آخر الأخبار

لقاء خارج الحدود لعرب كندا نيوز مع معالي وزير الطاقة والمعادن والبيئة المغربي عزيز رباح

لقاء خارج الحدود لعرب كندا نيوز مع معالي وزير الطاقة والمعادن والبيئة عزيز رباح
في رحلتها الأولى خارج حدود كندا كان لعرب كندا نيوز هذا اللقاء الحصري مع معالي وزير الطاقة والمعادن والبيئة عزيز رباح ، حيث حاوره رئيس التحرير م. زهير الشاعر الذي خاطبه قائلاً بداية نود أن نعبر لكم عن بالغ التقدير والإمتنان لإتاحة هذه الفرصة لنا وتخصيص بعض الوقت لعمل هذا اللقاء في ظل انشغالاتكم الكثيرة، كما نود التعبير لكم عن بالغ سعادتنا بكم خاصة وإنكم من خريجي الجامعات الكندية كوزير في الحكومة المغربية، فهل ممكن أن نتعرف منكم على جهود الشراكة بين إفريقيا ودول العالم الأخرى بالاستثمار في مجال الطاقة ودور المملكة المغربية في ذلك؟
ج. أهلاً ومرحباً بكم، وشكراً على هذه الدعوة الطيبة وهذه الزيارة للمغرب التي ستعطيكم بالتأكيد فرصة للإطلاع عن كثب على المغرب اليوم الذي يختلف عن المغرب قبل عشر سنوات وقبل عشرين سنة، وإن شاء الله لنا أمل وطموح أن يكون مغرب الغد  أفضل بكثير، كما أستغل هذه الفرصة لكي أوجه التحية للعاملين في هذه المؤسسة المحترمة وأيضاً إلى كل العرب في كندا الذين يحظون بمكانة متميزة، ويعملون في مواقع يمكن القول بأنها مؤثرة بطريقة إيجابية في مسار دولة كندا.
 كما  أغتنمها فرصة لأحيي الجالية المغربية بكندا، التي كان هناك حديث عن دورها في مغرب المستقبل أو ما يصطلح عليه بالنموذج المغربي التنموي الجديد، بالإضافة إلى البحث والتفكير في متطلباتها وانشغالاتها الراهنة.
من خلال هذه الزيارة ستلاحظون حتما نوعية التحول في مجالات البنى التحتية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير، وكذلك في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث استطاع المغرب أن يزاوج بين الحفاظ على هويته وأصالته وانفتاحه على العالم وتطلعه إلى الحداثة مما يشكل مثار إعجاب، كما أن بلادنا استطاعت أن تقدم نموذجاً يُحتذى به في التوافق السياسي بين كل الفاعلين على الساحة السياسية المغربية، و أن تتقدم بخطى ثابتة في تحسين مستوى عيش المواطنين و تأهيل المجالات الاجتماعية و الاقتصادية .
أما بالنسبة لموضوع الطاقة، أستطيع القول أنه قبل عشر سنوات أطلق الملك محمد السادس، السياسة الطاقية الجديدة بناءً على رؤية مغربية مستقبلية خطط لها منذ زمن عندما  كان ولياً للعهد، فقد شارك في عدة مؤتمرات، وحرص على أن يكون هناك اقتصاد جديد، وأن نواجه التغيرات المناخية ، ونعالج القضايا البيئية ، وأن نعمل على أن يكون هناك إقتصاد أخضر نظيف، وأن نعتمد على الموارد الطاقية الموجودة في بلدنا لاسيما الطاقات المتجددة التي حبانا الله بها ، فنحن نملك طاقات الشمس ، والرياح، والماء، والبحر و نعمل على الاستفادة منها بشكل فعال.
س. ما هي الآلية التي اتبعها المغرب في تحقيق كل هذه التجارب الناجحة؟ 
ج. أعتقد أن ذلك تم أولا بفضل  الله سبحانه و تعالى ثم بفضل الرؤية الاستشرافية لجلالة الملك و حرصه على تتبع عمل كل مؤسسات البلد ثم طبعا بفضل انحراط  الإنسان المغربي في الدينامية التي أطلقت بكل مكوناته المتعددة، فالمغرب متعدد الروافد، فهناك تعدد إجتماعي، وثقافي، وديني، وسياسي، واقتصادي، وجغرافي،  هذا التعدد هو الدي قدم لنا لحمة وطنية خلقت والتي خلقت ثقافة التوافق في أشد الأزمات.
س. هل انعكس هذا التعدد على فكرة التعايش بين مكونات المجتمع المغربي؟
ج. بالتأكيد، دعني أعطيك مثلاً على ذلك، هناك مدن يعيش فيها مغاربة يهود لو زرتها لن تلاحظ الفرق، أيضاً لو زرت البرلمان الذي يضم أغلبية ومعارضة ستجدهم متفقين على مبدأ الإصلاح، طبعاً هذا التوافق والذي يقوده جلالة الملك جنبنا الكثير من الكوارث التي وقعت في أكثر من دولة في محيطنا الإقليمي.
 جميعنا نجمع على الإصلاح والتغيير، ونريد أن نقفز قفزات نوعية لأن عالم اليوم لا يعترف بالدول الضعيفة لذلك لابد أن نكون يقظين وأن نحاول أن نبحث عما يجمعنا ونركز عليه وأن نجد آليات لتقريب وجهات النظر في الأمور المختلف حولها، وحتى إن وقع صراع نحاول أن يكون صراعاً سلمياً تحسمه في نهاية المطاف المؤسسات والقوانين، وفي هذا الاتجاه نستطيع القول بأن المغرب قد خطى خطوات جبارة في كثير من القطاعات.
س. ما هو دور المغرب بالتحديد تجاه الشراكة مع أفريقيا؟
ج. لابد أن أؤكد في البداية على اعتزازنا بالانتماء إلى القارة السمراء المتميزة بتاريخها و أرضها و شعوبها والمتميزة أيضا بثرواتها سواء البشرية أو الطبيعية، و المغرب هو جزء من هذه القارة ومنشغل بتنميتها و بمستقبلها، و هو ما رسخته خطابات جلالة الملك في مناسبات كثيرة والتي ترتكز على مفهومي التنمية المشتركة والتنمية البشرية المستدامة و ما رسخته أيضا المبادرات التاريخية و القوية لجلالته بهذه القارة سواء من خلال الزيارات التاريخية أو من خلال الاستثمارات القوية،  والمغرب مؤمن  بنهج أسلوب الشراكة مع الدول الأفريقية الشقيقة، و قد  كان هذا التوجه الإفريقي دائماً حاضراً لكنه ازداد حضوراً وقوة الآن، حيث عززته عودة المغرب التاريخية إلى الاتحاد الأفريقي، حيث نعتبر أن أفريقيا تشكل امتدادا للعمق المغربي. 
 و نسجل اليوم أن المغرب  يستثمر في أكثر من 25 دولة في مجالات متعددة، كالبنوك، والبنى التحتية، والطاقة والمعادن، والمواصلات، والتعليم... و نسجل في هذا الإطار أن حجم المبادلات التجارية بين المغرب وإفريقيا تضاغف بأكثر من 4 مرات خلال الفترة ما بني 2004 و 2019 ، و نفس الشيء بالنسبة لصادرات المغرب نحو افريقيا، كما مكنت استراتيجية المغرب، مدعومة في ذلك بالانتشار الواسع والمستمر للقطاع البنيك المحلي في السوق الإفريقية، بالإضافة إلى دعم برامج التنمية البشرية من أن يصبح، خلال بضع سنوات، ثاين أكبر مستثمر إفريقي في القارة بعد جنوب إفريقيا، وتشمل هذه الاستثابرات قطاعات متنوعة ذات قيمة مضافة كبيرة ( البنوك، المباين والأشغال العمومية، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.


لقد كنا نتواجد سابقا فقط في الدول الناطقة بالفرنسية، أما الآن فقد توجهنا بشكل قوي إلى الدول الافريقية الناطقة بالإنجليزية، والدول المؤثرة ككينيا، أثيوبيا، غانا وغيرها من الدول ، ونحاول أيضاً أن نفتح آفاقا أخرى حتى مع الدول التي بيننا وبينهم خلافات سياسية حول قضية الوحدة الوطنية، هذا التوجه الإفريقي أصبح جزءاً من السياسة المغربية في انفتاحها، ولذلك أطلقت الكثير من المبادرات في هذا السياق، ومنها المبادرة الأولى التي أطلقها صاحب الجلالة في مراكش من خلال الصندوق الأزرق لحوض الكونغو والذي يعتبر الرئة الثانية في العالم بعد الأمازون، أما المبادرة الثانية فهي متعلقة بتشكيل لجنة دول الساحل نتيجة للتحديات التي تواجهها هذه الدول بسبب التغيرات المناخية واحتياجاتها الطاقية، والمبادرة الثالثة المتعلقة بلجنة الدول الجزرية، وهي جميعها مبادرات أطلقت على هامش القمة الثانية والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (كوب 22) التي أقيمت في 2016 بمراكش. 
كما أطلقنا مبادرات أخرى فيما يتعلق بمشاركتنا في مساعدة الدول الافريقية على توفير الاحتياجات من الكهرباء في كثير من المناطق في إفريقيا ولاسيما أنه يوجد اليوم حوالي 600 مليون أفريقي لا تصلهم الكهرباء وهذا يعتبر تحدٍ كبير بالنسبة لأفريقيا والعالم.
س. هل يعتبر الاستثمار الذي يقوم به المغرب في أفريقيا جزءاً من خطته الطموحة التي يقوم بها لتطوير البلد؟
ج. كما قلت في البداية نحن جزء من هذه القاررة و مستقبلنا مرتبط بها و نحتاج اليوم إلى نظرة جديدة لمستقبل هذه القارة و هو ما حدده جلالة الملك بقوله: إن "أفريقيا يجب أن تضع الثقة في أفريقيا؛ إنها بحاجة أقل للمعونة، وتحتاج إلى المزيد من الشراكات ذات الفائدة المتبادلة، انها لسيت بحاجة الى المساعدة الانسانية، بل الى مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية". ، أي أننا  نؤمن بأن عملية تطوير وتنمية اقتصاد المغرب و معه إفريقيا  لا تتم إلا من خلال الشراكة والاستثمارات ، وهذا توجهنا منذ زمن، حيث أن العالم اليوم مفتوح واقتصادنا لن يتطور إلا بالنظر للاقتصاديات العالمية الأخرى والدول الشريكة، والنظر إلى الجغرافيا القريبة خاصة فيما يتعلق بالشراكة مع الدول الافريقية وفي مجالات الطاقة على وجه الخصوص.
ففي مجال الطاقة مثلا أطلقنا مبادرات عديدة في هذا السياق، فعلى سبيل المثال أطلقنا مبادرة مع أثيوبيا لإزالة الهوة الطاقية بين مناطق وأخرى بمعنى أن يستفيد الجميع من الطاقة على قدم المساواة وهذا أيضاً فيه تحدٍ كبير لأنه بدون طاقة لن يكون هناك اقتصاد ولا يمكن لأي دولة أن تتطور.
س. أفهم من ذلك أنكم ترون بان افريقيا تسير في الإتجاه الصحيح من خلال التوجه للعمل المشترك؟ 
ج. القارة الافريقية اليوم أصبحت بفعل عدد من العوامل السياسية كعمليات الانفتاح الدميقراطي التي عرفتها مجموعة من الدول و بداية توسع الطبقة المتوسطة و تراجع معدلات الفقر في العديد من الدول و بفعل أيضا عدد من العوامل الاقتصادية أهمها الاستثمار في مجموعة من المواد الأولية وتحسن مناخ الأعمال، أصبحت تعرف منوا اقتصاديا قويا جعلها في قلب المعترك الاقتصادي الدولي وأرضية للتسابق بين مجموعة من الدول القوية، و أعتقد أنه لا يوجد حل بالنسبة إلينا نحن الأفارقة إلا من خلال العمل المشترك، مطارات مشتركة، وموانيء مشتركة، ومحطات لوجيستية مشتركة، واستثمارات مشتركة ورؤية مشتركة، والسدود ومحطات الكهرباء المشتركة، وشبكات خطوط الكهرباء المشتركة، نحن نحتاج اليوم بالفعل إلى أن نرتبط فيما بيننا، حيث أننا نرى اليوم انتاج الكهرباء على سبيل المثال يحتاج الى نوع من التأمين، بمعنى كيف أؤمن الكهرباء لبلدي وللأخرين. 
س. هل هذا يعني بأن أفريقيا في العقد القادم من الزمن ستصبح مركزا للتأثير العالمي ؟
ج. إفريقيا تعيش اليوم بداية مرحلة جديدة تصحيحية قد تغير من مسارها الاقتصادي والاجتماعي و السياسي، فالمتتبع للوضع بإفريقيا سيلاحظ التطور الذي تعرفه العديد من المؤشرات في عدد من دول افريقيا، وسيلاحظ أيضا الاهتمام العالمي بالاستثمار بشقيه الفردي أو الحكومي بافريقيا، ومن هذه المؤشرات أنه ومنذ ثمانية أعوام تم افتتاح أكثر من 320 سفارة جديدة في دول افريقيا، كل الأرقام والحقائق تؤكد أن مستقبل أفريقيا مشرق, وأن الأمور في عدة دول في القارة تتجه نحو الطريق الصحيح فقط يجب أن نتخلص من الصورة النمطية المرسومة عن القارة الإفريقية بأنها "القارة الجائعة" والتي تساهم فيها الرؤية التي مازالت تتعامل بها معها مجموعة من الدول خصوصا عبر تقديم ما يسمى بـ”المساعدات الأجنبية”، الأمر الذي يجعل حتى الأفريقيين يشككون في قدراتهم ومهاراتهم، وهو ما أعلن المغرب عن مواجهته من خلال كلمته في إحدى المتنديات الدولية عندما قال "أن إفريقيا لا ينبغي لها أن تظل رهينة لماضيها، ولمشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية. بل عليها أن تتطلع لمستقبلها، بكل عزم وتفاؤل، وأن تستثمر في سبيل ذلك كل طاقاتها"
أنا متفائل جداً بمستقل إفريقيا  أولاً من ناحية الاستهلاك فهناك حاجيات كبيرة في أفريقيا تحتاج إلى مواد  وإلى خدمات بمعنى أن قطاع الاستهلاك في افريقيا هو قطاع مهم، فالطبقة المتوسطة الآن تصل إلى حوالي 600 مليون شخص وقد تصل إلى مليار شخص، كما أن الأرض الإفريقية تحظى بوفرة من الثروات الطبيعية الكبيرة التي تحتاجها التكنولوجيا الجديدة في العالم.
كما لا يجب أن نغفل الموارد البشرية الكبيرة،  وفي حال تجاوزنا الخلافات السياسية فإن أفريقيا ستكون مؤثرة بشكل كبير، ولهذا معظم الدراسات المستقبلية تتحدث عن التأثير الأفريقي في العالم إذا توفر فيها الأمن والتعاون بين دولها .
نحن في المغرب لدينا رؤية تتمثل في المزج بين العلاقات التجارية والاستثمار حتى نقتسم القيمة المضافة، كما أن المملكة المغربية تعتبر رائداً في مجال تصدير الفوسفات، وبالإضافة إلى إنشاء المصانع في المغرب وانتاج الأسمدة ، قمنا بالذهاب إلى عملائنا في الدول الأخرى وانشأنا عندها مصانع واستثمارات، حيث أن التوجه الجديد في السياسة الطاقية المغربية يرتكز على أنه يجب أن تكون التجارة ممزوجة بالاستثمار لتقاسم الأرباح والثروات الموجودة بالعالم، لأن التجارة وحدها ستؤدي إلى حالة من اللاتوازن في الشراكات بين الدول. 
س. هل تعتقدون أن ذلك يتم من خلال الطريقة التقليدية في الاستثمار أم من خلال محاكاة الثورة الرقمية ومتطلباتها وتحدياتها؟
ج. أعتقد أن كل الدول الأفريقية اليوم بدءً من المغرب في مرحلة مراجعة للمنظومة الاستثمارية بما يسمى مناخ الأعمال، فحتى دول العالم الأخرى في حاجة إلى استحداث نموذج جديد يجمع ما بين التجارة والاستثمار، يجمع ما بين الحماية الاجتماعية للناس وبين حرية المبادرة الاقتصادية، يجمع ما بين الدولة القوية والمبادرة الفردية.


 أعتقد انه في مجال مناخ الأعمال والاستثمار، يجب أولاً مراجعة المنظومة التشريعية كي يطمئن المستثمر، وأن تكون هناك تشريعات وقوانين تحميه وتحمي استثماره وتخلق التوازن بين أرباحه والعائد الذي تستفيد منه الدولة التي يستثمر فيها.
 ثانياً يجب أن يكون هناك نظام تقنين المنافسة في كل القطاعات لتجنب مسألة الاحتكار، كما يجب أن نقوي الشركات الكبرى لأنها دائماً تكون رافعة، فنحن بحسب الاستثمار الهرمي لابد أن يكون هناك شركات متوسطة وصغرى إلى جانب الشركات الكبرى وأن تجد هذه الشركات حماية.
 ثالثا  لابد أن تكون  هناك محفزات، فلماذا سيأتي المستثمر للمغرب ولا يذهب إلى مكان آخر، لابد أن يكون هناك ما يسمى بالجوانب التنافسية لكل دولة، في الجانب الضرائبي، العقاري، الموارد البشرية، والخدمات الداعمة وغيرها. 

وكي ألخص ذلك، لابد أن ننظر إلى التطور الذي عرفه المغرب في العشر سنوات الأخيرة، فقد أصبح في الرتبة 53 بعد أن كان في الرتبة 112 في مؤشر مناخ الأعمال، ونعمل الآن بجد وإجتهاد من أجل أن نكون ضمن الخمسين الأوائل.
هذا بالإضافة إلى أننا في المغرب وقعنا عقد شراكة مع الكثير من الدول فيما يتعلق بالتبادل الحر لكي يكون بيننا نوع من السلاسة في التبادل التجاري، ولتسهيل أمور المستثمرين في إيصال منتوجاتهم للدول الأخرى، وفي مجال خدمات الدعم والإمداد وخاصة في المجال البحري وهذا مهم جداً لنقل البضائع،  فاستطعنا بذلك والحمدلله أن ننتقل من الرتبة 84 عام 2004 إلى الرتبة 17 اليوم، وفي ظل الاستثمارات في هذا المجال قد نصبح ضمن العشرة الأوائل في العالم.
س. هل هذه الخطوات كلها تسير في سياق الخطة المغربية الطموحة لعام 2030؟
ج. يشتغل المغرب ولسنوات وفق مخططات استراتيجية طويلة و متوسطة المدى في مختلف القطاعات و المجالات وهو ما انعكس على التحسن الذي عرفه المغرب في هذع القطاعات ونعمل على تحديث هذه الاستراتيجيات تحديثها من فترة لفترة، ففي مجال الطاقة مثلا  نتوفر على استراتيجية وطنية للطاقة من سنة 2009 وقد تجددت، وعندنا أهداف أن تصبح نسبة الطاقة المتجددة في المنظومة الطاقية للبلد خاصة في منظومة إنتاج الكهرباء إلى أكثر من 40% بنهاية هذه السنة ونطمح إلى تجاوز 52 % عام 2030، أما من ناحية الاستثمار في مجال قطاع الطاقة فهو مفتوح وعندنا أكثر من 12 دولة تستثمر حالياً في هذا القطاع.
كما أننا نعطي فرصة الاستثمار لكل الشركات في العالم،  مع إعطاء الأفضلية للشركات المحلية والشركات المستقرة في المغرب، هذه الأفضلية الوطنية نهج تتبعه كل الدول في العالم، ونحن نريد من ذلك خلق حالة من التنافسية لذلك قررنا أن تستفيد الشركات المحلية من جزء من عائدات الاستثمار.
 كما نلزم المستثمرين في المجال الطاقي بتصنيع بعض المواد في المغرب، فنحن لا نكتفي فقط بإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، بل نطمح إلى خلق منظومة صناعية طاقية وقد أنشأنا مصانع للألواح الشمسية والريحية، ونريد أن نطور الصناعة الطاقية عن طريق تطوير البحث العلمي والاستثمار فيه.
س. كما تعلمون معالي الوزير أن العالم اليوم يواجه تحدي التغير المناخي، كيف تقوم المملكة المغربية بدورها حيال ذلك؟
ج. يواجه المغرب التغير المناخي على صعيدين، الصعيد الدولي والصعيد الوطني. فعلى الصعيد الوطني بلادنا انتبهت منذ زمن بعيد الى موضوع التغيرات المناخية، حيث تنبأ الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه بالإشكالات الكبرى في التغيرات المناخية وخاصة إشكالية ندرة المياه، فاتخذ قراراً بالتوجه نحو سياسة بناء السدود التي مكنت المغرب من تأمين احتياجاته المائية لسنوات عديدة، والآن هناك برنامج جديد بخصوص تأمين المياه ضمن سياسة السدود. 
كما أنه لدينا  مؤسسات تٌعنى بقضية الغابات ومواجهة التصحر وعندها إمكانيات كبيرة، ولدينا مؤسسة تعنى بالأوساط الطبيعية مثل قضية الواحات، خاصة وأن المغرب هو أول دولة في العالم من حيث عدد الواحات، وهناك مؤسسة تعنى بالأحواض المائية تسمى وكالة الأحواض المائية، وكل هذه المؤسسات تعنى بعمل سياسات إستباقية ووقائية لأي تغييرات مناخية، كما أصدرنا قوانين كثيرة خاصة بالبيئة والنفايات ومرتبطة بالإنتاج النظيف.
وعلى الصعيد الدولي فالمغرب ملتزم ومساهم في كل المنتديات الدولية وهو ما توج بتنظيمه للمؤتمر الدولي للمناخ كوب 22 بمراكش ، ونعبر دائما عن رؤيتنا بوضوح ونؤمن بأنه لابد أن تتوحد جهود كل المدافعين عن البيئة والمناخ لمواجهة ما من شأنه أن يؤثر على العيش الكريم للمواطن، ودعني أقول بهذه المناسبة بأن الدول النامية الصاعدة لا تؤثر في التغيرات المناخية إلا بأقل من 10%، وفي إفريقيا أقل من 3 الى 4% ، حيث أن التأثير الأكبر يأتي من الدول الكبرى لذلك نحن نحتاج إلى تظافر جهود  الدول والمؤسسات، والمجتمع المدني والناشطين في هذا المجال، لكي نستطيع  أن  نؤثر على القرار العالمي بهذا الخصوص.
نحن نلاحظ اليوم أن هذا التيار يكبر حتى في الدول الكبرى، فالمغرب يساهم في كل المؤسسات، ونحن عضو في الكثير من المؤسسات الأفريقية، والعربية، والدولية، والمغرب حاضرٌ في كل المؤسسات الدولية، ففي مجال الطاقة نحن عضو في الوكالة الدولية للطاقة، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
س. بخصوص الأمن الطاقي، هل تعتقدون بأن المغرب يتمتع بهذا الأمر ؟
ج. إذا قلت لك بأن المغرب آمن في هذا الموضوع سأكون مجانباً للصواب لأسباب كثيرة أهمها أن العالم نفسه غير آمن، حيث أنه بلا شك أن التوترات التي تقع في العالم تهدد المنظومة الطاقية بطريقة مباشرة، فمثلاً صعود وهبوط الأسعار يؤثر على الأمن الطاقي. اليوم العالم يتحدث عن كيفية ضمان أفضل طريقة للإمداد المساند للأمن الطاقي. نحن نستورد أكثر من 90% من حاجياتنا الطاقية، لذلك نحن مرتبطون بإنتاج الوقود، بأسعاره، ومرتبطون بالخلافات التي تقع بين المتنافسين،.
الأمن العالمي يتحدث عن إمكانية ضمان أفضل إمداد مساند للأمن الطاقي، وأنا مقتنع بأن المغرب يمكن أن يساهم بشكل فعال في هذا المجال نظراً لموقعه الاستراتيجي واستقراره، وأتمنى أن تصدر مبادرات في هذا الصدد.
كما أننا نفكر في كيفية تقليل التبعية للخارج عن طريق إستعمال الطاقات المتجددة، وكيف يمكن أن نزيد من مدة الإمداد الطاقي في البلد وخاصة التخزين لمدة شهرين وهي مدة مناسبة لإيجاد البديل فيما لو حصل عجز نتيجة إشكالات المفاجئة.
أما في مجال الكهرباء فنحن نطمح لأن يكون لدينا احتياط، لقد وصلنا إلى 99.5% على مدار الساعة، ولدينا فائض لتأمين أي حاجة طارئة.
كما أننا مرتبطون بشبكات مشتركة مع أوروبا، فنحن نرتبط في هذا المجال مع إسبانيا والجزائر، ونعمل على الربط مع البرتغال والجنوب في مجال الكهرباء ، أيضاً نعمل على المزيد من الربط في مجال الغاز، وهذا يجعل من بلادنا محورا للاستثمار العالمي.
س. كيف انعكست حالة الأمن والاستقرار التي تتمتعون بها في المغرب، على حالة الاستثمار ؟ 
ج. يجب أن يحرص الجميع على الأمن والاستقرار، وبحسب الدراسات والتحليلات الموجودة لدينا، فالمستثمر عندما يفكر في الاستثمار، يكون المغرب في المقدمة لاعتبارات متعددة منها، اعتبارات أمنية، والاستقرار السياسي وبسبب المناخ المناسب في مجال الأعمال، وأيضاً الموقع الجيوستراتيجي للمغرب.
ثم هناك رؤى وهناك مخطط لكل قطاع يعطي للمستثمر صورة واضحة، بالإضافة للإستقرار التشريعي الذي يضمن عدم تأثر الاتفاقيات الاستثمارية بتغير الحكومات، حيث أن المغرب هو من الدول القليلة التي لا تتغير فيها الاتفاقيات والعقود وهناك ضمانات تضمن الاستقرار للمستثمرين.
س. ما هي الموارد التي يتمتع بها المغرب اليوم والتي من الممكن أن تكون جاذبة للمستثمرين في مجال الطاقة والتعدين؟
ج. في مجال الطاقة، بالنسبة للغاز والبترول لدينا بعض الاكتشافات لكننا متفائلون، كما لدينا ضمانات وتشجيعات في مجال الاكتشافات خاصة فيما يتعلق بالغاز لأننا بحاجة له، أما فيما يتعلق بالطاقات الأخرى، أستطيع القول أنه حتى الساعة لم نستغل إلا القليل من مواردنا الطاقية من الشمس والريح والبحر والهيدروجين.
نحن لا نفكر فقط بالسوق المغربي، بل هناك تفكير بالاستثمار في السوق العالمي، حيث أن شبكات الكهرباء ستصبح قريباً كشبكات الاتصال بالعالم، واعتقد أن العالم سيحتاج إلى الطاقات المتجددة في المستقبل. 
كما أن هناك قرارات استراتيجية خاصة في أوروبا للتحول إلى إنتاج كهرباء نظيفة ، كذلك الهيدروجين ، لكن هناك موارد معدنية بالاضافة الى الفوسفات، واليوم أطلقنا ثورة في مجال الجيولوجيا، حيث أطلقنا ما يسمى بالتخريط الجيولوجي وهو إنشاء خرائط جيولوجية في كافة التراب الوطني لتعطينا فكرة عن الموارد المعدنية لكل منطقة.
 ودعني اقول بأن المستقبل في المغرب  يحمل الكثير من المفاجآت في مجال التعدين، هذا إلى جانب أن القوانين التجارية المتعلقة بالاستثمار في قطاع التعدين قد تغيرت، وقد استحدثنا الكثير من القوانين التي تُسهل الاستثمار وتُشجع المستثمرين،  حيث أننا نحاول بذلك تبسيط الإجراءت في الاستثمار في مجال الموارد الطبيعية، فمثلاً هناك قانون الوساطة في الخلافات الذي يقلل من بطئ الإجراءات القضائية في حل المشاكل الناجمة عن التقاضي في المال والأعمال، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك إكراهات، فمثلاً هناك بطئ إداري يحتاج إلى معالجة ولذلك نحاول أن نجد حلولا للكثير من القضايا لتعود على بلدنا والمستثمر بالنفع.
س. بعد هذا الحوار المثمر المليئ بالمعلومات المهمة والمفيدة للمتابعين، ماذا تود القول للمستثمر العربي في كندا لتحفيزه وتشجيعه على التوجه للاستثمار في المغرب؟
ج. المستثمر العربي يبحث عن أماكن يتوفر فيها نوع من الاستقرار، والمغرب يتميز بهذا الأمر، كما أن المغرب يحتاج للطاقات العربية في هذا المسار التنموي، حيث أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس ومغرب الغد مع الإصلاحات القائمة ومع النموذج الذي أطلقه صاحب الجلالة والتفكير الجماعي يبشر المستثمر بالكثير.
حيث أن لدينا الآن أكثر من 3 ألاف شركة دولية تستثمر في المغرب سواء متوسطة أو كبرى بالإضافة إلى آلاف الشركات المغربية، كما نحتاج إلى إستثمار في كافة المجالات وليس فقط في قطاع الطاقة. 
س. معالي الوزير ، هل بالإمكان أن تحدثنا عن العلاقة بين المملكة المغربية وكندا في مجال الاستثمار في الطاقة؟ 
ج. علاقة المغرب مع كندا علاقة جيدة وتتعزز بإستمرار، ومؤخراً حكومة مقاطعة كيبيك أصبح لديها ممثلية في المغرب، وهناك آلاف من الشباب والمسؤولين المغاربة تلقوا تعليمهم في كندا، حيث أنه في هذه الحكومة هناك ثلاثة وزراء درسوا في كندا، ولذلك هم يعرفون الإمكانيات الكبيرة لتعزيز التعاون مع كندا، كندا متطورة في مجال الطاقة، وهناك تعاون في البحث العلمي في هذا المجال، ووقعنا اتفاقية في مجال التدريب والتطوير، ولذلك يستطيع إخواننا العرب في كندا أن يلعبوا دوراً مهماً في التقريب بين كندا والمغرب، ونحن جاهزون لمزيد من التطور في هذه العلاقة.
أخيراً، أشكركم معالي الوزير على هذا اللقاء المثمر الذي تضمن معلومات قيمة ومهمة ونتمنى لكم وللمغرب مزيد من الرفعة والتقدم.
ج. وأنا بدوري أشكركم على حضوركم واهتمامكم بتسليط الضوء على المملكة المغربية، ونتمنى لكم كل التوفيق.