"في حضرة الغياب" بقلم: شيماء أحمد عيسى

 

لا يخفى على من هم من حملة الكتب (القُرّاء) وخاصةً من محبي الشعر الحر أن يربطوا بين عنوان هذا المقال واسم كتاب نثري للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. وهذا صحيح، هو اسم كتابه بلا تصرف، لذا قوسي الاقتباس.

فكلنا فعلياً في حضرة غيابٍ ما.

نعم، كلنا. وإن لم نشعر بأنفسنا، بل خاصةً حينها. 

فأحياناً ما ينقصنا في حياتنا الآنية هو وجود الرفقة والصحبة، وأحياناً إلتفاف الأهل والأخوة حولنا، وأحياناً كثيرةً قد يكون غياب نفسنا عنا هو أكبر عامل يؤرق منامنا. فنحن اليوم كما لم نكن بالأمس، حتى أصبحت ملامحنا مختلفة بالكلية، لنا نحن، ليس بالضرورة للآخرين. وإن لاحظ الآخرون أيضاً اختلافنا وتغيرنا.

 ولا بأس، فكما يُقال، "التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة"، لأن الإنسان الطبيعي يتغير وسيتغير خلال سنين عمره إن منّ الله عليه بعمر طويل من الممكن فيه أن يكتشف ويجرب ويُبتلى ويتطور، ليتغير.

ذلك لأن التغيير الإيجابي قد يأتي بعد إبتلاء، واقعة غير محبذة، تعلمك فيها دروساً ما كنت عرفتها من دونها. 

كواقعة الكورونا العظيمة مثلاً، التي أتت كصدمة للبشرية جمعاء، تحديداً على الشعوب المنعّمة التي تتوفر لديها إحتياجاتها الأساسية وزيادة، واستخلصنا منها عبراً تذكرنا بتلك الفترة القاسية التي ندعو الله أن لا تتكرر ولا يأتي ما هو أشنع منها. ومن تلك العبر هو إيماننا بأن النعم المسلّم بها في مخيلتنا هي أمانات قابلة للتلاشي في لمح البصر، وأن ما نراه من البديهيات قد يصبح بيوم ما أمنية بعيدة المنال، وأن الرزق كيفما كان شكله (الصحة والعافية، الأمان والاستقرار، الأهل والأبناء، الدراسة والعمل، الخ) هو أمر بيد الله سبحان وتعالى يتطلب منا حمداً شكراً وامتناناً خالصاً لوجه الكريم. 

وقد يأتي هذا التغيير بعد حدوث أمر سار، كنجاح وأفراح، وإن كانت تلك الأفراح هي ابتلاءات بحد ذاتها. فمثلاً الارتباط بشريك العمر في مرحلة التقدم والخطبة، ومن ثم الزواج والإنجاب سعياً لتأسيس أسرة، كلها أمور تبعث السعادة في نفس الإنسان بسبب حداثتها وقدرتها على إحداث نقلة في جودة الحياة، وهي بنفس الآن تتطلب ألف وقفة ووقفة مع النفس حتى تتأكد من أنك تتعامل بوعي وفهم وجهد صريح مع أسرتك الجديدة والمتجددة، لكي تصل بنفسك وبهم لمكان جيد، فيه مودة ورحمة وسلام واستقرار. 

وخلال رحلة عمرك مع كل هذه المواقف والظروف والمستجدات، قد يحدث أن تستيقظ في إحدى الصباحات وتنظر لانعكاس صورتك في المرآة، ولا ترى نفسك. تشعر بأنك موجود وغائب في الوقت نفسه. كأن من يناظرك غريب عنك. وتستعجب من سرعة مرور العمر: متى مرت العشر سنوات الماضية؟ ألم تكن بالامس هناك، تسعى لهدف حققته وانتهى في حينه؟ 

ألم نكن في 2020 بالأمس، و2010 قبل أمس؟ متى أصبحنا في 2022؟ 

وهذا وارد، "فأنت الآن لست أنت."

لذا عش واقعك اليوم بأفضل شكل وحال، وحن لذكريات الماضي برأفة على نفسك وغيرك، واعمل ما تستطيع عمله لغدك دنيا واخرة.  

وكن حاضراً، كن حاضراً.