتذكره أبناؤنا كما نتذكر ماضينا المحفور بحب في ملفات عقولنا وطيات قلوبنا.
في الشتاء وما قبل الجائحة كان هناك العديد من الفعاليات والنشاطات والتزاور بين الأصدقاء والعائلات وتعايش وتكيف مع الثلوج في الذهاب لرياضات جماعية كالتزلج ومشاهدة المنحوتات الثلجية والرحلات الكشفية ... فهل سيكون هذا الشتاء مختلفا أيضا كما في الشتاء السابق؟
لا نعرف نأمل أن تنتهي الجائحة وتعود الحياة إلى سابق العهد بأمن واطمئنان.
ماذا نستطيع أن نفعل لنخفف من غربة هذا الوقت خاصة بعطلة الشتاء التي تختلف بطابعها عن إجازة العام الماضي؟
لا شك أن هذه الإجازة جديرة بالترتيب لها والتخطيط.. أعتقد أن العائلة التي لها أبناء عليهم الجلوس والحوار والتشاور ما لذي يستطيعون عمله في هذه الأيام كي يرسموا السعادة قدر استطاعتهم حتى يستثمرون وقت الإجازة وحتى لا يشعر أفراد العائلة بالملل والغربة أكثر. لا شك أن التخطيط للموضوع يستحق عصفا ذهنياً من جميع أفراد العائلة صغاراً وكباراً (والعصف الذهني فيه الواقعي والغير واقعي لا ضير) والفكرة تكمن في وضع صندوق أو علبة بها فتحة تشبه الحصالة كلما فكر أحد افراد العائلة بفكرة ما.. ماذا نفعل بالإجازة يكتبها أو يرسمها على ورقة للأعمار الصغيرة ويدخلها بالصندوق.. وعند فتح الصندوق تتعرف العائلة على الأفكار التي جالت في أذهان الجميع.. يختارون منها ما يناسب ظروفهم وإمكانياتهم فيرتبون من بعضها برنامجاَ لهم.. ومنها ما يتركونه احتياطا لأوقات يشعرون فيها أن هناك وقت لتنفيذها.. ويضحكون بحب ومرح من بعض الأفكار التي عصفت به الأذهان خاصة الناتجة عن فطرة الأطفال وبراءة التفكير ...
هذه الفكرة تجعل الأطفال والأبناء والعائلة تعيش فترة من التفكير بإيجابية وترقب خلال مرحلة العصف الذهني وفترات التنسيق والتطبيق فيكون له طعم آخر لأنهم شاركوا في رسم ذلك والإعداد، حتى لو كان البرنامج بسيطا وداخل المنزل. في الحقيقة أن أبنائنا يفتقدون معظمهم وجود الجد والجدة والعم والخالة والأقارب ، لذلك فإن دائرة الطفل وهي الأسرة هي الدائرة المهمة التي يعيش فيها خاصة في ظرف الجائحة وهذا يشعرنا بالمسئولية التي تقع على عاتق الأبوين بأن يكونا قدوة حسنة طيبة ومربين محترفين يتواجدون باستمرار ويخططون لاغتنام الفرص للتعويض عن العواطف المفقودة وللتوجيه والإرشاد وسرد القصص والحكايات وسرد القصص والحكايات التي ترمي إلى التوجيه بخفاء والتسلية بوضوح ... فالقصة لها ابعاد روحية وذكريات عميقة تقرب المشاعر وتجمع العائلة والأفراد وتشد الانتباه وتحبس الأنفاس ..فيها أبواب للخبرات والحكمة وأخذ العبر إذا كانت في الإتجاه الصحيح وهي مصدر واسع للفت الإنتباه وإلا لما كان في القرآن أحسن القصص .
اللعب مع الأبناء وإضفاء البهجة على قلوب وشفاه أفراد الأسرة يفتح للسعادة نوافذ وابواب لاستقرارها داخل الأسرة.
ولا ننسى أن نكون مربين ايجابيين لهم حتى يتحملوا المسئولية من خلال العمل الجماعي والتعاون وتقسيم الأعمال والأدوار التي تهذب النفوس وتنمي الشخصية ... كما أن لفت انتباههم بالحكمة والأسلوب الرقيق والجميل للتفكير بالنعم والدفء والملابس فنحمد ربنا باستمرار ليتعمق الرضى بالنفوس ... ومشاركتهم بإحساسنا بمن لا يملكون ما يدفئهم مما يؤصل في أنفسهم صفة الرحمة.. وتعريفهم بالعطاء والمشاركة والتبرع للمحتاجين ولو بشيء بسيط أو إذا كان التبرع عن طريق التحويل سواء لصلة الرحم أو للمحتاجين بأن يشارك في كبسة الإرسال فإن ذلك يصقل النفوس ويمسح غبار الأنانية والكبر ويزرع صفة الرحمة والعطاء والكرم والمشاركة.. ينتج عن ذلك أشخاص أسوياء بإذنه ورحمته تعالى وأسر سعيدة متعاونة متناغمة الأفكار قدر المستطاع.
بعض ملامح الوعي في التربية
كما نوهت في إضاءات سابقة إذا أردت ان تطاع فاطلب المستطاع.. وعلينا بالرفق في المعاملة.. ولا أعني الدلال المائع المفرط ولكن الدلال الواعي الحكيم، فالحكمة في أن تجعل من حولك يشعرون بالسعادة بوجودك مما يزيد سعادتك وسعادتهم ... والكلمة الطيبة كشجرة طيبة ثابتة هي الخير حوّلها الرفق والرعاية من نبتة صغيرة لشجرة كبيرة تؤتي ثمرها.. وأما القسوة العشوائية والجفاء وعدم القدرة على التعامل إلا بالغضب والصراخ والعقاب الغير مدروس الذي قد يوحي أنه ذو أثر وفائدة فهو لحظي أو وقتي ما يلبث أن يتجاهله الطفل ويعود برد فعل عنادي قد يكون بطريقة لا واعية ويدخل الابن والأب في دائرة مغلقة تتوسع مع الوقت بين الأبناء المزعجين والآباء الغاضبين.. فتبتعد القلوب ويتلاشى تناغم وتقارب الأفكار.. نرى الآثار والنتيجة على الأبناء وتصرفاتهم المستقبلية وضعف الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرار والإنحرافات السلوكية فينتج اجسادا مشوهة الملامح في اللاواعي، تكبر الأجساد وتتعمق وتدفن الذكريات تاركة خيوط رواسب سلبية في اللاواعي يحفز باستمرار الاحباط أو الإكتئاب أو آثار أخرى من إهتزازات الشخصية.. وهذه الآثار قد تحتاج لمتخصصين لإزالة أوالتحكم في تلك الإنعكاسات واسبابها التي كونت هذه الشخصية السلبية الغير مستقرة.. أو يبقى الفرد على حاله مكونا اسرة وشخصا يعمل على تكرار الحالات لإنتاج شخصيات مماثلة.. وهنا لا ينقصنا سوى الوعي والمعرفة برحمة من ربنا كي نكتشف اسباب تصرفات الأبناء المزعجين ونتحكم بأنفسنا كآباء غاضبين.
حتى نكون منصفين لابد أن نكون قدوة لأبنائنا وأفراد عائلتنا وإذا أردنا النصح لأبنائنا والموعظة يجب أن تكون بحكمه وصبر ورؤية ثاقبة، وإذا اضطررنا للوم أحد الأبناء على تصرف ما فهناك الكثير من الدراسات حول الموضوع من علماء النفس والتربويين وأساليب تربوية ولكن من المهم جداً ألا يكون لوماً على سوء فهم أو عدم وصول الفكرة الواضحة للطفل أو الإبن.. أو إذا فعل شيء خوفا من عقاب آخر كمن يكذب خوفا من عقاب أشد وغير ذلك من الأمور التي قد يكون الطفل مقلدا للوالدين إذا لم يكونا القدوة الصالحة للطفل.. أحيانا يتقمص الطفل بعض التصرفات من الوالدين الذين يمثلان القدوة فمن الممكن ان يتقمص الغيرة أو افتعال الشجار أو الصراخ و الغضب ومحاولة فرض السيطرة، ولو عدنا قليلا بالتعمق والتفكر والصبر نجد أن لنا الأثر الأكبر في خلق تلك التصرفات التي قد تكون بالغالب لا شعوريه تتبلور لتنتج السلوك الحالي للطفل فإذا أردنا العقاب على ذلك بطريقة عشوائية فمن المحتمل جدا أن يصبح في حاله إنقسام داخلي من عدم التمييز بين الخطأ والصواب وهذا بداية حدوث شرخ النفسية والإتجاه نحو الإحباط وهشاشه الشخصية... وفي الواقع هذا ما يصادفنا كثيرا في استشاراتنا الأسرية .
في الختام شكرا لمروركم ... أرجو للجميع إجازة ممتعة مليئة بالسعادة والفرح وأرجو لجميع الأسر حياة هانئة تحفها المشاعر والأفكار الإيجابية والنظر للمستقبل نظرة حب وأمل.. تفاءلوا بالخير تجدوه..
لا تنسوا أعزائي شعارنا إذا فرح الآخرون بقدومكم فأنتم بخير.. دمتم بخير..
إلى اللقاء بإذنه تعالى.