"لا تكن ورقة مفتوحة"ذكرتني هذه العبارة بكثير من النّاس الّذين تكون كلماتهم إلى البوْح بها أسرع من كتمها في سرائرهم، كانت هذه العبارة افتتاحًا لنصيحة أجراها إبراهيم مفيد الوحش – في رواية نهاية رجل شجاع- حيث أتبعها قائلًا:" الورقة هي القلب، لا تفتح قلبك إلّا لمن تثق به، وباحترازٍ شديد. احتفظ دائمًا بأفكارك الّتي لا فائدة للنّاس فيها. صن الأشياء الّتي قد تندم لأنّك كشفت السّتر عنها".
رغم أنّ المكاشفة قد تكون ملاذ مكلوم وراحة مهموم، إلّا أنّها قد تكون نهاية لشجاعة، وانتهاكًا لقوّة القلب- إذا ما وُجّهت لصاحب ثقة.
أصبحت أعظم الإنجازات تكمن اليوم في مَن يستطيع تسليط الضّوء أكثر على حياته، ومن يبقيها واضحة المعالم شفافة أمام الجمهور، وكلّما تمّ التّجرّد من الخصوصية وتوجّهت الكاميرات إلى مفاتيح قلبه كلّما ازدادت مشاهداته وأصبحت الأموال لعبته، فالتقييم اليوم في فضاء الميديا قاسٍ ويحبّ التّدخّل في ما لا يعنيه، ومعظم النّاس بطبعهم فضليّون في معرفة حياة الآخرين، فالمولع بتصوير حياته وقضاياه النّفسيّة أصبح وحيدًا تمامًا، لا يوجد من يغسل له روحه؛ فقد كشف السّتر عن كلّ الأشياء الّتي قد يندم عليها أمام النّاس وما بقي لنفسه شيء يحتفظ به؛ لأنّه يلهث خلف إعجابات تسمن عوض أن تغني من جوع.
ولهذا انتشرت عيادات العلاج النّفسيّ بأشكال ومسميّات جديدة تتناسب مع نزعات الإنسان المغرورة، لقلّة الثّقة بالآخرين وانعدام المستمعين الجيّدين، فالآخر الّذي يستمع لك يستمع أيضًا لذاتك ولنقاط ضعفك فإن لم يكن أهلًا لذلك فأوّل ما يعرضه عليك بطولاته في حلّ كلّ مشكلاته ويفرض عليك تطبيق حلول نظريّة لينهيَ الحوار وليُرضي الأنا المتعالية عنده، وليس هذا هو المستحقّ لئن يراك ويعرف حقيقتك، فمن يريد حلًا لمشكلته يسأل الشّبكة العنكبوتيّة ولن تبخل عليه بذلك! بل يريد المتحدّث لمن يسمعه ولا يقدم له حلًا، فأحيانًا يريد وصفات تخديريّة لا حلولًا قطعيّة، وأحيانًا يحكي فقط ليرتاح ويشعر بوجوده، مع صون ماء وجهه أمام نفسه أوّلًا.
المرء بحاجة إلى خليلٍ حينها فعلًا سيكون قلبه ورقة مفتوحة، فالمكاشفة تحتاج إلى ذات أخرى تعرفها أوّلًا لترتاح أخيرًا فهي تجعله نقيًّا صافيًا إن كان من يسمعه يداويه كما يحبّ.
بقلم: ملك أبو طوق