الفتنة عمل شرير يحتاج إلى تصويب الفكر والسلوك!..

مع بداية العام الجديد لا يسعني إلا أن أبدأ مقالي هذا بأن أرسل لكل قراء ومحبي ومتابعي عرب كندا نيوز أجمل الأمنيات بأن يكون عاماً مليئاً بالحب والعطاء وتحقيق الأمنيات وان تكون بلدنا العظيك كندا دائماً بألف خير وتنعم بمزيد من الأمن والأمان و الرخاء والإزدهار.
من هنا أبدأ فكرتي لهذا المقال والذي يتمحور حول الفتنة وتأثيرها على استقرار المجتمعات،  حيث أن مروجي الفتن هم من أصحاب النفوس المريضة الذين يستغلون أي فرصة للعبث بكل ما هو جميل من أجل مصالحهم الفردية الضيقة ضاربين عرض الحائط بالمصلحة العامة، هؤلاء يتكاثرون إذا توفرت لديهم التربة الخصبة لممارسة سلوكياتهم غير السوية.
لقد تعلمنا ونحن صغار ما حذرتنا منه عقيدتنا الفطرية وديننا الحنيف بأن الفتنة أشد من القتل،  بالرغم من أننا لم نكن ندرك مدى خطورة ذلك، وما تحمله هذه المقولة التي جاء بها القرآن الكريم في سياق أحداث معينة لسنا بصدد الخوض في تفاصيلها ، ولكن في تقديري أن لها  أبعادأً إنسانية عظيمة إن  تعمقنا في جوهر هذا المعنى ومضمونه وسخرناه لما يواجه مجتماعتنا من تحديات هائلة في عصرنا هذا .
نعم إن الفتنة هي عمل شرير وبربري  يرتكز على سلوكيات إنسانية غير منضبطة وغير سوية وما أكثرها في زماننا هذا الذي انتشرت فيه الأحقاد والحسد بشكل واسع، وقد بدأنا نتلمس مخاطره في كل تفاصيل أيامنا،  حيث أنه لا يكاد يمر علينا يوم واحد بدون أن نسمع حكاية مؤلمة سببها أمر من هذا القبيل.
إن ما يعتمل في وجدان الشباب وعقولهم اليوم بات أكثر صخباً ومأساوية مما يجري في واقعنا والظروف الصعبة التي يواجهها المهاجرين في المغترب،  فالعالم من حولهم يبدو في حالة من الفوضى في ظل غياب تفسير مقنع لما يحدث نتيجة الحروب والصراعات والتنافس حول السيطرة وما يصاحبه من وضع إقتصادي صعب .
كما أن هذا قد أثر على قناعات البعض ويتسبب في حالة من اليأس والإحباط حيث أنه من الممكن أن يصبح هؤلاء من الذين يؤمنون بأنه لم يعد هناك شيء يمكن الوثوق به والتعويل عليه، لا الدولة، ولا الوطن، ولا الأمة، ولا العالم المتقدم، ولا النخبة، ولا الأيديولوجيات، ولا المسلمات. 
لا شيء من هذه المسميات يبدو اليوم جذاب في نظرهم أو في حالة صلابة حتى يتم الإلتفاف حوله في مواجهة دوامة العاصفة القوية التي تجعلهم يواجهون حالة الضياع الفكري  التي يعيشونها. 
وأصبح هناك قناعة بأنه لا أمل بالوصول إلى جزيرة الأحلام التي ركبوا إليها السفن والطائرات وتجاوزوا كل التعقيدات ، سفنهم التي يحطمها قراصنة العمل المضاد للنجاح من رواد صناعة الفتن بكل قسوة ونذالة.
نعم  لا شيء أقسى من اليأس وانطفاء جذوة الأمل خاصة في المهجر عندما تتهاوى كل الأحلام أمام أعين هؤلاء المهاجرين، وتخرج من بين الغبار كائنات متوحشة قبيحة، تستخدم كل إمكانيات البسطاء لتجعل منهم ضعفاء لإفساح المجال أمام إستغلالهم والمتاجرة بأحلامهم ومستقبلهم في صورة بشعة وشريرة.
إن أباطرة الشر هم رواد نشر الفتن وصناعتها في كل مكان وفي أي زمان ، وهم  الذين لم يكتفوا فقط بحب السيطرة والإنتفاع على حساب آمال وتطلعات وأحلام هؤلاء البسطاء وإنما تجاوزوا ذلك بكثير وباتوا يسرحون ويمرحون في ضرب كل عمل وحدوي خارج نطاق سطوتهم وسيطرتهم، نعم يسرحون ويمرحون في تفكيك كل شئ يمكن أن ينتج  حالة أفضل مما يقدمون.
يسرحون ويمرحون في ضرب البنية التحية المجتمعية لضمان تفكيكها وإضعافها وتوجيهها خدمة لرؤى قاصرةوأجندات غريبة. لذلك تقوم بعض التكتلات بإستخدام كل شئ لتبرير غزو فكري رخيص خدمة لتشتيت العقول وإضعاف النفوس وبث حالة من الشك تجاه اليقين، وذلك من خلال بث حالة من اليأس والقهر بين أفراد المجتمع لتطويعه عن طريق إستخدام أدوات قذرة بعضها ترهيبي وبعضها ترغيبي.
كما أن جمع الأموال لم يعد للاسف الشديد إنسانياً فقط وإنما مسيساً، حيث بات يستخدم بطريقة غير سوية لتصفية حسابات أو إستهداف وعزل أشخاص أو حتى تعميق الفرقة بين أفراد المجتمعات لحساب أجندات فئوية وفردية.
من هنا يزداد التفكك المجتمعي ويزداد الحقد بين أفراده وتنمو حالات الحسد وتتكاثر مما يجعل هذا المجتمع أكثر ضعفاً ومهدداً بالتفكك والضياع خاصة في ظل ظروف إقتصادية صعبة.
لذلك نرى أن الطغيان الفكري إرتكز في الأساس على نشر الفتن، وبالتالي فإن مواجهة الأشرار هي من أسس مواجهة هذا الطغيان الفكري والسلوكي العنيف الذي ينتهجه مروجي الفتن الذين يؤمنون ويعتقدون بأنه  لا يمكن أن يكون لهم مكان،  برفعة المجتمع ورخائه وإزدهاره وتقدمه وتطوره وتماسكه وتيسير عملية الإرتقاء به .
من هنا أجد أنه يمكن يتم وقف هذا عن طريق توفير بيئة محترمة وراقية ترتفع بحقوق الإنسان من مستوى الحق إلى مستوى الواجب لمواجهة هذه التحديات.
نعم إن الفتنة هي من أخطر السلوكيات الإنسانية التي تهدم الأوطان ، وتغتال الأشخاص معنوياً والنتيجة هي بلا شك هدر للطاقات والموارد ، لذلك يجب أن يتوقف مروجي الفتن عن أفعالهم الشريرة التي يقومون بها ، حتى تنعم المجتمعات بأجواء صحية متفائلة وساعية لمستقبل إبداعي أفضل، يستطيع فيها الأفراد توظيف طاقاتهم  وإبداعاتهم من أجل البناء  والتعمير والإرتقاء بالفرد والمجتمع.
أخيراً ، أتمنى ونحن في بداية عام جديد أن يراجع مروجي الفتن أنفسهم، وأن يصوبوا مسارهم ليرتقوا بأنفسهم فكراً وسلوكاً وهو الطريق الأفضل ، ويصبح العطاء عنوانهم ، وتصبح المشاركة في بناء المجتمع أسمى أهدافهم وغاياتهم،  خاصة أننا في بلد عظيم يتبنى كل فرص الإبداع الإنساني ويفسح المجال لكل مواطنيه للاستفادة من موارده ومصادره بالتساوي من أجل مجتمع آمن ينعم بالاستقرار والعدالة ، مجتمع يجتمع على هدف واحد وهو العمل من أجل مستقبل واضح الملامح تبني عليه الأجيال القادمة هوية إبداعية تكون محور ارتكاز في التطور العلمي والتكنولوجي لتصبح أفضل نموذج عالمي ملهم بجدارة .