آخر الأخبار

طاب ودكم فليس بعد الود كلام ....

كنت أود الكتابة بالتفاصيل عن عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية السعودية الكندية بعد إنقطاع طال وقته بسبب الخلاف على عدد من الملفات كل كان له وجهة نظره فيها، وعادت على أساس حفظ المصالح فيما بين البلدين وبدون التدخل بالشؤون الداخلية لكل منهما.
أتمنى أن يكون الود  هو الأساس في عودة هذه العلاقات بين البلدين الهامين وذلك لأن هامش الإلتقاء أكثر بكثير من العوامل الخلافية التي بالإمكان ضبط إيقاعها كون أن المصالح المشتركة بين كندا والسعودية كثيرة،  وبالإمكان الإستثمار فيها والعمل على تطويرها بما يخدم الرؤية المشتركة لقيادة البلدين،  وهم الذين باتوا يتمتعون بالخبرة والحنكة والحكمة التي تؤهلهم للحفاظ على هذه العلاقة في وضعها الطبيعي بدون المساس بها مرة أخرى .
هذا بدون شك سيمنح السعودية مكانتها العربية والدولية التي تتطلع إليها وتعمل على تحقيقها وهي بلا شك تستحق ذلك، وبالمقابل سيمنح كندا الفرصة لتطوير العلاقة مع هذا البلد العربي الهام والواعد بإقتصاده وتطوير بنيته التحتية،  والذي بدوره يمكنه التأثير على مواقف بقية الدول العربية، وبالتالي تطوير العلاقة السياسية والإقتصادية والتجارية مع هذه المجموعة العربية للنقطة التي تحقق مصالح كندا على كل المستويات .
من هنا وجدت أن الود حتى لو كان مفهومه إنسانياً والبعض يرى أن لا مكان له في العلاقات السياسية والإقتصادية إلا أنني أجد أنه قد يكون موضوعاً ذات صلة وقد يمنحني الفرصة للتعبير بالتورية عما أريد قوله في مقالي هذا خاصة إن تآلفت الرؤى والتقت المصالح بود دون التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين ، فالود والمحبة بين الأشخاص حتى لو كانوا قادة دول ومجتمعات ، هي من أجمل الصفات التي يبقى الجميع يبحث عنها، عندما يتعاملون مع بعضهم البعض بشكل عام، حيث أن الود يفسح المجال أمام فهم لغة الحياة وتبادل المصالح التي تجعلنا نشعر بالحب المتبادل الذي تحتاجه الإنسانية جمعاء سياسياً ومهنياً وإقتصادياً وتجارياً وعلى كل المستويات، وهذا سيكعس دفئ العلاقات أيٍ كان نوعها سواء الأسري أو المجتمعي بما ذلك بين الشعوب، مما يخلق شعوراً بالأمان لإطلاق حالة إبداعية شاملة تؤسس للأجيال المتعاقبة جيل بعد جيل على أساس لغة الحوار وتغليب الحفاظ على ضروريات التعايش حتى لو كان هناك جبال من التناقضات.
لذلك قيل في الود الكثير الذي يستحق التأمل سواء في الإلتقاء أو في حالة التناقض التي تحتاج لهذا الود  لإذابة جليد الخلاف أي كان.
حيث أنه  ما أقبح القطيعة بعد الصلة والتواصل، والجفاء بعد المودة، والعداء بعد الاخاء والعلاقات الطبيعية، نعم هذه هي القباحة بعينها،  وبالتالي لابد من تجاوز كل مسببات ذلك والإلتفات لكل مقومات البناء والتلاقي والإلتفاف حول الخلافات لضمان تجاوزها مبكراً بدون خسائر تصيب طرفي الخلاف.
إن الود صفة لا يمتلكها الجميع حيث أن الإنسان الودود بإمكانه  التعاطي مع كل التحديات بحكمة تجعل له القبول في وضع آليات الحلول والتلاقي من خلال بذل جهود آمينة وصادقة حتى لو كانت مضنية ولكنها ستعمل دائماً على اللُحمة وتلاقي وجهات النظر مهما كانت متطلبات الأساسيات المبنية عليها هذه العلاقات سواء الإنسانية أو الدولية أو ما بين الشعوب.
إن الود صفة لا يحظى بها الجميع حتى لو كانوا كبار في العمر والمقام ، بل إن صفة الود هي قدرات فكرية وسلوكية بعضها مكتسب وبعضها هبة من خالق الأرض والسماء، حيث يتقن الودود إستخدامها والإستثمار فيها ليصبح ذات  بصمة مؤثرة لخدمة الهدف النبيل الذي يسعى من أجل تحقيقه ويفضل أن يكون دائماً في الظل ولا يكون في المشهد العام.
وكما تعلمون أن هناك كثيرين هم من يرغبون بالتحلي بصفة الود وهذه هي الفطرة الإنسانية ولكن ليس كل منا يستطيع أن يحظى بها، فمن منا لا يرغب بأن يعيش الحب والمحبة والتحابب بين الأهل والأصحاب والأقارب والأصدقاء ومختلف الشعوب في كل ترحال له عندما تكون العلاقات طبيعية، والذي هو مصدر للسعادة والسرور، فالإنسان السعيد هو الإنسان المحاط بأشخاص يودهم ويودونه في كل مكان نزل فيه أو رحل إليه سواء على المستوى الشخصي أو الأسري أو المهني أو حتى السياسي والإقتصادي والتجاري،  ليعود بذلك بقيمة حقيقية لنتائج مرجوة بذلت جهود كبيرة من أجل تحقيقها.
بالمقابل فإن متصنع الود تفضحه الشدائد ومتصنع الأخلاق تفضحه الخصومة، حيث أن مُتصنّعَ الوِدِّ لا يُؤتمن، وفاضِح السرِ لا يُؤتمن، وناكِرَ الجميلِ لا يُؤتمن، وكاسِر الخواطرِ لا يُؤتمن، ومن يأتيك وقت فراغِه لا يُؤتمن، وإن لم تتخذ الحذر مما سبق، فأنتَ على نفسِك لا تُؤتَمَن! ، فليس كل من إدعى وده هو بالضرورة دوداً حتى لو ظهر من الخارج جميلاً،  فكثير من الغدر والخيانة وتخريب العلاقات الإنسانية وحتى على مستوى الدول والشعوب تأتي من جانب من يدعون الود وهم ليسوا ذو صلة بذلك لا من قريب ولا من بعيد.
لذلك أجد أن الذي يبيع الكلام بدون إخلاصٍ لكلّ حرفٍ ينطقه، فإنّ كلماته بالتأكيد ستفقد معانيها، بسبب الرياء والادّعاء والتملّق ، فكم من معارك وتصادمات وحتى حروب كانت بسبب من يدعون الود وهو منهم براء.
خلاصة القول،  سلام لمن صان الود، وحفظ الوصل، لا يغيره تقلب المزاج ولا شدة الظروف وسلاماً للمُسالمين الذين يزرعون ورداً في القلوب التي تحتاج ذلك إن استطاعوا، وإن عجزوا، يمرّون مرور الكرام لا يقطفون..... سلام لكل الذين صالوا وجالوا من أجل الوفاق ومن أجل عودة العلاقات ومن أجل المستقبل الذي يُبشر بأنه سيكون هناك طفرة في البناء والرخاء والإزدهارّ.