غربة الأخلاق خطر يهدد أبناءنا في دول المغترب ـ أحمد الصالح

كثيراً ما نتباكي ونحزن على غربتنا عن أوطاننا، ولكننا ننسى التباكي على غربة أخطر بكثير، وهي غربة الأخلاق، حيث أنّ العواقب العميقة لاغتراب مجتمعاتنا العربية والمسلمة عن أخلاقها، وخاصة خارج أوطاننا، كان له الأثر السلبي الكبير في تشويه صورتنا أمام بعضنا البعض، وأمام المجتمعات الأخرى. 

ما هي غربة الأخلاق؟ 

هي الحالة التي تصبح فيها الأخلاق خارج الحسابات الاجتماعية، بحيث تتآكل القيم، ويتم التخلي عن المبادئ، وتضيع بوصلة الإحساس بالذنب، وغياب الوازع الأخلاق للفرد أو المجتمع بشكل عام. 

تتكاثر هذه الظاهرة ـ مع الأسف ـ في الجاليات العربية والمسلمة خارج الأوطان، وإن كنت لا أريد أن أتكلم بخطاب تعميمي، ولكن تسليط الضوء على الظواهر السلبية مهم جداً، وضروري، لتشخيص مرض خطير يفتك بنا خارج بلادنا، ويزيد غربتنا غربة، ويؤثر على واقعنا ومستقبلنا. 

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. 
عندما كنت في صفوف الدراسة سمعت لأول مرة بأبيات شعر لأمير الشعراء أحمد شوقي يقول فيها: 

والصدق أرفع ما اهتز الرجال له               وخير ما عوّد إبناً في الحياة أبُ

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت                     فإن هم ذهبت أخلاقهم   ذهبوا

وقد شعرت بقيمة هذه الأبيات في مواطن عديدة من غربتي التي امتدت لثمانية سنوات، من تجاربي الشخصية بدايةً، ثم القصص والوقائع التي رأيتها أمامي، أو عاينتها، ومع الأسف بينما كان المسافر أو المهاجر في الأزمان السابقة سفيراً لقومه، ينقل أخلاقهم وقيمهم، وآدابهم، تحولت الهجرة والغربة اليوم إلى حافز للانسلاخ من القيم والمبادئ عند الكثيرين. 

كم سمعنا عن نساء عربيات في أوروبا استغلت القوانين الأوروبية المنحازة للمرأة لتنسلخ من الحياة الزوجية المستقرة، أو كم سمعنا عن ظهور أفكار غريبة عن قيمنا وقيم مجتمعنا التي تربينا عليها. 

بل على المنصة الاجتماعية الجديدة "تكتوك" صرنا نشاهد طامات كبرى، تنبئ بأسر متفككة لا قيمة فيها للأخلاق والمبادئ، بل هي مبنية على أساس مادي، وعلى حب الشهرة، ولو على حساب الفضائح!!.

فأي بقاء نرجوه لمجتمعاتنا وقد تآكلت قيمها وتغربت أخلاقها بشكل مرعب جداً، وخاصة مع نشوء أجيال جديدة قد تجد هذه النماذج اللاأخلاقية قدوات لها في المستقبل.

نماذج من أشكال اغتراب الأخلاق والقيم في الغربة

هناك العديد من الأشكال التي يمكن ملاحظتها في بعض المغتربين ممن تخلوا عن أخلاقهم وقيمهم وباتوا يعانون من مشكلة غربة الأخلاق، مثل: 

ـ التركيز على الجوانب المادية البحتة في العلاقات الاجتماعية

ـ بناء الصداقات والعلاقات على أساس المصلحة والنفع فقط 

ـ انتشار الغدر والخيانة والمكر والخديعة 

ـ غياب الرادع الديني والأخلاقي 

ـ التخلي عن الاستقرار العائلي 

ـ الغرق في الأفكار البعيدة عن مناهجنا الأخلاقية، مثل الشذوذ.

ـ إباحة المحرمات، وعدم الورع في الكسب إن كان حلالاً أو حراماً 

ـ ضياع المسؤولية في تربية الأبناء 

ـ الرغبة في الصعود على أكتاف الآخرين، وانتشار مفاهيم "الوصولية" 

ـ التمرد على القيم المجتمعية والدينية الراسخة 

ـ مهاجمة المجتمعات العربية وأخلاقها، وجعل ذلك مادة إعلامية للشهرة والانتشار

ـ التركيز على الفوقية الغربية، واحتقار الذات أمام هذه الفوقية

ـ انتشار الاستغلال 

ـ انتشار الغش والكذب 

ـ شيوع الخيانات الزوجية، وخيانات الأصدقاء، وعدم احترام الروابط المجتمعية والعشرة

عواقب ضياع الأخلاق على مجتمعاتنا العربية في المغترب 

إنّ غربة الأخلاق التي نتحدث عنها قد تكون لها العديد من العواقب التي لا تُحمد مطلقاً، وقد تكون أساساً لانحراف كبير في العلاقات الاجتماعية، ومعاني القيم والمبادئ لدى أبنائنا في المستقبل، ومن أمثلة هذه العواقب: 

ـ انعدام الثقة بين أفراد المجتمع، وبناء العلاقات فقط على أساس المصلحة. 

ـ غياب العدالة والإنصاف

ـ فقدان التعاطف والتواصل الإنساني 

ـ الانشغال عن القضايا المحورية في دولنا ومجتمعاتنا، بمشاكل وخلافات تافهة ولا قيمة لها

ـ زيادة مشاعر التمييز والفوقية لدى المتفوقين في ميادين الشهرة اللاأخلاقية 

ـ انهيار الروابط بين المجتمعات

ـ الانحلال الأخلاقي، والوصول إلى مرحلة "كل شي مباح" أو ما يعرف بـ "تطبيع السلوكيات السيئة".

ـ انعدام المساءلة عن أفعال الأشخاص، وغياب المعيار الأخلاقي في المساءلة إن وجدت

هل يمكننا معالجة هذه المشكلة؟ 

نعم بكل تأكيد يمكننا ذلك، حيث أنّ التفكير بالحلول لمشكلة غربة الأخلاق يقودنا إلى العديد من الطرق المناسبة لعلاج هذه الأزمة الأخلاقية والمجتمعة، والتي تتمثل بما يلي: 

ـ التركيز على تعليم الأخلاق، وإجراء مناقشات وحوارات أخلاقية باستمرار بين الأفراد المغتربين، وخاصة الأطفال، للمساهمة في تطوير بوصلة أخلاقية متينة. 

ـ تعزيز مشاعر التعاطف والرحمة من خلال البرامج المجتمعية ذات الصلة. 

ـ التشجيع على المشاركة في الأعمال التطوعية. 

ـ مناهضة الأفكار والمناهج التي تعزز غربة الأخلاق. 

ـ تفعيل الشعور بالمسؤولية لأفراد المجتمع ومؤسساته تجاه السلوكيات غير الأخلاقية، وهذا أمر مهم جداً للحد من غربة الأخلاق من خلال جعل هذه السلوكيات منافية للقيم المتعارف عليها، ومحط انتقاد ومساءلة. 

ـ إبراز القدوات الأخلاقية المحترمة، ومحاربة القدوات اللاأخلاقية المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة. 

ـ الوصول إلى أفراد المجتمع عبر منصات التواصل الاجتماعي لكن ببرامج واستراتيجيات مخالفة لطرق الشهرة المنتشرة حالياً، وذلك لمزاحمة اللاأخلاقيين في مناطق نشاطهم.