آخر الأخبار

رحلتي إلى المغرب .. محطة مضيئة من الذاكرة

بعيداً عن تحديات الأمل والوجع الذي نعيشه في هذه الأيام ونحن نرى الإنسانية قد بدأت تفقد قيمها وأهم أسس معانيها ، لذلك فضلت أن أهرب من هذا الواقع المٌحبط إلى دهاليز الذاكرة لأقتطف إحدى ذكرياتي الجميلة.
ففي مارس من العام 2020 تمت دعوتي لزيارة المملكة المغربية ، وهي البلد التي زرتها قبيل ما يزيد عن عشرين عاماً عندما تزوجت وذهبت حينها لقضاء إجازتي الأولى برفقة زوجتي.
ولأنني فلسطيني الأصل بالتحديد قوبلت بالكثير من الترحاب، واكتشفت بأن أهل المغرب يعشقون فلسطين ويكنون الكثير من المحبة للفلسطينيين.
حقيقة هذه المشاعر النبيلة جعلتني أحتفظ بالكثير من التفاصيل عن رحلتي الأولى للمغرب، وأصبح للمغاربة مكانة كبيرة في قلبي.
حيث أنه من المعروف أن الشعب المغربي شعب مضياف بطبيعته ويحترم زواره على اختلاف جنسياتهم وثقافاتهم، لكن اهتمامهم بالفلسطينيين كان على الدوام إستثنائياً.
لذلك عندما تمت دعوتي لزيارة المغرب قبل عامين قبلتها بسعادة بالغة وكان لدي شغف بأن أعود لتلك البلد التي مازالت تسكن ذاكرتي، عشرون عاماً مضت وكثير من التساؤلات طرقت رأسي، يا تٌرى ماذا تغير خلال العشرون عاماً في تلك البلد التي أحببتها من كل قلبي؟!.
عندما وصلت أرض المطار لم أجد إلا إبتسامة تحمل رسالة المحبة والترحاب والاحترام، هذه هي المغرب كما عرفتها في زيارتي الأولى ومازالت على عهدها. 
وخلال رحلتي من الدار البيضاء محطة وصولنا إلى محل إقامتي في الرباط مدينة مقصدنا في هذه الرحلة الرسمية لاحظت التطور الكبير وحجم التغيير الذي جعلني أشعر بالسعادة لهذه الإنجازات..لقد كانت رحلتي إستثنائية بكل المعايير.
بدأت رحلتنا منذ اللحظة الأولى تتكشف معالمها فكان دفء الترحيب والاهتمام بنا هو عنوان الرحلة. 
لم أجد راحة أكثر مما منحت لنا ، وعندما بدأ برنامج زيارتنا كان هناك لقاءات عديدة مع مسؤولين كبار منهم الوزراء ومنهم غير ذلك ، وجدت فيهم جميعاً روح المسؤول المغربي الأصيل الذي رسخ الانطباع الأول من زيارتي الأولى بأن الشعب المغربي شعب عظيم. 
قابلت وزراء أكفاء على قدر عال من المسؤولية ولديهم دراية بتفاصيل كل ما يتعلق بشؤون وزاراتهم، والأهم حسهم الوطني وانتمائهم الكامل له، الذي جعلهم مخلصين وحريصين على نقل صورة مشرفة عن وطنهم ليس فقط لي بل لكل الدنيا.
إلتقيت وزيراً لا يسعني إلا أن أصفه بالإنسان الطموح المعطاء النبيل، رجلاً صادقاً لمست فيه التواضع والكفاءة العالية وحسن الخلق 
وإلتقيت وزيراً آخراً وهو عالم كبير لديه الكثير من المعلومات الثرية، رجل غيور على دينه وعروبته، استوقفني رده الذي كان بمثابة درساً مهماً لي عندما سألته عن مصطلح  التطرف الإسلامي، رد علي قائلاً:
لا يوجد هناك ما يُسمى بالتطرف الإسلامي، فالإسلام ليس ديناً متطرفاً كما  كل الأديان ليست متطرفة ،  وإنما هناك مسلمين متطرفين كما أن هناك غيرهم من جميع الأديان والملل الأخرى،  وبالتالي لايجوز أن نجلد أنفسنا ونجعل من أنفسنا متهمين ونحن الضحية،  أتفهم ما الذي قصدته ولكنكم جيل يجب أن يعتز بهويته وثقافته الإسلامية وأن لا تنظروا لأنفسكم كمتهمين بل إنظروا لأنفسكم كمبدعين وأصحاب أفكار ملهمة لكي تكونوا جزءً من المكون المجتمعي الذي تعيشون فيه  كي تستطيعون التأثير فيه وأن تكونوا شركاء في بنائه ورخائه وإزدهاره .
وإختتم حديثه قائلاً: كونوا سفراء لدينكم وهويتكم ولا تنشغلوا بالمفاهيم الخاطئة التي ستستنزف فكركم وطاقتكم.
نعم كان هذا العالم الوزير يتحدث فكرا يعكس جوهر ألية الإختيار لمثل هذه الكفاءات ، وهي التي  كانت بالنسبة لي مصدر إلهام،  وبذلك أكد هو على أنه بحجم وطن وبأن  المغرب بكل مكوناته يمثل فسيفساء ثقافية واعية لا تنزلق مع مفاهيم مشوهة قد تستهدف الدين والهوية،  حتى لو كانت المواقف السياسية العامة طارئة أو طبيعية لها ما لها وعليها ما عليها ضمن ما ترسمه التحديات وما تتطلبه الظروف.
أخيراً هنيئاً للمغرب ثقافتها وهويتها وفسيفسائها المجتمعية الجامعة ، التي أفسحت المجال أمام تطور هذا البلد الجميل والذي أصبح مقصداً مهماً لكل من يريد أن يطلع على فرص إستثمارية جديدة أو حتى قضاء إجازة سياحية في أماكن تستحق الزيارة ليس فقط لأنها جميلة ولكن لأن المملكة المغربية هي الأجمل بروح أهلها وكرمهم  وعراقة تاريخها.
شكراً للمغرب بكل مكوناته على الدعوة الكريمة وعلى حسن الضيافة ، ونعم قبل أن نتركها ونرحل قبل يوم واحد من إغلاق الحدود الدولية بسبب جائحة كورونا كنا نعرف بأننا في بلدنا قبل أن تقولها لنا المملكة المغربية التي بدورها أمنت طريق عودتنا بدون أي مشقة أو عناء!.
محطة مضيئة من مخزون الذاكرة أحببت أن أتوقف عندها في هذا المقال حتى أوصل رسالة واضحة مفادها أن الولاء والانتماء للوطن وقضاياه لا يتم بالمظاهر والشعارات الزائفة، بل يتطلب عملاً وجهداً مخلصاً جماعياً مصحوباً بنية خالصة للارتقاء به والحفاظ عليه بأمن وأمان.