دخلت الهدنة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حيَّز التنفيذ، مساء الاثنين، وسط تحذيرات أطلقتها الأمم المتحدة من بوادر لإضفاء الطابع القبلي والعرقي على النزاع في السودان، وتأكيدات من قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بحسب تسجيل صوتي منسوب له، بأنَّ قواته لن تتراجع قبل إنهاء ما وصفه بـ"الانقلاب".
وبدأت الهدنة في تمام الساعة 19:45 بتوقيت جرينتش بهدف السماح بإيصال المساعدات الإنسانية، ويفترض أن تستمر لـ7 أيام قابلة للتجديد، تنفيذاً لاتفاق وقعه ممثلو الجيش السوداني والدعم السريع، السبت، بمدينة جدة في السعودية بوساطة سعودية أميركية.
وخلال إحاطة، الاثنين، أمام مجلس الأمن الدولي، قال المبعوث الأممي إلى السودان فولكر بيرتس إنَّ الصراع في البلاد "لم يظهر أي بوادر على التباطؤ على الرغم من الإعلانات المتكررة لوقف إطلاق النار من كلا الجانبين"، محذراً من بوادر لإضفاء الطابع القبلي والعرقي على النزاع.
وأكد المبعوث الأممي أنَّ "أياً من الطرفين لم يظهر حتى الآن القدرة على إعلان انتصار عسكري بشكل حاسم"، محذراً من أنَّ القتال يدمر الأرواح والبنية التحتية.
ضحايا ومهجرون
وأشار بيرتس، إلى أنَّ المدنيين دفعوا ثمناً باهظاً لهذا "العنف العبثي"، مبيناً أنَّ القتال المستمر منذ 15 أبريل بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تسبب في مصرع "أكثر من 860 شخصاً بينهم 190 طفلاً وجرح 3,500 آخرين".
وكشف بيرتس، أنَّ "الكثيرين لا يزالون في عداد المفقودين، بينما نزح أكثر من مليون شخص لجأ أكثر من 840 ألفا منهم إلى مناطق أكثر أمناً من البلاد، فيما عبر 250 ألفاً الحدود السودانية.
واعتبر بيرتس أنَّ هذه الأرقام "لا تعكس القصص المروعة لآلاف الرجال والنساء الذين هجروا منازلهم وقاموا برحلات شاقة استمرت لأيام بحثاً عن الأمان عبر الحدود. ويواصل الكثيرون الانتظار لأيام وأسابيع عند المعابر الحدودية لتأمين المرور".
اشتباكات قبلية
وحذَّر المبعوث الأممي إلى السودان، من أنَّ إضفاء الطابع القبلي للصراع "يهدد بإغراق البلاد في نزاع طويل الأمد تمتد تداعياته إلى المنطقة".
وأوضح أنه "في الجنينة بغرب دارفور، على سبيل المثال، تصاعدت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى أعمال عنف عرقية في 24 أبريل، حيث انضمت الميليشيات القبلية إلى القتال وحمل المدنيون السلاح للدفاع عن أنفسهم".
وأضاف المبعوث الأممي: "كما وردت أنباء عن بوادر مقلقة عن الحشد والتعبئة القبلية في جنوب كردفان والنيل الأزرق".
واتهم بيرتس، الأطراف المتحاربة، بأنها تواصل القتال في الخرطوم ودارفور وأماكن أخرى، دون مراعاة كافية لقوانين الحرب وأعرافها، مشيراً إلى تعرض المنازل والمتاجر ودور العبادة ومنشآت المياه والكهرباء للدمار أو الضرر.
وحذَّر من أنَّ "قطاع الصحة على وشك الانهيار مع إغلاق أكثر من ثلثي المستشفيات، وقتل وإصابة العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية، ونفاد الإمدادات الطبية"، مشدداً على أن التقارير المتكررة عن استخدام المرافق الصحية كمواقع عسكرية "أمر غير مقبول".
وأعرب عن انزعاجه إزاء التقارير التي تتحدث عن ارتكاب "عنف جنسي" ضد النساء والفتيات، بما في ذلك مزاعم الاغتصاب في الخرطوم ودارفور، لافتاً إلى أنَّ الأمم المتحدة تعمل على التحقق من هذه الحالات، داعيا الأطراف المتحاربة إلى منع تكرار مثل هذا العنف.
كما أعرب بيرتس عن بالغ قلقه إزاء التقارير التي تتحدث عن أعمال نهب، وتفاقم الإجرام نسبة لإطلاق سراح آلاف السجناء وتزايد انتشار الأسلحة الصغيرة.
وأضاف: "كما أنني قلق بشأن التقارير التي تتحدث عن تهديدات القتل ضد النشطاء السياسيين والقادة السياسيين، واعتقال المتطوعين، وترهيب الصحفيين".
4 أولويات فورية
ودعا بيرتس، طرفي الصراع إلى "الانخراط بجدية في المحادثات بحسن نية من أجل الوقف الحقيقي لإطلاق النار، مع وجود آلية مراقبة قوية".
وقال إنَّ الأمم المتحدة لا تزال ملتزمة بشدة بـ"4 أولويات فورية"، وهي: تحقيق وقف إطلاق نار مستقر بآلية للمراقبة، ومنع تصعيد الصراع أو إضفاء طابع عرقي عليه، وحماية المدنيين وتقديم الإغاثة الإنسانية، إضافة إلى التحضير عندما يحين الوقت، لعملية سياسية جديدة بمشاركة مجموعة واسعة من الفاعلين المدنيين والسياسيين، بمن في ذلك النساء.
وأشار إلى أنَّ الأمم المتحدة، تبذل قصارى جهدها لتوسيع استجابتها في جميع أنحاء البلاد، ولا سيما في المناطق التي تشتد الحاجة فيها للمساعدة.
لكن المبعوث الأممي قال، إنَّ هناك حاجة ماسة إلى تمويل إضافي، مشيراً إلى أنه تم إطلاق خطة الاستجابة الإنسانية المنقحة في 17 مايو، للحصول على 2.6 مليار دولار بغرض الوصول إلى 18 مليون شخص بالمساعدات الإنسانية مقارنة بـ15 مليونا قبل القتال.
الوساطة السعودية الأميركية
ورحب بريتس بالوساطة "السعودية الأميركية" التي أدت إلى توقيع إعلان التزام بحماية المدنيين في 11 مايو الجاري، وإلى اتفاق لوقف إطلاق النار مدته 7 أيام وترتيبات إنسانية في 20 مايو، مشيراً إلى أن الاتفاق يدخل حيز التنفيذ الليلة.
وحثَّ بيرتس الطرفين على الالتزام بالإعلان، والسماح بوصول الإغاثة الإنسانية، وحماية العاملين في المجال الإنساني والأصول، والسماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق القتال.
وأوضح أنَّه "ينسق بشكل وثيق مع منظمي محادثات جدة والشركاء السودانيين العاملين من أجل السلام"، معبراً عن شكره لقادة الحركات المسلحة على جهودهم لـ"إعادة السلام وحيادهم في هذا الصراع".
وشدَّد على أنَّ "سلاماً دائماً في السودان لا يمكن رسم ملامحه إلا من خلال عملية انتقال ذات مصداقية بقيادة مدنية".
وأعرب عن تقديره للجهود الإقليمية والدولية لإنهاء القتال في السودان بشكل عاجل، مشدداً على ضرورة تنسيق الجهود لصياغة نهج مشترك يشمل جيران السودان والمنطقة، ومؤكداً أنَّ الأمم المتحدة ستواصل العمل بشكل وثيق مع الشركاء في الآلية الثلاثية، والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد) لدعم هذه الجهود.
حميدتي: لن نتراجع
وقال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الاثنين، في تسجيل صوتي منسوب له، إن قواته لن تتراجع عن موقفها إلا بإنهاء ما وصفه بـ"الانقلاب" و"محاكمة كل من أجرم في حق الشعب، والعودة إلى المسار الديمقراطي".
واتهم حميدتي في الرسالة الصوتية التي نُشرت عبر حسابه على تويتر، الجيش السوداني بنشر الفوضى بإطلاق سراح المساجين من جميع السجون بولاية الخرطوم بمن فيهم قادة "النظام البائد".
وقال حميدتي إن قواته لا تضمر عداءً للقوات المسلحة وإنما المشكلة مع "من اختطفوا القوات المسلحة"، على حد تعبيره.
ودعا الشعب السوداني إلى الوحدة ونبذ الخلافات وعدم الاستجابة لدعوات المتطرفين مشيراً إلى أنَّ قواته "تبذل جهداً لإعادة تشغيل المؤسسات الخدمية بما في ذلك الكهرباء والمياه".
كما دعا حميدتي أهالي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور إلى وقف القتال فوراً.
وسقط المئات مع تجدد الاشتباكات بمدينة الجنينة في غرب دارفور. وتحول الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في الجنينة إلى مواجهات بين القبائل العربية وقبيلة المساليت، مما أدى إلى فرار الآلاف إلى تشاد ومدن أخرى بالإقليم، وفقاً لمراقبين.
مالك عقار: الأولوية لوقف النار
من جانبه، قال نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار إنَّ أولوياته في المرحلة القادمة "العمل مع الأصدقاء في المحيط الإقليمي والدولي للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار".
والتقى عقار، الاثنين، رئيس جنوب السودان سلفاكير ميار ديت، لمناقشة تطورات الوضع الراهن في السودان، ومجريات الحرب والتعبئة المستمرة لها، وتأثيراتها على الاستقرار الإقليمي وفرص تسوية الأزمة.
ووفقاً لبيان صادر عن مكتب عقار، أكد الأخير خلال اللقاء أنه "سيعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتذليل كافة العقبات التي تقف في طريقها سعياً وراء استعادة الحياة بشكل طبيعي قدر الامكان للمواطنين السودانيين".
وبحسب البيان، اتفق الطرفان على استمرار التواصل والتنسيق بينهما للدفع بعملية فاعلة لانهاء الحرب في السودان بأسرع ما يمكن.
سريان الهدنة
ووقَّع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، السبت، اتفاقاً في مدينة جدة السعودية لهدنة جديدة تستمر 7 أيام قابلة للتجديد، بغرض إيصال المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة الشعب السوداني، وسط اشتباكات وقصف متبادل بين الطرفين.
وأبلغ الطرفان الوسطاء السعوديين والأميركيين التزامهما بعدم السعي وراء ميزة عسكرية خلال فترة الإخطار البالغة 48 ساعة بعد توقيع الاتفاقية وقبل بدء وقف إطلاق النار، الذي يدخل حيز التنفيذ في الساعة 09:45 من مساء الاثنين بتوقيت الخرطوم.
وشهدت العاصمة السودانية الخرطوم تبادلاً للقصف المدفعي وغارات جوية، في وقت متأخر من ليل الأحد وصباح الاثنين، وذلك قبل ساعات من دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حيز التنفيذ مساء الاثنين.
والأحد، جدَّد مسؤول الشؤون الإنسانيّة في الأمم المتحدة مارتن جريفيث دعوته إلى "إيصال المساعدة الإنسانيّة في شكل آمن"، فيما يحتاج أكثر من 25 مليوناً من سكان السودان، أي أكثر من نصف السكان الذين يناهز عددهم 45 مليوناً- إلى مساعدات، وفقاً لـ"فرانس برس".
وفي حال استمرار الحرب، قد يلجأ مليون سوداني إضافي إلى الدول المجاورة، وفق الأمم المتحدة.