حوارية للشاعر موفق نادر

حِواريّة 

قالتِ المرأةُ :

أيها الوطن

لا تُقصِني عن حلْمك 

فأنتَ 

من ضلعكَ عجنتني

ومن لُهاثكَ صُغتَ نبضي

أنتَ 

أوّلُ من ناغى على صدري

وسالَ حليبي

طافراً من شفتيهِ النَّهمتين

أنتَ 

مَنْ رتّل اسمي

على حوافِ الوديان

ووهب الريح عطرَ خصلاتي النَّافرة

فكيف لي

أنْ أكون بعيدةً عن جبينكَ الوضّاء

وعن أنفاسك َالجامحة ؟!

قال الوطنُ للمرأة :

نهشتِ الوحشةُ عظامي

ويداكِ الدافئتان 

ما عادتا تجوسان جسدي الباردَ

اعتلي جبيني

مثلما كنتِ لحظةَ الولادة

ولتكنْ أنوارُ شوقكِ

وهو يفتضُّ الأمداءَ

مُرشداً لخطاي

يا امرأةَ البهاءِ السّرمديّ

لستُ منفىً لنشوتكِ الخامدة

أنا عيناكِ

حين تبدعان قصائدَ الدّهشة

ويداكِ حينَ تبذرانِ حقولَ الوجدِ

بالخضرة الرّاعفة !

قالتِ المرأةُ :

أنا أُنثاكَ البريّةُ

أكونُكَ ولا أُفارقك

أجيئك مفعمةً بالغَمام

لأطهّركَ من آثام بنيكَ الزّائفين

أمتزجُ بدم الشهداءِ

على عتباتكَ

وأدراجكَ العالية

فيصهلُ وجْدٌ مقدّسٌ بينَ ضلوعي

لستُ عشيقتكَ التي تحرسُ قدميكَ

وأنتَ تغفو ملوّثاً بالشّهوة

أنا فؤادُكَ المعروقُ بلُهاث النُّبل

ومجدِ الآباءِ الطَّيبين 

فكُنْ لي كما أنا لكَ

أيُّها الولد ُ

العاقُّ

البارُّ

يا عاشقي

وخائني

ونديمَ خمرتي المعتَّقة 

في دنِان الدّموع والشَّهوة

أيُّها الملكُ

الرّابضُ على عرش لهفتي

يا سوادَ عينيَّ الرّاعشتين

بخوف الفَقدِ

وشهوةِ الرّحيل !

قال الوطنُ للمرأةِ :

هاتي يديكِ

اصعدي إلى ذروة شوقي

لتستشرفي كم من الشّموس

انطفأتْ تحتَ أهدابي

لا تلتفتي إلى الساحات

لكيلا ترَي المشانق 

في السّاحات الشّاسعة

كوني كاتمةَ أسراري

وأنتِ تصعدين إليَّ

أشيحي بصرك عن فزّاعات الحقول

والأعشاش الخَربة

والأسنان المقلوعة في الظُّلمة

أصمّي أُذنيكِ عن النَّهنهاتِ

التي ستزداد توحُّشاً

كلَّما أَوغلتِ في الصُّعود

قد ترتعشُ خطاكِ

إذا أصغيتِ إلى حقول القَصَبِ

وهي تنوحُ عندَ الضّفاف 

أيّتها المرأةُ

ليكنْ لك قلبٌ من حجر

ويدانِ من مرمرِ اللهفة 

كونيني لأكونَكِ

فنكونُ

وقفتِ المرأةُ

تخشّبتْ قدماها فجأةً

 ومن تحتِ أهدابها السّابغة

فاضَ نهرٌ من نشيجٍ مكتوم

بكت

ثم بكت

ومن يومها

والأوطانُ ليست سوى

بحيراتٍ من الدّموع .