عرب كندا نيوز في لقاء مع معالي وزير الأوقاف والشـــؤون الاسلاميــــة للمملكة المغربية المفكر الكبير أحمد توفيق..

معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية أحمد توفيق، بداية نود أن نعبر لكم عن بالغ التقدير والامتنان لإتاحة هذه الفرصة لنا وتخصيص بعض الوقت لعمل هذه اللقاء ونود التعبير لكم عن بالغ سعادتنا كجالية عربية كندية بهذا اللقاء ونتمنى من معاليكم تعريف القراء من أبناء الجالية العربية في كندا بشخصكم الكريم.

ج. أهلاً وسهلاً بكم في المغرب .. فيما يتعلق بشخصي، فأنا  وزير أمير المؤمنين الملك محمد السادس في الشؤون الإسلامية والأوقاف منذ العام 2002 وأظن أن هذا التشريف وهذه الخدمة هي أعلى مقام ممكن أن أفتخر به وما عدا ذلك فهي كلها مسارات سابقة تكاد تكون عادية في الجامعة وغير ذلك.

س. لا شك ان المملكة المغربية لها مكانتها الدينية في العالم العربي والإسلامي خاصة وأن أمير المؤمنين الملك محمد السادس هو رئيس لجنة القدس،  وكما تعرفون أن لهذه المدينة مكانة خاصة عند المسلمين،   فكيف ترون الدور المغربي اليوم تجاه مدينة القدس بالتحديد والتحديات التي تواجهها؟

ج. المملكة المغربية لها تعلُق بالأماكن المقدسة ومن ضمنها القدس، فالمسجد الأقصى له حرمة في قلوب المسلمين جميعاً لأنه أولى القبلتين ، وقد كان الحجيج المغاربة يعرجون على القدس عند عودتهم  ويقيمون فيها ولهم أوقاف كثيرة وتشهد على ذلك أثار مازالت قائمة في القدس، فهناك باب المغاربة وهناك حي بإسمهم  ظل حتى تم هدمه في القرن العشرين.

المغرب له مواقف مبدئية ثابتة تعبر عن إيمان أهله وعن ضميرهم فيما يتعلق بقضية القدس وغيرها من القضايا ويتمثل فيما عبر عنه الملك الحسن الثاني تغمده الله برحمته وواصل من بعده أمير المؤمنين  الملك محمد السادس حفظه الله ، وهذه المواقف مبنية على أساس أن السلم ضرورة ولابد أن يتوفر فيه قدر من الحكمة التي يجب أن يتمتع بها الجميع لكي يتحقق التشارك والتعايش.

 وأفضل مكان من الناحية الرمزية ومن الناحية الواقعية والناحية الدينية على وجه الخصوص هو مدينة القدس ، هذه الأرض الطيبة كانت دائماً مكاناً للتواصل والتساكن وعبادة الله الواحد فينبغي أن يكون ذلك مستمراً والظروف التي تطرأ في التاريخ وتكون غير عادية هي ظروف شاذة في عدم احقاق الحق،  وهي سرعان ما تمر ، وتمر عادة بتضحيات ولابد لكل مسلم أن يحيي تضحيات المقدسيين والمقدسيات في هذا الباب،  وأن  يسعى للقيام بواجبه لإقناع الاطراف المتدخلة في الموضوع لكي تميل إلى الحكمة وتحقيق وضع يناسب هذا المكان، هذا المكان الذي لا يناسبه أي توتر ولا أي إحتكار ولا أي شكل من الأشكال التي تنافي السلم وتنافي القيم العليا التي من أجلها أراد الله تعالى أن تكون لهذه الأماكن حرمتها.  

س. هل نستطيع أن نسميها بالفعل مدينة السلام ، ويجب ان تكون مدينة للسلام؟

ج. هي كذلك ، وينبغي أن يتحقق السلام فيها ، إذا  لم يتحقق السلام في القدس فأين يمكن أن يتحقق في بلدان العالم، والناس كلها انظارهم تهفو إليها من كافة الديانات السماوية الثلاث، اليهودية، والمسيحية والإسلام ، وبالتالي عليهم أن يلتقوا هناك قبل أن يلتقوا في أي مكان آخر.

س. من هنا معالي الوزير كما تعلمون أن المملكة المغربية تتمتع بالتنوع الثقافي الذي جعلها نموذجاً مهماً ومثيراً للإعجاب خاصة فيما يتعلق بالتعايش المشترك بين أصحاب الديانات المختلفة،  كيف بالإمكان جعل هذا الأمر نموذجاً ملهماً للعالم في ظل التحديات التي تواجهه اليوم؟

ج.  هناك التباس كبير عند الناس في امور السياسة وفي أمور المعيشة وفي أمور التعايش، لكن المحن التي تمر في عدد من البلدان في هذا العصر تدفع بالناس للبحث عن النموذج المثالي ، وكما تعرف أن ما نقرأه في الكتب مليئ بالحكمة ومليئ بالإرشاد لكن ما يجري في التاريخ والواقع هو أبلغ مما في الكتب، فنحن اليوم أحوج ما نكون في أن نستلهم الأوضاع السليمة ونبحث عن سر هذه السلامة .

 كما تعرف عندما كان الماركسيون يريدون إقامة دولة على أرض الواقع كانوا يقولون: "اذا لم نجد بلدا نجرب فيها هذه النظريات لن نتمكن من معرفة إذا ما كانت هذه النظريات صالحة أم لا".. المغرب لا يصدّر شيئاً ولا يتكلم عن هذه الأشياء التي تشير اليها لكنه يعيش حياته العادية  بفضل مؤسساته ولاسيما مؤسسة إمارة المؤمنين التي تقوم بدورها في رئاسة الدولة وفي إمامة الدين،  حيث لنا خصوصيات تاريخية انتهت الينا ونحمد الله على ذلك، فبفضلها ندخل الى هذا العصر بنوع من التوازن والتوافق الذي يبعدنا عن جميع أنواع التطرف علماً بأننا لسنا بمنأى عن اي آفات تقع في محيطنا الإقليمي أو محيطنا الدولي.

س. هذا معالي الوزير يأخذنا إلى سؤال أخر في نفس السياق، كمفكر ومؤرخ وروائي وصاحب نظرة شمولية ولكم العديد من المقالات في التاريخ الحديث والوسيط، كيف تنظرون الى حال العالم اليوم خاصة في ظل الصراعات وتحديات التطرف والإرهاب التي تواجهه؟

ج. كمتخصص في التاريخ ، أرى ان الثقافة التاريخية ثقافة ضرورية لجميع الأجيال، هي ثقافة مشتركة ينبغي أن ينشأ عليها التلاميذ  لأن فيها عبر كما أراد الله سبحانه وتعالى أن يعطينا في القرآن الكريم  الذي عبر فيه عن الأمم السابقة، حيث هناك من نجا منها وهناك من أهلك نفسه، فالتاريخ هو الذي انتهى بنا الى ما نحن فيه ولا يمكن اختزال التشخيص في تعريفات محددة.

لذلك إذا أردت ان تعرف ما يقع في العالم لابد أن تقوى بالتشخيص ، هنالك نظام عالمي سائد هو النظام الذي انتهى إليه تاريخ أوروبا والغرب بصفة عامة ، ثم تاريخ أمريكا بعدما انضمت إلى الغرب بصفته الرأسمالية الليبرالية وما رافقه من القيم الليبرالية، هذا العالم التقى بعوالم أخرى وكان على هذه العوالم أن تنظر في كيفية التعامل مع هذا النموذج من الناحية الثقافية ومازلنا في هذا المخاض إلى حد ما.

هؤلاء لم يتدبروا سنن الكون ولا سيما السنن التي وردت في القرآن الكريم ، ولم يعرفوا تاريخ العالم والبشرية لأن الله تعالى بعد أن انقطع الوحي وقبل الوحي واثناء الوحي وبعد الوحي هو المتصرف وهو الغالب على أمره هو سبحانه وتعالى المهيمن على كل شيئ، ولذلك علينا أن نتدبر حتى ما وقع بعد الوحي وأن نرى ما يظهره الله في الكون من هذا التدافع بين الناس ، الله، تعالى ارشدنا في القرآن الكريم انه لولا التدافع لوقع الفساد في الأرض، إذا لابد للتدافع بالأراء وليس تدافع العنف.

كما أن هناك في مثل هذه المراحل الانتقالية من يدفع به الفهم  ويظن انه مصيب في ذلك إلى أن يلجأ إلى التطرف ولاسيما مظاهر العنف في هذا التطرف، ولذلك إذا أردت أن تقنع الناس بفكرتك عليك أن تصبر وأن تكون مناضلاً صبوراً ونموذجياً ، أما العنف فهنالك من هم أعنف منك وأقدر على ممارسة العنف ومن الممكن أن يجعلوك صورة غير لائقة أمام الشهود ، وهنالك الذين يتصارعون وهنالك اللذين يشهدون، وبالتالي علينا انظر إلى الشعوب الأخرى التي ليست فيها صراع كيف تنظر إلينا وكيف يريد الأخرون أن يظهرونا أمام هؤلاء الشهود.

س. معالي الوزير هل تعتقدون بأن الإسلام له علاقة بموضوع التطرف والإرهاب بشكل عام؟

ج. لا يأتي دين مثل الإسلام ويكون خاتمة الرسالات لينشر الإرهاب، فلننظر إلى تحية المسلم لأخيه المسلم حين يلقاه، يحيه بـ" السلام عليكم ، بمعنى أنه قبل أن أتكلم معك أو أتعامل معك نحن في دائرة السلام ، أي تأمنني على نفسك وأن آمنك على نفسي.

 ففي عام 2007 عندما بدأت هذه المظاهر التطرفية الإرهابية أقام علماء المغرب ندوة عنوانها "رأي الشرع في دحض دعاوى الإرهاب" وحللوا إحدى عشر مقولة للإرهابيين وحللولها من الناحية الشرعية بالنصوص الصحيحة وبالفهم السليم لسلف هذه الأمة، وبينوا أن هذه المقولات لا يمكن أن توصل إلى فكرة ممارسة الإرهاب وقتل الناس بدون وجه حق بدعوى الدفاع عن الدين.

س. ما رأيكم بما يسمى بالإسلام السياسي ، هل هناك إسلام سياسي حقيقة ، أم من حق المسلم أن يمارس السياسة في إطار ما هو متوفر لديه من مقومات تؤهله للمشاركة بالحكم؟

ج. الأمر يتوقف على أي بعد أو أي مفهوم تعطيه لهذه العبارة " الإسلام السياسي"، الإسلام جاء كاملاً ليؤطر حياة الناس بمنهاج " القرآن الكريم وسنة الرسول الكريم" ، بمعنى انه يشمل السياسة والاقتصاد والمعاملات والحياة العائلية  ويشمل كل مظاهر الحياة لأنها حياة بعدها ممات وبعدها حساب،  ولأنها حياة ابتلاء بمعنى أنه لا يمكن أن تقول أن الإسلام ليس فيه سياسة، لكن هذا ليس ما يعنيه الناس، فعندما يقولون الإسلام السياسي، يعني أن هناك إسلام غير سياسي وأن هناك جماعة من المسلمين يحتكرون السياسة ولها رأيها فيه، كل هذا نتيجة سياق تاريخي.

فعلى سبيل المثال تساءل بعض الإصلاحيين عندما رأوا ما يجري في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ثم بالخصوص في اواسط القرن العشرين لا سيما بعد استقلال عدد من البلدان الاسلامية عن موقف الإسلام مما يحدث في العالم، بعضهم أراد أن يكون للإسلام صوتا إلى جانب الماركسية والليبرالية فظنوا بأن هذا ممكناً عن طريق إقامة أحزاب دينية، لكن الدين للجميع وعليك أن تكون عاملاً بقيم الدين،  وعندها ستقوم بالسياسة أفضل مايكون.

 فمثلاً عندما يرشد الإمام أو الخطيب الناس في المسجد ، فالموجودون في المسجد ينتمون إلى مختلف التيارات السياسية ، لأن السياسة هي اقتراح لتدبير المعيشة بشكل من الأشكال، ففيها حسابات اقتصادية وضريبة ومشاريع، السياسة هي تدبير الشأن اليومي للجماعة يقوم به البعض دون البعض الآخر إذا  انتخبوهم أو رشحوهم لذلك، أما الدين فيحتاجه جميع السياسيين لأنه مصدر القيم، فهل يمكن أن ترضى عن سياسي ليس محترماً للحقوق أو خلوقاً؟، إذاً الدين يعطينا ما نحتاج له جميعاً.

كما أننا في الواقع نختلف اختلافات جزئية على مستوى المجتمع ونسميها اختلافات سياسية، ولذلك هناك لبس ينبغي أن يزول من أذهان الناس في قضية الإسلام السياسي.

هناك جماعات إسلامية اجتهدت في منتصف القرن العشرين أرادت أن تعبر عن قضاياها علماً بأن المسلمين لم يخرجوا عن الإسلام عندما كانت تضايقهم الماركسية أو الشيوعية وطالبوا بالاستقلال باسم الدين وضحوا بأنفسهم باسم الدين.

إذاً الدين يقدم لنا الكليات بمعنى المبادئ العامة كما في الدساتير الكبرى، فليطمئن الناس ، ويكفي أن لا تخرق الخطيئات في الشرع وهي قليلة، وكل ذلك يكون في اجتهاد باسم المصلحة ، والقوانين الأن كلها مصلحية ولذلك من يريد أن يزيل كل هذا يدل على الجهل في السياسة والدين في آن واحد.

س. المسلمون أبدعوا على مدى التاريخ ، وبالتالي ليس من الإنصاف وصمهم بشكل عام بصفة الإرهاب والتطرف لأن الإرهاب سلوكيات شاذة موجودة في أفراد أخرين يدينون بديانات أخرى غير الإسلام؟ ما رأيكم؟

ج. التعميم جهل وظلم، كل من يعمم ويوصم المسلمين بصفة الإرهاب فهذا لغرض غير سليم في نفسه وكلامه لا يؤبه به إن كان دعاية أو غيره، ولا يمكن أن نتساءل هل المسلمون مبدعون أم لا؟، لأن المسلمين قد أسهموا في الحضارة الإنسانية إسهاماً لا يمكن تجاهله، وهم قادرون الأن على أن يبدعوا في كل المجالات ويشاركوا في بناء المجتمعات مثلهم مثل غيرهم، لكن كل ما هنالك ينبغي القيام بالتشخيص لكل حالة على حدا والقيام بما ينبغي احتراماً وعملاً بالدين وبنفس الوقت نفعاً للناس لأن نفع الناس تجتمع فيه السياسة والدين في آن واحد.

س. أخيراً معالي الوزير بماذا تنصحون أبناء الجاليات  العربية بشكل عام  وأبناء الجالية المغربية بشكل خاص لتحصين أنفسهم من مخاطر ذلك ؟

 ج. أنا لست في موقع من ينصح لكنني سأقول فكرتي بالنسبة للمسلمين القاطنين في كندا بمختلف جنسياتهم الأصلية ، لقد نبهنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى مسألة أساسية وهي الحرص على اختيار من نأخذ منه تعاليم ديننا، حيث أن هنالك ثلاثة أصناف ينبغي أن نتجنب أقوالهم وتأثيرهم ودعايتهم وهم الجاهلون ، والمبطلون ، والغالون (المتطرفون)، لذلك ينبغي على رجال الدين في المهجر أن يكونوا نموذجاً حسناً لمن يتساكنون معهم في بلدانهم وأن يشكروهم على حسن وفادتهم، وعلى تقبلهم  لهم  واستقبالهم ، وعلى ما يعطونهم من حقوق ويحمدوا الله على ذلك، ويظهروه للناس وأن يحرصوا على توعية أهلهم  الذين يشتركون معهم في الدين أو في القومية حتى لا يقعوا فيما قد يسيئ لمن استضافوهم أو يخيبوا ظنهم فيهم ، هذا من الناحية الوطنية.

لكن  للأسف فإن وسائل التكنولوجيا الحديثة قد ساهمت ايضاً في الترويج لبعض الأفكار الهدامة، وأكرر على أبناء الجالية المسلمة أن لا يتبعوا الجاهلين والمتطرفين فكرياً حتى لا يقعوا في المحظور .

كما أن في كندا هناك جمعيات لحماية المستهلكين من الغش التجاري، ينبغي على العلماء أن يحكموا المستهلكين للأفكار من الأفكار الخاطئة والفكر المتطرف، لأن استهلاك الأفكار والدين هو أصعب وأخطر وأكثر سماً من جميع البضائع، كما يجب على المستهلكين حماية أنفسهم عن طريق اختيار الشخص المناسب الذي يستقون منه معلوماتهم، وهذه هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع.

س. شكراً جزيلاً معالي الوزيرعلى وقتكم الثمين وهذا اللقاء المثمر، بارك الله بكم ووفقكم لما فيه الخير وتقبلوا فائق الاحترام والتقدير.

ج. شكراً لكم على الاهتمام وعلى هذا اللقاء وأحييكم وأحيي متابعيكم لاسيما من المسلمين في كندا.